المسرح الإسرائيلي في خدمة الاحتلال رغم بعض محاولات «التمرد»

نتائج حرب عام 1967 شكلت منعطفا مفصليا في مسيرته

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

المسرح الإسرائيلي في خدمة الاحتلال رغم بعض محاولات «التمرد»

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يشتهر المسرح الإسرائيلي بتميّزه الفني والتقني، بحكم مناهله الأوروبيّة أساسا، لكنّه أيضا الإطار الأمثل لمحاكمة سياسة الاحتلال الإسرائيلي، كما يكشف المخرج شيمعون ليفي في كتاب عرّبه الكاتب الفلسطيني سلمان ناطور، وصدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، ومقره مدينة رام الله.
«لدي أموات تحت الطاولات. البيت مليء بالأموات..». هذا ما قاله الكاتب والمخرج الإسرائيلي حانوخ ليفين في إحدى مسرحياته التي انتقد فيها «شهوة الموت» لدى حكّام «بلاده».
وتعد أعمال ليفين الذي توفي عام 1999 نقطة مفصلية في تاريخ المسرح الإسرائيلي، إذ شهد تحوّلا من الالتزام «بقضايا الأمة» إلى مسرح نقدي لاذع.
يشير سلمان ناطور في مقدمة كتاب «المسرح الإسرائيلي.. الأنا والآخر ومتاهة الواقع» لشيمعون ليفي المخرج الإسرائيلي والمحاضر في قسم المسرح في جامعة تل أبيب، إلى أنّ حانوخ ليفين أسّس لهذا التحوّل في المسرح الإسرائيلي، حتى بات النقد الاجتماعي والسياسي لمفاهيم دينية واجتماعية وسياسية الأكثر انتشارا في الأعمال المسرحية الإسرائيلية.

* صياغة الوعي
يعود شيمعون ليفي في كتابه الصادر أخيرا عن «مدار» إلى أسباب تطوّر المسرح الإسرائيلي، ومنها غياب الرقابة على المسرحيات التي ألغيت في منتصف ثمانينات القرن الماضي وتأثّره بأوروبا، ما تمخّض عن نصوص جريئة ولاذعة وبروز جيل من المسرحيين «يواصلون بثبات نهجا مسرحيا تقدميا».
وفيما يؤكد ليفي أنّ الديانة اليهودية تحرّم الفن المسرحي لأنّه يكتنف مجاراة لعملية الخلق، فإنّ الإسرائيليين هم الرواد الأكثر للمسرح في العالم، ورغم قلّة الدعم الحكومي للمسارح الإسرائيلية مقارنة بأوروبا، ارتفعت نسبة الأعمال المقدّمة بالعبرية، أخيرا، فيما خضع مديرو المسارح لرغبات الجمهور الذي يفضّل القصص الواقعية، حتى بات المسرح الإسرائيلي لا يسهم فقط في نقل الواقع، بل في صياغة الوعي بشكل أو بآخر.

* البدايات
يذهب شيمعون ليفي إلى رصد التحولات التاريخيّة التي شهدها المسرح الإسرائيلي. هكذا، يتناول أوّل مسرحية بعنوان «زوروا بابل» لموشي ليف ليليبلوم، عرضت في القدس المحتلة عام 1890 وترجمها من الإيديش إلى العبرية ديفيد بالين، حيث أضاف إليها المترجم حوارا بين شخصيات تريد الهجرة إلى فلسطين وأخرى تفضّل البقاء في بابل حيث الرفاه والحياة المزدهرة.
مثّلت هذه المسرحية المرحلة الأولى من مسيرة المسرح العبري (1890 - 1914)، وكان النشاط المسرحي يجري في المدارس والمستوطنات.
عام 1905، تأسست فرقة المسرح الإسرائيلي للهواة في يافا، فيما شهد عام 1909 ولادة فرقة أخرى في القدس، وثالثة في بيتاح تكفا وسُميت الفرق الثلاث هواة المسرح العبري.

