اللقاحات... معركة عالمية على «الوباء» وصراع نفوذ بين القوى الكبرى

تنافس عالمي على اللقاح المضاد لـ«كورونا» (أ.ب)
تنافس عالمي على اللقاح المضاد لـ«كورونا» (أ.ب)
TT

اللقاحات... معركة عالمية على «الوباء» وصراع نفوذ بين القوى الكبرى

تنافس عالمي على اللقاح المضاد لـ«كورونا» (أ.ب)
تنافس عالمي على اللقاح المضاد لـ«كورونا» (أ.ب)

النداء الذي صدر السبت الماضي عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودعا فيه حكومات العالم لتحمل مسؤولية حماية شعوبها، والتضامن من أجل توفير لقاحات ضد «كوفيد- 19» للجميع بأسعار معقولة، يعكس وجهاً واحداً من المشهد العالمي للوباء الذي أصاب حتى الآن أكثر من 90 مليون نسمة، وأوقع ما يزيد عن مليوني ضحية في كافة أرجاء العالم.
الوجه الآخر لهذا المشهد هو السباق المحموم في حملات التلقيح التي باتت اليوم الرهان الأوحد لوقف الانتشار المتسارع للفيروس، وعودة المليارات من البشر إلى حياتهم وأنشطتهم الطبيعية، وخشبة خلاص الاقتصاد العالمي من أخطر ركود يعاني منه منذ مطالع القرن الماضي.
الجميع يدرك أن فعالية حملات التلقيح في القضاء نهائياً على الوباء مرهونة بكونها شاملة وتضامنية؛ لكن الواقع الذي نشهده ليس سوى منافسة محمومة بين الدول حول من يلقح أسرع وأكثر وأفضل من الآخرين، لترسيخ المكانة وبسط النفوذ.
تقول لويزا بيالاسيفيتش، أستاذة الحوكمة الأوروبية في جامعة «أمستردام» الهولندية: «ما يحصل مع اللقاحات هو أن الدول الكبرى تحاول تعزيز تفوقها من خلال الحصول على أكبر كمية ممكنة، أو التـأكيد على أن لقاحها أفضل من اللقاحات الأخرى، وبذلك تستخدم اللقاح كسلاح». وتضرب مثالاً على ذلك بصور اللقاح الروسي الذي يحمل اسم أول قمر صناعي «سبوتنيك»، لدى وصوله إلى الأرجنتين، أو صور اللقاحات الصينية في أفريقيا، أو الاستثمارات الهائلة التي قام بها الاتحاد الأوروبي لشراء كميات تزيد بكثير عن احتياجاته.
ويلاحظ بعد شهر على بداية حملات التلقيح في بريطانيا والولايات المتحدة، أن الشكوك بدأت تتسرب إلى بعض البلدان في الاتحاد الأوروبي الذي كان قد قرر منذ أشهر تولي شراء اللقاحات بالنيابة عن الدول الأعضاء لتوزيعها بإنصاف والحصول على أفضل الشروط، وأن بعض الدول بدأت تتذمر وتسعى لإبرام اتفاقات ثنائية مع الشركات المنتجة.
ويقول أنطوان فلاهو، مدير معهد الصحة العالمية في جامعة «جنيف»: «إنه سباق مع الوقت، وكل تأخير في اللقاحات يؤدي إلى مزيد من الوفيات. يضاف إلى ذلك أن السلالات الجديدة الأسرع سرياناً من الأولى تستدعي الإسراع في الجهود لحماية الفئات الضعيفة».
وعلى غرار ما شهده العالم من تنافس لغزو الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة، تحولت اليوم حملات التلقيح ضد الفيروس إلى صراع مكشوف على النفوذ بين الدول. وهو صراع سيؤثر على التوازنات الجيوسياسية في الوقت الذي تهتز فيه دعائم الهيمنة الأميركية، ويترسخ صعود الصين، بينما لا تزال أوروبا تتلمس سبيلها لموقع مستقل بين الاثنين.
ملايين الأرواح في العالم باتت مرهونة اليوم بنجاح حملات التلقيح التي ستتوقف عليها ثقة المواطنين بحكوماتهم، وقد تنجم عن فشلها تداعيات خطيرة على الأنظمة بعد إخفاق عديد من الديمقراطيات الغربية في إدارة الجائحة خلال العام الماضي.
وكانت دول أوروبية عدة قد أعربت نهاية الأسبوع الماضي عن قلق خطير بشأن استدامة عمليات التلقيح وموثوقيتها، بعد الإعلان عن تأخر إمدادات اللقاح الذي تنتجه شركة «فايزر» الأميركية، بالتعاون مع المختبر الألماني «بيونتيك». وبينما أعربت بعض الدول عن شكوكها في أن تكون الشركة قد أبرمت عقوداً لتسليم كميات تزيد عن قدرتها الإنتاجية، أعلنت المجر أنها توصلت إلى اتفاق لشراء اللقاحات الصينية التي تنتجها شركة «سينوفارم».
وفي فرنسا التي بدأت حملة التلقيح بالقطارة وتواجه تياراً قوياً ضد اللقاحات، قالت وزيرة الوظيفة العامة آميلي دو مونشالان: «التحدي الأول كان توفير الظروف التي تشجع الفرنسيين على قبول اللقاح، ويمكن القول اليوم إننا نجحنا؛ حيث وصلت نسبة الراغبين في الحصول على اللقاح 56 في المائة من المواطنين، بعد أن كانت 42 في المائة أواخر الشهر الماضي».
أما في ألمانيا؛ حيث كانت وتيرة التلقيح أسرع من فرنسا، فقد وجهت انتقادات شديدة إلى المفوضية الأوروبية لبطء الإجراءات البيروقراطية في شراء اللقاحات والموافقة على استخدامها وتوزيعها. وقال رئيس إقليم بافاريا ماركوس سودير: «كيف نشرح لمواطنينا أن اللقاح الممتاز الذي طورته ألمانيا بدأت دول أخرى في استخدامه قبلنا؟ الوقت عامل حاسم في هذه المعركة، وإذا تقدمت علينا إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة في حملات التلقيح، فإنها ستجني المكاسب الاقتصادية من ذلك».
وتفيد بيانات منظمة الصحة العالمية بأن عدد الجرعات اللقاحية التي تم توزيعها في العالم حتى الآن ناهز 38 مليوناً، منها 12.9 مليون في الولايات المتحدة، و9 ملايين في الصين، و4.8 مليون في الاتحاد الأوروبي، أي ما يظهر فراغاً كبيراً في بلدان الجنوب، إما بسبب عدم توفر البيانات أو للتدني الكبير في معدلات التلقيح.
ويتبين من المقارنة بين عدد الجرعات اللقاحية الموزعة قياساً بعدد السكان، أن بلدان الاتحاد الأوروبي تأتي في مرتبة متأخرة (1.09 جرعة)، بعد الولايات المتحدة (3.95) وبريطانيا (5.5) والإمارات العربية المتحدة (15.5) وإسرائيل (24.24).
ويقول فرنسوا هايسبورغ، المستشار في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «من السابق لأوانه تقييم حملات التلقيح من حيث النجاح أو الفشل. المعركة في بدايتها، وتدابير الإقفال والقيود ما زالت قائمة في معظم البلدان، فضلاً عن أن السلالات الجديدة قد تضطر كثيرين إلى تعديل حساباتهم. لسنا في سباق سريع؛ لكن لا نعرف بعد إن كنا في سباق 5 آلاف متر أو في ماراثون».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».