البرلمان التونسي يسائل الحكومة حول تداعيات موجة الاحتجاجات المتواصلة

رئيس الحكومة مطمئناً الشباب: صوتكم مسموع وغضبكم مشروع

جانب من المواجهات التي عرفتها شوارع العاصمة التونسية بين المحتجين وقوات الأمن ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات التي عرفتها شوارع العاصمة التونسية بين المحتجين وقوات الأمن ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

البرلمان التونسي يسائل الحكومة حول تداعيات موجة الاحتجاجات المتواصلة

جانب من المواجهات التي عرفتها شوارع العاصمة التونسية بين المحتجين وقوات الأمن ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
جانب من المواجهات التي عرفتها شوارع العاصمة التونسية بين المحتجين وقوات الأمن ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)

خصص البرلمان التونسي جلسته العامة، أمس، لمساءلة الحكومة حول تداعيات الوضع الاجتماعي والأمني، بعد موجة الاحتجاجات الاجتماعية الليلية التي رافقتها عمليات السرقة والنهب والفوضى، وذلك بحضور وزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي، ومحمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية، وعلي الكعلي وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار.
وفي تعليقه على الاحتجاجات، قال المنجي الرحوي، النائب عن حزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد» المعارض، أمس، إن الاحتجاجات التي شهدتها تونس العاصمة «مدنية وسلمية، تنديداً بالفقر والجوع والحرمان، والظلم الذي يعيشه الشبان يومياً، بعد 10 سنوات من التنكر لمطالبهم، وتغول حزب سياسي دون إنجاز إصلاحات تكون وفية لأهداف الثورة»، مشيراً إلى توسع رقعة الاحتجاجات في كل جهات البلاد، بسبب انعدام حلول يمكن تحقيقها من قبل الحكومات، على حد قوله.
وحول موقف الأحزاب من التحركات السياسية، أوضح أن عدداً من الأحزاب التقدمية «أصدرت بيانات تساند الاحتجاجات، وتدعو مناضليها للمشاركة فيها، وهذا أمر طبيعي».
وبينما أكد النائب البرلماني حاتم المليكي وجود ألف سبب يدفع الشباب للخروج إلى الشارع والاحتجاج، اتهم مروان الفلفال، النائب عن حركة «تحيا تونس»، الحكومة بالانشغال بالتعديل الوزاري، ولزوم الصمت لعدة أيام تجاه ما يحصل من احتجاجات ليلية.
وفي السياق ذاته، دعا عدنان الحاجي، النائب المستقل، الحكومة إلى الإقرار بفشلها والاعتراف بأخطائها، مع ضرورة الإقرار باستفحال الفقر والتهميش، معتبراً أنه «لا معنى للديمقراطية، ما لم تتجسد في أبعادها الاجتماعية».
ومن ناحيته، قال عماد الخميري، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «النهضة» الإسلامية، إن حزبه يدين التحركات الاحتجاجية التي «تتستر بالظلام، وينجم عنها اعتداء على الأملاك والأشخاص»، داعياً القضاء إلى فتح تحقيق في كل ما حدث من تجاوزات لتحديد المسؤوليات.
وفي رده على تساؤلات نواب البرلمان أمس، قال إبراهيم البرتاجي وزير الدفاع، إن المعلومات المتوفرة تؤكد أن العناصر الإرهابية قد تستغل عمليات الشغب للدفع نحو تأزيم الوضع الاجتماعي. ونبه إلى ضرورة «التعاطي الرصين» مع الاحتجاجات، داعياً العائلات والمجتمع المدني إلى المساهمة الفعالة في تأطير الشباب وتوعيته.
وكان رئيس الحكومة، هشام المشيشي، قد استبق هذه الجلسة البرلمانية، بإلقاء كلمة للتونسيين، ليلة أول من أمس، أكد فيها أن «حق الاحتجاج مكفول دستورياً»، وأن دوره هو «حماية هذا الحق والحفاظ على سلميته»، معتبراً أن الأزمة «حقيقية، والغضب مشروع؛ لكن الاحتجاجات والفوضى مرفوضة، وستتم مواجهتها بقوة القانون ووحدة الدولة».
وقال المشيشي إنه يعلم بوجود «غضب في عديد من الجهات بسبب الأزمة الاقتصادية التي عمقتها أزمة (كورونا)، وأتفهم المطالب الاجتماعية والاقتصادية، ودوري أن أصغي إليها، وأحولها إلى دافع نحو الفعل والإنجاز» على حد قوله؛ مبرزاً أن الفريق الحكومي «لديه ما يكفي من الواقعية للإقرار بضرورة التعامل مع الشباب كقوة اقتراح للحلول، واستنباط وسائل عمل مبتكرة للفهم الجيد. ونحن نعمل على ألا تكون الدولة بإدارتها وقوانينها قوة جذب إلى الوراء».
وفي محاولة للتخفيف من حدة الاحتقان، خاطب المشيشي الشباب التونسي لطمأنته قائلاً: «صوتكم مسموع وغضبكم مشروع؛ لكن لا تسمحوا بأن يتسلل المخربون إلى احتجاجكم»، داعياً الأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام إلى «عدم الانسياق إلى حملات التحريض، وبث الإشاعات».
ودعت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب (هيئة حقوقية)، أمس، التونسيين والناشطين الحقوقيين إلى الاتصال بها قصد الإعلام، أو تسليم أدلة تؤكد ما يتم رصده من انتهاكات قد تطال الموقوفين في غرف الاحتفاظ أو في السجون. وذكرت الهيئة أنها تتابع عن كثب الاعتقالات المرتبطة بالأحداث التي تشهدها البلاد منذ بضعة أيام، مبرزة أن أعضاءها يقومون بزيارة مراكز الأمن وغرف الاحتفاظ بالمراكز الأمنية.
يذكر أن قوات الأمن اعتقلت مئات المحتجين، تتراوح أعمارهم بين 14 و17 سنة، كما تم إصدار 34 حكماً بالسجن في حق عدد من الموقوفين من بينهم 7 أطفال، في حين تم إطلاق سراح 38 شخصاً أغلبهم من التلاميذ. وفي هذا السياق كشف مراد التركي، المتحدث باسم محاكم صفاقس (وسط شرقي) عن إحالة 31 شخصاً إلى التحقيق والمجلس الجناحي وقاضي الأطفال، وتم إصدار 12 حكماً بالسجن، وإحالة 12 طفلاً إلى قاضي الأطفال.
في غضون ذلك، تظاهر أمس عشرات الشبان أمام مقر المحكمة في العاصمة للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين، وغالبيتهم من القصر.
كما طالبوا السلطات بإطلاق سراح ناشط تظاهر في 14 من يناير (كانون الثاني) الجاري في الذكرى العاشرة لثورة 2011.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.