نافالني... معارض روسي صلب عاند السم والموت

المعارض الروسي أليكسي نافالني (أ.ب)
المعارض الروسي أليكسي نافالني (أ.ب)
TT

نافالني... معارض روسي صلب عاند السم والموت

المعارض الروسي أليكسي نافالني (أ.ب)
المعارض الروسي أليكسي نافالني (أ.ب)

يستعد أليكسي نافالني، المعارض الأبرز لفلاديمير بوتين والمحامي الذي جعل من مكافحة الفساد معركته، للعودة إلى روسيا، اليوم الأحد، ولا يزال مصمماً على تحدي الكرملين وإكمال مسيرته بعد نجاته من عملية تسميم.
وقرر المحامي السابق البالغ من العمر 44 عاماً الذي تعافى منذ أشهر في ألمانيا العودة إلى موسكو (الأحد)، رغم تهديد سلطات السجون الروسية بتوقيفه والمخاوف على سلامته.
وفي فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، قال نافالني لأنصاره «تعالوا لاستقبالي»، مضيفاً أنه «شفي عملياً» من التسمم الذي أغرقه في غيبوبة، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وكانت عودته إلى روسيا أمراً لا يمكن تصوره في أغسطس (آب)، حين أُرسل المعارض المؤثر إلى المستشفى في برلين على متن طائرة طبية.
وأصيب بوعكة صحية خطيرة على متن طائرة في سيبيريا إثر عودته من جولة انتخابية، فنُقل إلى مستشفى روسي لمدة 48 ساعة قبل أن يُسمح بنقله إلى ألمانيا بعد ضغوط مارسها مقربون منه.
قضى نافالني ثلاثة أسابيع في غيبوبة بسبب ما اعتبرته ثلاثة مختبرات أوروبية تسمماً بغاز الأعصاب «نوفيتشوك»، وهو مادة سامة تم تطويرها في الاتحاد السوفياتي لأغراض عسكرية.
بعد نجاته من محاولة الاغتيال المفترضة هذه، لم يتأخر نافالني في الرد فنشر تحقيقاً لعدة وسائل إعلام يسلط الضوء على مسؤولية جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في تسميمه، وبث محادثة هاتفية قال إنه أوقع فيها بأحد عناصر الجهاز الذي يلاحقه منذ سنوات.
ويقر الأخير الذي كان يعتقد أنه يتحدث مع أحد مسؤوليه، بالمسألة كاملة.
ويرى المعارض أن التخطيط لتسميمه جرى بأمر مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين، الذي لا يذكر نافالني اسمه إطلاقاً. لكن بوتين ينفي كل تلك الاتهامات.
تم تجاهل نافالني على نطاق واسع في وسائل الإعلام الوطنية، ولم يكن ممثلاً في البرلمان، واعتبر غير مؤهل للترشح لانتخابات بسبب إدانته بالتهرب الضريبي، وهي تهمة يعتبرها سياسية، إلا أنه يبقى الصوت الرئيسي للمعارضة، خصوصاً منذ اغتيال بوريس نيمتسوف في عام 2015.
ينشط نافالني خصوصاً منذ سنوات ضد الحزب الحاكم «روسيا الموحدة»، ويصفه بـ«حزب السارقين والمحتالين».
وتحظى الفيديوهات التي يبثها على قناته في «يوتيوب» التي يتابعها أكثر من أربعة ملايين مشترك، بشعبية كبيرة، كما سجلت تحقيقاته في فساد النخب عشرات ملايين المشاهدات.
ويخضع نافالني وصندوق مكافحة الفساد الذي أنشأه في عام 2012 بانتظام لغرامات وعمليات التفتيش وتهديدات وهجمات.
يؤكد نافالني أن كل تلك التهم والملاحقات ليست سوى انتقام من تنظيمه صيف 2019 حركة احتجاجية أدت إلى نكسة للسلطة في الانتخابات المحلية في موسكو.
وعندما نُظمت الانتخابات التشريعية في ديسمبر (كانون الأول) 2011، واندلعت حركة احتجاج لا سابق لها في روسيا كان أليكسي نافالني في الصدارة بشكل طبيعي. ولفت الأنظار خصوصاً لما يتمتع به من شخصية قوية ولهجة شديدة في خطاباته منذ التظاهرات الأولى.
وفي سبتمبر (أيلول) 2013، تعزز موقعه كزعيم للمعارضة إثر النتائج التي حققها (27.2 في المائة من الأصوات) في انتخابات رئاسة بلدية موسكو.
شارك نافالني في بداية نشاطه السياسي في تجمعات ذات ميول عنصرية مثل «المسيرة الروسية». لكنه نأى بنفسه عن هذه الأوساط، وأسقط تدريجاً الطابع القومي من خطابه.
منذ عام 2013، سُجن نافالني الأب لولدين أكثر من مرة لفترات قصيرة، وأُدين بعدة قضايا، في ملاحقات يندد بها باعتبارها سياسية، وشملت كذلك شقيقه أوليغ الذي سُجن عام 2014 لثلاث سنوات ونصف السنة.
وعلى خلفية هذه الملاحقات، فقد نافالني أهليته للترشح للانتخابات حتى عام 2028، لكنه يؤكد أن لا شيء يمكن أن يضعف عزيمته، ولا حتى التهديدات ضد سلامته وسلامة عائلته.
ويقول «أمارس السياسة منذ وقت طويل، يجري توقيفي مراراً (...) ببساطة أصبح الأمر جزءاً من حياتي»، مضيفاً: «أقوم بالعمل الذي أحبه، الناس يدعمونني، لدي الكثير من الأنصار... ما الذي يمكن أن يسعد المرء أكثر من ذلك؟».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