ارتياح عراقي لتأجيل الانتخابات

المالكي يرفض إشراف الأمم المتحدة على الاقتراع

عراقية تسجل للحصول على بطاقة الانتخاب البايومترية في بغداد أمس (رويترز)
عراقية تسجل للحصول على بطاقة الانتخاب البايومترية في بغداد أمس (رويترز)
TT

ارتياح عراقي لتأجيل الانتخابات

عراقية تسجل للحصول على بطاقة الانتخاب البايومترية في بغداد أمس (رويترز)
عراقية تسجل للحصول على بطاقة الانتخاب البايومترية في بغداد أمس (رويترز)

رغم أن غالبية القوى والأحزاب العراقية، لا سيما التقليدية منها، عبّرت عن انزعاجها من تأجيل الانتخابات العامة إلى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بدلاً من يونيو (حزيران)، فإن الجميع تقريباً مع التأجيل، طبقاً لما يدور في الكواليس.
كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي حسمت الجدل بشأن الموعد الذي حدده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واقترحت موعداً جديداً، قد قرأت مزاج القوى والأحزاب، لا سيما الكبيرة التي تتحكم منذ 18 عاماً بالمشهد السياسي، قبل اقتراحها تأجيل الانتخابات «لأسباب فنية»، طبقاً لتلك التسريبات.
وجاء القرار منسجماً مع رغبة القوى التي تملك غالبية مقاعد البرلمان. كما أنه صبّ في مصلحة القوى والأحزاب الجديدة أيضاً، سواء تلك التي خرج بعضها من رحم القوى والأحزاب التقليدية أو تلك التي خرجت من رحم انتفاضة أكتوبر 2019.
فالقوى التقليدية، وبعد صدور قانون الانتخابات الجديد الذي يستند إلى صيغة جديدة، وهي انتخابات الفردي وعبر البطاقة البايومترية لمنع التزوير، باتت بحاجة إلى فسحة زمنية لإعادة النظر في وضعها وسط الجمهور وطبيعة التحالفات المقبلة وكيفية ضمان عودتها إلى الواجهة، إن لم تكن أقوى فعلى الأقل بأوزانها نفسها.
أما القوى والأحزاب الجديدة، ومن بينها قوى «حراك تشرين» مثلما بات اسمها المتداول في الخطاب السياسي العراقي، فتحتاج هي الأخرى إلى مزيد من الوقت كي تتقن آليات خوض الانتخابات، مع الإبقاء على التعاطف الجماهيري نفسه.
وأعلنت مفوضية الانتخابات عن الانتهاء من تسجيل الكيانات السياسية الراغبة في خوض الانتخابات، وبلغ عدد طلبات المشاركة 438 طلباً تم منح 230 منها الموافقة. ومددت المفوضية المهلة الممنوحة للكيانات الجديدة لمدة شهرين إضافيين بعد موافقة مجلس الوزراء على التأجيل، فيما طلب رئيس الوزراء التمديد لشهرين آخرين أمام المواطنين لتحديث سجلاتهم والحصول على البطاقة البايومترية.
وبين أبرز الحركات والأحزاب الجديدة التي أعلنت عن نفسها «حركة بداية» و«تجمّع تشرين» و«حركة وعي» و«حركة اقتدار وطن» و«تيار الفراتين» و«تيار المرحلة» و«حركة تصحيح» و«تيار حقوقيون» و«إنجاز».
وأعلن زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر أنه لن يسمح بتأجيل جديد للانتخابات بعد أكتوبر المقبل. وقال في بيان: «لن أسمح بتأجيل آخر للانتخابات، وخلال هذه الفترة يجب على الجميع التحلي بالروح الوطنية والكف عن الصدامات والمهاترات».
وشدد على أنه «يجب أن نكون على حذر شديد من تلاعب الفاسدين ومؤامراتهم، سواء بما يخص قانون الانتخابات أو التدخل بعمل المفوضية أو غيرها مما يضر الشعب». وأكد أنه «من أشد المطالبين بإجراء انتخابات مبكرة».
وعبر زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، عن انزعاجه من قرار الحكومة تأجيل الانتخابات. وأكد خلال لقائه عدداً من شيوخ محافظة البصرة أنه كان يأمل بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر السادس من يونيو المقبل.
لكن اللافت هو الموقف الذي عبّر عنه زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي لدى لقائه، أمس، السفير البريطاني في بغداد ستيفن هيكي. ففي وقت دعت الحكومة ورئاستا الجمهورية والبرلمان الأمم المتحدة إلى الإشراف على الانتخابات، وهو ما عبّرت عنه المرجعية الشيعية العليا في النجف، فإن المالكي أعلن رفضه أي إشراف من أي نوع على الانتخابات المقبلة.
وقال مكتب المالكي في بيان بعد لقائه السفير البريطاني إن «العراق مصمم على تجاوز التحديات الراهنة، من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة تتمتع بالشفافية العالية وتحظى برقابة الأمم المتحدة»، معرباً عن «الرفض القاطع للإشراف على الانتخابات من أي جهة كانت لأنها تمس بسيادة البلاد وتعطي المجال لمن يريد العبث بالانتخابات».
ورأى أن «إجراء الانتخابات في الموعد المقرر سيمهد لولادة حكومة وبرلمان منسجمين، للنهوض بواقع المسؤولية في تلبية مطالب العراقيين». وقال إن «الوضع الداخلي لا يمكن أن يستقر من دون وجود حكومة قوية تحقق الوفاق السياسي لتكون قادرة على استعادة هيبة الدولة وفرض القانون ومعالجة الخلل الحاصل في إدارة الدولة». وشدد على «خروج القوات الأجنبية من البلاد وقرار مجلس النواب بوجوب خروج تلك القوات، لانتفاء الحاجة إليها والاكتفاء ببقاء المستشارين والمدربين فقط».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.