الحكومة المصرية تواجه تحديات «50 سنة مالية»

الوزراء يقدمون إفاداتهم للبرلمان عن عملهم خلال الجلسات المقبلة

مدبولي خلال كلمته أمام مجلس النواب (من صفحة الحكومة)
مدبولي خلال كلمته أمام مجلس النواب (من صفحة الحكومة)
TT

الحكومة المصرية تواجه تحديات «50 سنة مالية»

مدبولي خلال كلمته أمام مجلس النواب (من صفحة الحكومة)
مدبولي خلال كلمته أمام مجلس النواب (من صفحة الحكومة)

حملت الحكومة المصرية بعض «تحدياتها على (عقود مضت)». وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، أمس، إن «حكومته تواجه تحديات بعضها يعود لـ50 سنة مالية... وتصدينا لملفات صعبة، كان من الأسلم أن نغض الطرف عنها، لكن وضعنا نصب أعيننا أن نحل مشكلات قديمة بمنتهى الشجاعة، كانت تكبد الدولة المصرية مبالغ كبيرة»، مؤكداً أن «العام الماضي كان من أصعب الأعوام على البشرية، وقد عملت الحكومة والبرلمان معاً على تجنيب مصر وشعبها الآثار شديدة السلبية التي يعاني منها العالم كله جراء كورونا».
وأطلع رئيس مجلس الوزراء المصري مجلس النواب (البرلمان المصري)، أمس، على برنامج عمل الحكومة خلال الفترة من 2018 حتى 2020، فيما يقدم وزراء الحكومة إفادتهم للبرلمان عن عملهم على مدار الأيام المقبلة.
وكان مجلس النواب قد وافق، خلال الجلسة العامة أول من أمس، على قرار اللجنة العامة باستدعاء رئيس مجلس الوزراء، والوزراء، لعرض موقف كل وزارة من تنفيذ البرنامج الحكومي. وقال المستشار حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، إن «اللجنة العامة ناقشت موضوع التزام الحكومة بتنفيذ البرنامج المقدم منها (مصر تنطلق 2018 - 2022) الذي حازت به الحكومة على ثقة (النواب)، طبقاً لما ورد به».
وأضاف جبالي، وفقاً لوكالة أنباء «الشرق الأوسط» الرسمية، أنه في «ضوء التقرير المقدم من الحكومة عن تنفيذ البرنامج في الفترة من يوليو (تموز) 2018 حتى يونيو (حزيران)، تبين وجود كثير من السلبيات والملاحظات والقصور في تنفيذ البرنامج».
وأكد مدبولي، في كلمته أمام البرلمان، أن «الحكومة حرصت على تعزيز جاهزية واستعداد القوات المسلحة المصرية، على نحو رفيع المستوى، لتأمين وحماية الأمن القومي المصري، فضلاً عن استمرار جهود القوات المسلحة ووزارة الداخلية في مكافحة البؤر الإرهابية، والقضاء على العناصر التكفيرية»، موضحاً أنه «جارٍ استكمال عملية الإعداد للانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك في ضوء خطة متكاملة لتطوير الجهاز الإداري للدولة، بما يحقق رفع كفاءة الأداء في جميع المجالات، تتضمن تطوير وميكنة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين».
وفيما يتعلق بسياسة مصر الخارجية، أكد رئيس الوزراء «مواصلة الدبلوماسية المصرية جهودها في الدفاع عن المصالح والثوابت المصرية، حيث تم التحرك بفاعلية فيما يتعلق بالأزمة الليبية، وأزمة (سد النهضة)، وكذا على المستوى الأفريقي فيما يتعلق برئاسة مصر للاتحاد الأفريقي»، مشيراً إلى أن «تلك الجهود جاءت في إطار الحفاظ على سياسات متوازنة مع كل القوى العالمية، وبما يحقق مصلحة مصر، ويحافظ على مكانتها الدولية، إلى جانب ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وتبنى موقف صريح حاسم في شأن القضايا المثارة بالدول العربية التي تشهد صراعات سياسية وعسكرية، فضلاً عن ضمان تحقيق الأمن القومي في المحيطين الإقليمي والأفريقي، والعمل على تفعيل دور مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام».
وفي مجال تطوير العشوائيات، قال مدبولي، وفقاً لبيان «مجلس الوزراء المصري» أمس، إن «المستهدف كان الانتهاء من 80 ألف وحدة سكنية، وتطوير 1100 سوق عشوائي. ولقد تم تطوير 159 منطقة (غير آمنة)، من خلال إنشاء 85500 وحدة سكنية، وبلغ حجم المستفيدين من تطوير المناطق (غير الآمنة) نحو 342 ألف مواطن».
وأكد أن «الدولة سعت جاهدة خلال الفترة الماضية إلى توفير حياة كريمة لكل مصري ومصرية»، لافتاً إلى أن «نتائج بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2019 - 2020 أكدت انخفاض معدل الفقر في مصر لأول مرة منذ عام 1999 (أي منذ عشرين عاماً)، حيث نشهد الآن انخفاض معدل الفقر إلى 29.7 في المائة، مقارنة بنحو 32.5 في المائة في عام 2017 - 2018، وهو الأمر الذي تحقق في جميع المناطق الجغرافية في ربوع مصر»، مشيراً إلى أن «الحكومة نجحت في تنفيذ 100 في المائة من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وسجل عجز الموازنة تراجعاً من 9.7 في المائة إلى 7.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.