* الرقابة الذاتية
بعد ضعف الحركة المسرحية الإسرائيلية في الحرب العالمية الأولى، تجدّد نشاطها عام 1917، واستمرّ حتى ثلاثينات القرن الماضي... شهدت تلك الفترة تقديم أعمال مستوحاة من التوراة واستمر التركيز على الهجرة إلى أسطورة «أرض الأجداد في فلسطين»، أما المرحلة التالية التي امتدّت حتى إعلان دولة إسرائيل عام 1948، فتميزت بتقديم مسرحيات عالمية كلاسيكية ومعاصرة، وأخرى ذات مواضيع يهودية تاريخية، ففي عام 1937 عرضت مسرحية «الحراس»، التي تناولت أوضاع اليهود في فلسطين.

* ما بعد النكبة والنكسة
وتغيّر دور المسرح العبري ما بعد النكبة، وإعلان قيام «الدولة الإسرائيلية»، إذ لم يعد يلعب دور تعزيز شعور المهاجرين بالمكان واللغة، كما في السابق، بل راح يتناول موضوع الهوية الإسرائيلية في مراحل تبلورها والتوتر الشديد بين الأنا والمجتمع.
وجاءت نتائج حرب عام 1967 لتشكّل منعطفا مفصليا في المجتمع الإسرائيلي، حيث تميّز النشاط المسرحي من ذلك الوقت بالرصد السريع والتسجيلي للواقع... وهكذا، بدأت المسرحيات التي تنتقد الحرب.
في عام 1968، قدّم آرييه زاكس مسرحية «السلام» لأرسطوفانس، واشتملت على انتقاد حاد للحرب التي أتت على ما بقي من الأراضي الفلسطينية، وجزء من الأراضي المصرية والسورية، فيما جاء الرد العنيف في المسرحية الساخرة «أنت وأنا والحرب المقبلة» لحانوخ ليفين التي نبذت الاحتلال والاستيطان وقمع الشعب الفلسطيني.
وفي عام 1970، أثار حانوخ ليفين بمسرحيته «ملكة الحمام» العاصفة الكبرى في تاريخ المسرح الإسرائيلي، ليقدم بعدها مسرحية «الغرض»، التي تقوم فيها بطلة المسرحية فوغرة بتعذيب شخصيات متخيلة تمثّل طوائف وطبقات إسرائيلية، وتقوم على قتل المستأجر الفلسطيني.
وفي عام 1972، منعت الرقابة الإسرائيلية مسرحية «أصدقاء يتحدثون عن يسوع» لعاموس كينان، فيما مارس مديرو المسارح نوعا من المراقبة الذاتية على ما يقدمونه، حتى امتنعوا بشكل شبه كامل عن تقديم نصوص لاذعة من شأنها إثارة حفيظة الجمهور.

* فشل أوسلو
بعد اغتيال إسحق رابين، وفشل اتفاقات أوسلو، وبعدما أضيف إلى جمهور المسرح الإسرائيلي نحو مليون مشاهد أتوا من دول الاتحاد السوفياتي السابق، نشأت مسارح جديدة أبرزها «غيشر» (الجسر)، وأسّسه مسرحيون من أصول سوفياتية، وراح المسرح يتحوّل تدريجا إلى مسرح تجاري.
وفي الوقت الذي امتنعت فيه المؤسسات المسرحية الإسرائيلية عن تقديم أي عمل مسرحي يحتج بشكل أو بآخر على ما يحدث للفلسطينيين منذ الانتفاضة الثانية، ظهرت مسرحيات تنتقد السياسة الإسرائيلية الداخلية.
وفي إطار ما بات يعرف باسم «مسرح الضواحي»، كانت مسرحية «شيء ما انتهى بالرقص» لفرقة مسرحية بإشراف دودو معيان و«فاتورة النفس» لمؤلفها داني هوروفيتش، ما يؤكد أنّ المسرح السياسي لا يزال مؤثرا، رغم تحوّل المسرح الإسرائيلي إلى مسرح تجاري تدريجيا.
من الجدير بالذكر أن الديانة اليهودية لا تشجع الفن المسرحي بل تحرمه؛ «لأن فيه مجاراة لعملية الخلق»، ومع ذلك فإن المسرح العبري في إسرائيل لا يزال يلقى الإقبال المتنوع من كل الأجيال والشرائح والطوائف، باستثناء المتدينين المتزمتين، ليبقى السؤال الذي يطرحه الكتاب: هل المسرح نتاج إسرائيلي مدني أم أنه تحول طارئ على الفكر الديني اليهودي، أم أن الصهيونية حللت المحرمات، لأنها تضع نفسها فوق الديانة باعتبارها عقيدة أيضا؟



