أبدت معظم القيادات السياسية ارتياحها لدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى لقاء في بعبدا، واعتبرت دعوته خريطة الطريق الوحيدة لإخراج عملية التأليف من المراوحة بفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي اصطدمت به المشاورات وحالت دون ولادتها بعد أن «احتجز» عون التشكيلة الوزارية التي أودعها إياه الحريري من دون أن يُبدي رأيه فيها، كما تعهد في اللقاءين الأخيرين من المشاورات، ما أقفل الباب أمام مواصلة اللقاءات بينهما وأدى إلى تعطيلها.
وتأتي دعوة الراعي لعون في وقت تعطلت فيه المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، وهذا ما أكدته السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو خلال لقاءاتها التي عقدتها مع عدد من القيادات لاستكشاف الأسباب الكامنة وراء تعثُّر المبادرة والسؤال عن كيفية إعادة تحريكها، مع أنها ألمحت إلى أن الشركاء الأوروبيين لفرنسا لم يعودوا يبدون حماسة في دعمها من دون أن تدخل في التفاصيل، ما دفع بمعظم الذين التقوها للاعتقاد بأن الدول الأوروبية فضّلت التريُّث إلى حين تسلُّم الرئيس الأميركي جو بايدن صلاحياته الدستورية الأربعاء للتأكد مما إذا كان سيوفر لها الدعم بخلاف سلفه دونالد ترمب الذي لم يكن متحمساً لترجمتها إلى خطوات ملموسة.
وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية إن إيران لا تزال تحبّذ ترحيل تشكيل الحكومة إلى ما بعد بدء بايدن بممارسة صلاحياته. وأكدت أن عون يتناغم بتحالفه مع «حزب الله» مع الموقف الإيراني وهو ينوب عنه بتأخير تشكيل الحكومة اعتقاداً منه بأنه سيوفر الشروط المطلوبة لتعويم وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لعله يستعيد حضوره الفاعل في الشارع المسيحي.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن «حزب الله» وإن كان يبدي استعداده لتسهيل تأليف الحكومة فإنه في المقابل يتناقض في موقفه مع النيّات الحسنة التي يُظهرها طالما أنه ليس في وارد الضغط على عون الذي لم يبق إلى جانبه من حلفاء سوى الحزب المتحالف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يتموضع على الضفة الأخرى المناوئة لعون.
ورأت أن مسؤولية إعادة تحريك المشاورات تقع على عاتق عون، إذ إنه ليس لدى الحريري ما يضيفه على التشكيلة الوزارية التي سلّمها لعون الذي يرفض حتى الساعة الإجابة على الأسماء التي حملتها مكتفياً بتسليمه مقاربة متكاملة لتوزيع الحقائب الوزارية بلا أسماء. وقالت إن الرئيس المكلف لن يبادر إلى طلب اللقاء طالما أنه قام بكل ما يتوجب عليه.
وسألت المصادر عن سبب عدم مبادرة عون وجبران باسيل إلى «الإفصاح عن أسماء الوزراء الذين أدرجهم الحريري في تشكيلته الوزارية، وبالتالي الاحتكام للرأي العام ليتأكد أن ادعاءاتهما بمصادرة التمثيل المسيحي ليست في محلها وأن اختيارهم يتطابق مع المواصفات الفرنسية لتشكيل الحكومة؟». وقالت إن «الكشف عن هذه الأسماء سيؤدي إلى إحراج عون وصهره لأن المرشحين من أصحاب الاختصاص والكفاءات ومن غير الحزبيين».
كما سألت التيار السياسي المحسوب على عون وباسيل الذي يدير المعركة السياسية ضد الحريري من بعبدا عن «جدوى استمرار الالتفاف على صلاحيات رئيس الحكومة من جهة وبث التسريبات التي يراد منها التحريض عليه مسيحياً؟ مع أن هذه الحملات ارتدّت سلباً على رئيس الجمهورية الذي لم يجد من يناصره».
وتحدثت المصادر عن اللقاء الذي عُقد بدعوة من رئيس الوزراء السابق تمام سلام في حضور رئيسي الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ومعه الوزير السابق غازي العريضي. واستغربت نقلاً عن صاحب الدعوة ما أُشيع من تسريبات في غير محلها، ومنها أنهم بحثوا في تشكيل نواة جبهة سياسية لدعوة عون إلى التنحّي والإطاحة به.
وأكد سلام لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء عُقد قبل تغريدة رئيس الجمهورية والتي أعقبها باسيل بمؤتمر صحافي. وقال إن «ما قيل حول البحث بتشكيل جبهة سياسية لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وإن الهدف منه التشاور للبحث في كيفية الخروج من أزمة تشكيل الحكومة». ولفت إلى أن «لا نية لتشكيل جبهة إسلامية، واللقاء الذي يحصل يأتي في سياق التشاور مع المرجعيات الروحية والقيادات المسيحية، لأن جميع الأطراف معنية بإنقاذ البلد الذي لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات ولا الاستمرار في الفراغ القاتل الذي نحن فيه الآن، ويتحمل مسؤوليته عون بالدرجة الأولى».
وقال إن المجتمعين بحثوا ورقة أعدها السنيورة «تضمّنت مجموعة من المبادئ، أبرزها الإسراع بتشكيل الحكومة وتحقيق الإصلاحات المطلوبة (وكانت وردت في المبادرة الفرنسية) والتمسك باتفاق الطائف وتطبيقه وفرض سيادة الدولة على كامل أراضيها ووضع استراتيجية دفاعية للبنان واستقلالية القضاء وإعادة ترتيب أوضاع القطاع المصرفي بدءاً بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي».
لذلك فإن هذا الفريق الذي لجأ إلى استخدام سلاح التحريض الطائفي سرعان ما اكتشف أنه أدى إلى حشر عون في الزاوية بعد أن اقتصرت خطوطه الدفاعية على «حزب الله» وعلى خلفية أن لا مفر من تحالفهما. وبالنسبة إلى ما تردّد حول استعداد بري للقيام بوساطة بين عون والحريري، علمت «الشرق الأوسط» أنها «ليست مطروحة لا اليوم ولا في المدى المنظور». وعزت المصادر السبب إلى أن علاقة بري برئيس الجمهورية «ليست على ما يرام، وبالتالي قبل الحديث عن هذه الوساطة لا بد من البحث عن وسيط بين الرئاستين الأولى والثانية لما بينهما من اختلاف تسبب به عون وكان آخره تلويحه بنزع صلاحية تفسير الدستور من البرلمان وإيداعها المجلس الدستوري، إضافة إلى رفض عون الاعتراف بالطائف ومحاولته الدؤوبة للالتفاف عليه».
سلام ينفي نيّة تشكيل جبهة لإطاحة عون
قال لـ«الشرق الأوسط» إن اجتماع رؤساء الحكومات السابقين مع جنبلاط بحث ورقة قدمها السنيورة
سلام ينفي نيّة تشكيل جبهة لإطاحة عون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة