صالح الشاعر.. المسؤول الخفي عن {الإمبراطورية المالية} للحوثيين

كلّفه زعيم الجماعة بالاستيلاء على ممتلكات المعارضين واحتكار الاستيراد

TT

صالح الشاعر.. المسؤول الخفي عن {الإمبراطورية المالية} للحوثيين

أثارت الإمبراطورية المالية التي أسستها وتديرها الميليشيات الحوثية خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من علامة استفهام عن كيفية الحصول على هذه الأموال الضخمة في منطقة يعيش 80 في المائة من سكانها على المساعدات الإغاثية، كما أن مئات الآلاف من الموظفين حُرموا من رواتبهم بعد تنصل الميليشيات عن دفعها، وتوجيه كل عائدات الدولة لصالح مجهودها الحربي.
ومع تنامي هذه الإمبراطورية التجارية تتكشف كل يوم جوانب من تفاصيلها وكيفية تكوينها، ابتداءً بمصادرة ممتلكات وأموال المعارضين من سياسيين وبرلمانيين وتجار، وانتهاءً باحتكار تجارة المشتقات النفطية والتجارة الخارجية وأعمال المقاولات، والتي تتم عبر اللجنة التي شكلتها برئاسة صالح الشاعر، مسؤول الدعم اللوجيستي في الجناح العسكري للميليشيات، والذي عينته أيضاً حارساً قضائياً على تلك الممتلكات.
وبرز اسم القيادي الحوثي صالح مسفر الشاعر، المكنى «أبو ياسر» عقب الانقلاب بأشهر قليلة، حيث تولى مسؤولية الإمدادات للمقاتلين الحوثيين، وورد اسمه بعد ذلك في تقارير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة المعنية بمراقبة الالتزام بقرار مجلس الأمن بشأن منع تهريب الأسلحة للميليشيات والأشخاص الموضوعين في قائمة العقوبات الدولية، لكن تفاصيل أخرى أوضحت، أنه بات اليوم يدير إمبراطورية مالية ضخمة.
والشاعر، من مواليد مديرية رازح غرب محافظة صعدة الحدودية، في العقد السادس من العمر، وهو المطلوب رقم 35 في قائمة تحالف دعم الشرعية الذي كان رصد مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه.
ويعد صالح الشاعر أحد أبرز القيادات المالية والاقتصادية في الحركة الحوثية الإرهابية، وعلاقته بعبد الملك الحوثي تعود إلى زمن حروب الدولة ضد تمرد الميليشيا في صعدة، حيث كان من أوائل الملتحقين بالحركة الحوثية، وعندما تولى عبد الملك الحوثي قيادتها كان من أبرز المقربين إليه ويحظى بثقته، فقد كان أحد تجار الأسلحة الذين زودوا الميليشيا بالأسلحة، وخاصة المضادة للدروع، خلال سنوات المواجهة مع القوات الحكومية في محافظة صعدة.
واستناداً إلى خبرته في تهريب ونقل الأسلحة وتعامله مع تجارتها وشركات إنتاجها والوسطاء، خاصة خلال سنوات الاضطرابات التي عاشها اليمن ضمن موجة ما يعرف باسم الربيع العربي؛ فقد قربه عبد الملك الحوثي منه وأصبح المسؤول الأول عن تسليح الميليشيات وتهريب الأسلحة إليها عبر ميناء ميدي في محافظة حجة (شمال غرب)، حيث كانت الأطراف اليمنية منشغلة بالاحتجاجات المطالبة برحيل نظام حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح؛ ولهذا شغل موقع مساعد الدفاع للموارد البشرية ورئيس هيئة الإسناد اللوجيستي التابعة للميليشيات، إضافة إلى تعيينه في منصب مستحدث سمي «الحارس القضائي» على أموال المعارضين من سياسيين وتجار ونواب في البرلمان.
مُنح الشاعر صلاحيات مفتوحة، وبالإضافة إلى عملية إشرافه على حصر واقتحام ونهب منازل وممتلكات قيادات الأحزاب السياسية ورجال الأعمال الذين لم يخضعوا للجماعة، فقد أوكلت إليه مهمة الاستيلاء ونهب أموال ومنازل الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر وقيادات الدولة المختلفة، وكذلك قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومنازل وممتلكات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وأقاربه.
كما تولى مهمة الإشراف على شركة «سبافون» للهاتف النقال ومؤسسة الصالح الاجتماعية للتنمية بكل أصولها وممتلكاتها ومقراتها وهيئتها الإدارية وأموالها المودعة في البنوك، وكذلك جمعية الإصلاح الخيرية، ومستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا، وأخيراً جامعة العلوم والتكنولوجيا نفسها أول وأكبر جامعة يمنية خاصة.
وبحسب معلومات اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أصبح الشاعر يستخدم نفوذه في الآونة الأخيرة لابتزاز السياسيين والتجار الذين يتم الاستيلاء على أراضيهم ومنازلهم مقابل الحصول على أموال أو إجبارهم على بيعها لقيادات تابعة للميليشيا الحوثية بأثمان بخسة.
وإلى جانب أن الرجل هو المسؤول عن إدارة العقارات والأراضي والأموال المنهوبة واستثمارها لصالح الميليشيا، فإنه يستخدم هذه العائدات في دعم جبهات القتال والتصنيع الحربي، خصوصاً تجميع الصواريخ والطائرات المسيرة التي يتم تهريبها من إيران.
وتظهر إحدى الوثائق التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أنه كلف أحد أتباعه ويدعى علي سعيد دبيشة إدارة شركة «يمن ارمورد» المنهوبة والتصرف في أموالها، حيث سحب أكثر من مليونَي دولار من حساب الشركة بعد تغيير مجلس إدارتها والسجل التجاري.
كما أن الميليشيات تقوم بمراسلة شركات دولية باسم الشركات المنهوبة وتستخدم بعض الشركات المستولى عليها غطاءً لشراء معدات عسكرية وأمنية وتهريبها بعد ذلك من الخارج، كما استخدمت البعض الآخر في تأسيس شركات ومؤسسات استثمارية في العقارات والوقود، مثل الشركة الوطنية للسيارات المحدودة، حيث تسجل هذه الشركات بأسماء أشخاص عاديين تحت إدارة صالح الشاعر وإشرافه المباشر.
ووفق تقديرات اقتصاديين، فإن الشاعر يتحكم فيما يزيد على 60 مليار ريال يمني (قرابة 100 مليون دولار)، إضافة إلى رأسمال الشركات المنهوبة.
وحتى منتصف العام الماضي، صادرت الميليشيا الحوثية المليارات من الأموال المحجوزة في حسابات مصرفية وممتلكات خاصة يملكها أو يديرها أكثر من 1250 شخصاً في العاصمة صنعاء، وجميعهم من المعارضين للحوثيين، حيث استولت الجماعة تحت مسمى «الحارس القضائي» على ملكية أكثر من 100 شركة خاصة واستحوذت على عائداتها التي تعد بالمليارات.
كما يتولى الرجل مسؤولية كتائب الحماية اللوجيستية، وهي كتائب معنية بتسلم وتجميع المنهوبات وما يسمى غنائم الحرب التي يتم مصادرتها إما من مسؤولين سابقين أو مواطنين غير مواليين للجماعة وتسلم وتجميع ما تسمى غنائم الحرب من الجبهات.
ويستخدم الشاعر أقاربه وأشخاصاً موالين له ممن يثق بهم من صعدة، ممن لديهم الخبرات والمؤهلات كمساعدين له في أعماله، وخصوصاً الذين توكل لهم مهام خاصة في تزوير المحررات الرسمية ونقل ملكيات الشركات والعقارات المنهوبة ومن ثم توزيعها على قيادات في الميليشيات الحوثية وبشكل خاص من أسر محددة وقيادات مقربة جداً.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».