علوية صبح: أعيش الحرب تحت عناوين مختلفة وشعارات متبدلة

 علوية صبح
علوية صبح
TT

علوية صبح: أعيش الحرب تحت عناوين مختلفة وشعارات متبدلة

 علوية صبح
علوية صبح

>عنوان روايتك «افرح يا قلبي» التي صدرت منها طبعة مصرية مؤخراً، يحيل إلى أغنية شهيرة لأم كلثوم. ألم تتخوّفي من أن العناوين الأدبية والفكرية المأخوذة من كلمات أغانٍ باتت ظاهرة مستهلكة؟

- ولمَ أتخوّف؟ ليس من عنوان يليق بالرواية سواه. هو غير منفصل عن «ثيمة» الرواية، فالبطل «غسان» عازف موسيقي على العود، تربّى على الطرب العربي والتراثي. ثم إن الأغنية تربط الحب بالفرح عنده، وليس العذاب والنواح كما في الأغاني الموروثة. والقرّاء والكتّاب والنقّاد أحبوا العنوان كثيراً.

> ما معايير اختيارك لعناوينك الأدبية؟

- هو باب مفتوح للدخول إلى عالم مجهول للقارئ. لا أميل إلى العناوين أو النهايات المغلقة وأبتعد عن الشاعرية أو التعقيد في اختيار العناوين.

> يبدو أن روايتك «أن تعشق الحياة» تعكس استلهاماً فنياً لتجربتك الشخصية مع المرض، كيف ترين الأمر، وإلى أي حدّ تطلّ سيرتك الذاتية في أعمالك؟

- نعم. لم أستلهم أو أوظّف في الرواية سوى المرض العصبي الماكر والمؤلم الذي أصابني. تخيّلت أنه أصاب البطلة «بسمة»، وتجلّت إرادتي وحب الحياة في مواجهة المرض وخيبات الحروب والحب. وبدا في الرواية أن مرضنا هو وجه من وجوه مرض الأوطان العربية التي شهدت حروباً أهلية مدمّرة. وشعرت أن المدن تشبه ناسها وحكاياهم من حكاياها. لكنّ قدرة التخييل عند الروائي هي الإيهام بالحقيقة أو الواقع. والغريب أنه منذ شفيت «بسمة» في آخر الرواية لم أعد أصدّق أنني ما أزال مريضة. أشعر أنني «بسمة» وأن حياتي صارت حيوات أبطال رواياتي التي عشتها. لا تحمل أي رواية أصدرتها سيرة حياتي، وإنما يحدث أن يتسلّل بعض من تجربتي أو أحاسيسي في الحياة.

> لو كتبت سيرتك الذاتية، فهل ستأتي متحفّظة أو ستكون مطلقة الحرية على غرار كتابات الغرب في هذا السياق؟

- قيمة السيرة الذاتية في جرأتها وحقيقيّتها وكونها كاشفة وبعيدة عن صورة تجميل الذات أو إخفاء ما يجب أن يعرفه القارئ عن الكاتب وعن حياته وأفكاره. أنا لا أخاف من شيء، ولا أمارس أي رقابة ذاتية على كتاباتي. وما أكتبه بين الحين والآخر من سيرتي، سيشهد على صدقي حين أنتهي منها ذات يوم.

> تبدو الحرب قاسماً مشتركاً يهيمن على نصوصك؟

- منذ مطلع شبابي وأنا أعيشها بعناوين مختلفة، وهل في ذاكرتي غيرها؟ إننا في لبنان ما زلنا مكبّلين ومأسورين بالحروب القذرة تحت شعارات تتبدّل بين مرحلة وأخرى ولا تحصد سوى الدمار والخراب والخيبات للبشر وحيواتهم. لكنني ما كتبت رواية حتى الآن تحت شعارات وسقوف آيديولوجية. كنت دائماً معنية بتحوّلات المجتمع وحيوات البشر، عن الحب والموت والصداقة والفقدان والأمومة وغيرها من القضايا الإنسانية المتشابكة. فتحتُ الرواية على الحياة والبوح الحقيقي ومساءلة كل ما يكبّل ويهدم إنسانية المرأة والإنسان البسيط عموماً. والقضايا التي أثارتها رواياتي لامست قرّاءً عرباً وليس فقط من عاشوا الحروب. معنى الأدب وقيمته مهما كان موضوعه إنساني بحت.

>سؤال الهوية وقلقها يتجلّى هاجساً ضاغطاً في العديد من أعمالك، ما السبب؟

- صحيح أنني تناولته عند بعض شخصيات رواياتي، لكنه يشكّل محور روايتي الأخيرة «افرح يا قلبي»؛ حيث الأب القومي الناصري المستبدّ والماجن، والصراع بين الإخوة إلى حدّ قتل الأخ المتطرّف الإرهابي أخاه العروبي والمسلم المعتدل والإنساني. وبما أنها تتناول هذا الموضوع، تطرح الرواية علاقة الشرق بالغرب، ولكن بطريقة ومنظورين مختلفين عمّا طرحه كتّاب وروائيون عرب كبار، بعيداً عن مقولة «الشرق ذكورة والغرب أنوثة»، أو فكرة إخضاع المرأة الغربية في الفراش، انتقاماً من الاستعمار أو التفوّق الغربي. من هنا تطرح علاقة البطل غسان الموسيقي وعازف العود والعاشق للتراث الموسيقي العربي والشرقي، بحبيبته وزوجته الأميركية والعاشقة للموسيقى الشرقية والصوفية، مسألة التكامل الثقافي والإنساني بين الشرق والغرب، وإن بقي غسان منشرخ الهوية في الانتماء للغرب أو للشرق بعدما هاجر إلى نيويورك وقضى معظم حياته فيها.

> كيف تجلى هذا الهاجس في «افرح يا قلبي» بشكل خاص؟

- إن تشظّي الهوية في لبنان وفي البلدان العربية التي شهدت حروباً أهلية مدمّرة، أولدت تناقضات وصراعات مدمّرة حول الانتماء والهوية. حاولت في الرواية أن أترصّد التحولات في الهوية وفي العلاقات الأسرية منذ خمسينات القرن الماضي إلى ما وصلنا إليه في البلدان العربية التي شهدت الحروب. الأصولية المتطرّفة قاتلة ومقتولة ومدمّرة، وأضاعت البوصلة. أقلقتني مسألة الهوية بصفتي إنسانة مسلمة معتدلة وعروبية، ومذهبي هو الإنسانية، فأنا مشبعة ومؤمنة بالانتماء للعروبة، ولذلك شهدت الرواية صراعات بين الإخوة، فوصفها نقّاد بأنها رواية «الإخوة كرامازوف» لـ«دوستويفسكي» العربية، بينما وصفها نقّاد آخرون بأنها صوت مختلف وجديد حول موضوع الهوية وعلاقة الشرق بالغرب.

> منحك النقّاد عدة ألقاب، منها «كاتبة المرأة»، ألا تخشين أن يأتي هذا اللقب على حساب انحيازك الإنساني العام ويحشرك في زاوية «نسوية» ضيّقة؟

- يحقّ لكل ناقد أو قارئ أن يصف أعمالي بما يشاء. القارئ لأعمالي لم يرني كذلك. وإذا كانت سردياتي عن واقع المرأة وتجاربها في الحياة، فأنا أتطرق إلى ما هو أعمق إنسانياً. أليست حكايا البطلات الحقيقية جوهرية في الأدب الإنساني؟ نسويتي تخلو من أي شعار أو آيديولوجيا أو خطاب، فأنا لست نسوية شوفينية ولا أصولية في طرحي. ما هو مهم هو كيف نروي الحكايات وليس فقط ما الذي نرويه. من سمّاني «كاتبة المرأة» يقصد أنني ذهبت بعيداً في الكشف عمّا هو مكموم في حيوات النساء، وفي كسر الصور المنمّطة حول صورهن في الروايات.

كلّ ما فعلته هو إعلاء أصوات النساء ليحكين عن حيواتهن وأسرارهن المجهولة والمحجوبة في روايات. دخلت إلى ما هو مظلم في آبارهن السحيقة، وحاولت أن أكسر اللغة الذكورية ومفاهيمها وسطوتها في الأدب عند كتابات الرجال والكاتبات. وكنت في كل ما أرويه حتى عن مآسي النساء وأحلامهن وخيباتهن أمجّد الحياة والحب. أما شخصيات الرجال في رواياتي من عشاق أو آباء أو إخوة فلهم أيضاً وجوههم الكثيرة كما عند صور النساء، من القاسيات إلى المتجبرات إلى العاشقات وكل النماذج النسائية أو الذكورية الموجودة في مجتمعنا.

> من ضمن ألقابك «شهرزاد الحكايا»، كيف توازنين بين سحر الحكاية في نصوصك ومحاولة التجديد في بنية النص، حتى لا يقع في فخ الإبداع التقليدي القديم؟

- نعم، سُمّيتُ أيضاً «شهرزاد الرواية»، وفي الصحف الغربية «شهرزاد حديثة». صحيح أنني متأثرة بتراثنا السردي العربي والمشرقي لإيماني بهويتي الثقافية، لكنني غير منفصلة عن زمننا وحاضرنا، ولا عن الثقافة العالمية الإنسانية. من قرأ رواياتي يدرك أنني لم أتّبع بناء النص التقليدي الغربي، كما لم أكتب بطريقة استنساخية لموروثنا الشرقي. ذهبت بعيداً في خيالي، واشتغلت كثيراً لاكتشاف أسلوبي الخاص في القص. فتحت النص خارج البناء الكلاسيكي، لكنني أبقيت الرواية محكومة ببناءٍ لا يهدم عمارة النص. العمارة الخاصة التي استفدت فيها من كلّ ما يمتّ إلى حيويته وحياته وتنوّعه الصوتي وطبقاته من السينما إلى التحقيق وإلى كلّ ما يخلق نصاً نابضاً حياً. من السهل أن نستعير بناءً جاهزاً ونصبّ فيه ما نودّ قوله. التحدّي هو في خلق بناء وسرديات جديدة وكان ذلك امتحاناً كبيراً لي ولتحقيق هويتي الفنية.

أنا جدّ مفتونة بالحكايا، لكن لا يمكن لها أن تكون ساحرة دون عمارة ولغة وسرديات جاذبة. كان خزان الحكايا سندي ولغتي، كما وجدت أن القلم الأنثوي قادر على السرد والخلق الجديدين. وجدت نفسي ألعب بالزمن سبقاً أو تأخيراً، أمازج أحياناً بين الفصحى والعامية بتناغم وكنت دائماً أذهب إلى الخيال لاكتشاف أن ما يقرأه القارئ هو حياته أو حياتها. أومن أنه لا معنى للكتابة ما لم يبتدع الكاتب لغته وعالمه الخاصين، في كتابة إنسانية جريئة ومضيفة.

> انتميتِ إلى الفكر اليساري في مرحلة مبكرة من حياتك، هل تسلّل هذا الانتماء إلى نصوصك؟ وما الذي تبقّى منه فنياً وإنسانياً الآن؟

- كان ذلك في مرحلة المراهقة، لكنني ابتعدت عنه إلى كل ما هو إنساني. استفدت آنذاك منه ثقافياً وفكرياً وإنسانياً، وفي إدراكي للفلسفة والثقافة والأدب عموماً، دفعني مثلاً إلى قراءة الأدب الروسي والآداب الأخرى، لكنّ عودتي للفردية استدعتها موهبتي دون شعور مني. فالتفكير الحرّ حافز منتج، لا يمكن للكاتب إلا أن يكون حرّاً من أي معتقد مغلق؛ لذلك لم يتسلّل إلى أدبي أي فكر أو آيديولوجيا، فالإبداع وعي فني وإنساني للعالم، وليس إلا. حظيت الكاتبة اللبنانية علوية صبح بألقاب كثيرة، منها «شهرزاد الرواية» و«كاتبة المرأة» و«مريم الحكايا»، في إشارة إلى تميز نصوصها بالاشتغال على عوالم النساء داخلياً واجتماعياً في سياق إنساني عام ومتغيرات عابرة للجنسين. حصدت جوائز عديدة منها جائزتا «السلطان قابوس للإبداع» و«العويس الثقافية»، وأطلقت جامعة «عبد المالك السعدي» المغربية اسمها على جائزتها السنوية المخصصة للنقد الأدبي.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة «افرح يا قلبي» وهموم الكتابة، وكيف تعيش مناخ الحرب التي لا تزال تطحن لبنان: