المبادرة الفرنسية في «الحجر السياسي»

باريس لم تؤمِّن لها الحماية الدولية

TT

المبادرة الفرنسية في «الحجر السياسي»

يبدو أن المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان أُودِعت في «الحجر السياسي» ولم تعد قابلة للتسويق، ما لم يتمكن صاحبها الرئيس إيمانويل ماكرون من تذليل العقبات الخارجية التي كانت وراء تعطيل مفاعيلها السياسية، بدءاً بتشكيل حكومة مهمة تأخذ على عاتقها انتشاله من قعر الانهيار الاقتصادي والمالي، وهذا لن يتحقق على الأقل في المدى المنظور، وقبل الوقوف على الخطوط العريضة لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن الشرق أوسطية، والمسار العام الذي ستسلكه العلاقات الأميركية- الإيرانية، في ظل تعدد القراءات السياسية حول مستقبلها.
فالرئيس ماكرون عندما أطلق مبادرته الإنقاذية لمساعدة لبنان انطلق من الكارثة التي حلت ببيروت من جراء انفجار المرفأ، والتي كانت وراء تهافت اللبنانيين على استقباله أثناء تفقده للأحياء المتضررة في العاصمة، في ظل غياب أركان الدولة عن السمع، خوفاً من ردود الفعل الشعبية الناقمة على الذين تسببوا في هذه النكبة.
لكن ماكرون لم يوفر الحماية الدولية والإقليمية لمبادرته التي حظيت بتأييد جميع المكونات المعنية بتشكيل حكومة مهمة تتبنى خريطة الطريق التي وضعها للانتقال بلبنان من مرحلة التأزم الاقتصادي والمالي الذي بات يهدده بالزوال إلى مرحلة التعافي المالي، قبل أن يكتشف لاحقاً أن بعضها سرعان ما انقلب على ما التزم به، ولم يقرن أقواله بأفعال ملموسة وبخطوات تنفيذية.
وحاول ماكرون الاستعانة بالحراك المدني للضغط على القوى السياسية التقليدية للسير في مبادرته الإنقاذية، من دون أن يلتفت إلى خارج الحدود اللبنانية باتجاه القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الداخل، لتأمين شبكة أمان سياسية تؤدي إلى تحصين مبادرته، بعد أن تفرغ كلياً لتسويقها بمساعدة خلية الأزمة الفرنسية التي شكلها وأوكل إليها مهمة التواصل مع الداخل اللبناني، لإزالة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» إن ماكرون سعى جاهداً لإنقاذ لبنان، ليس انطلاقاً من العلاقة المميزة التي تربطه بفرنسا فحسب، وإنما لأنه كان شديد التأثر بالمشاهد المأسوية التي عاينها بأم العين، والتي أملت عليه القيام بكل ما في وسعه لمساعدة المتضررين، ومد يد العون لهم لإعادة إعمار ما خلَّفه الانفجار من دمار.
لكن ماكرون - بحسب المصادر- فوجئ وهو يحث القوى السياسية على تشكيل حكومة مهمة بالعقوبات الأميركية التي استهدفت تباعاً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، والتي أعاقت تأليفها، وبالأخص من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يكن مرتاحاً لشمولها وريثه السياسي، أي باسيل الذي يطمح للترشح لرئاسة الجمهورية.
كما أنه فوجئ بعدم تجاوب طهران مع مبادرته، رغم أنه سعى من خلال فريق عمله لإقناعها بتسهيل تشكيل حكومة مهمة من دون أن يتمكن، وصولاً إلى أنه أُعلم بلسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف خلال زيارته لموسكو بأن مهمته في بيروت تواجه صعوبة، وذلك بتوجيهه سؤالاً مباشراً لماكرون عما يفعله في بيروت.
ورأى المصدر أن اعتراض طهران على التسوية التي سعى لها ماكرون يكمن في أن القيادة الإيرانية ليست في وارد تسهيل مهمته؛ لأنها تفضل الاحتفاظ بالورقة اللبنانية لتكون واحدة من الأوراق للتفاوض عليها مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ خصوصاً أنها كانت تراهن على فوز بايدن، وبذريعة أن واشنطن هي الأقدر لدفع الأثمان المطلوبة لقاء مقايضتها الورقة اللبنانية برفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
ولفت إلى أن دخول لبنان في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة وبتأييد إيران، لم يكن يهدف سوى إلى مهادنة واشنطن لبعض الوقت إلى حين تجاوز الاستحقاق الرئاسي الأميركي، وهذا ما يفسر معاودة تجميدها برفع لبنان لسقوف التفاوض.
وأكد المصدر السياسي أن الفريق المساعد لماكرون أخطأ بعدم استخدامه لمجموعة من الأوراق الضاغطة التي يمكنه توظيفها لتنعيم موقف «حزب الله» ومن خلاله طهران، وسأل: هل كان مضطراً لتحييد مبادرته عن الأمور السياسية التي ما زالت عالقة، وتحديداً بالنسبة إلى ترحيل البحث بالاستراتيجية الدفاعية للبنان وبأحادية سلاح الدولة، بذريعة أن سلاح الحزب يُبحث في إطار المفاوضات الخاصة بالمنطقة؟
وأضاف أن ماكرون توخى من ترحيل النقاط الخلافية توفير الحماية الداخلية لتسويق مبادرته، بدلاً من أن يربط تأجيل البحث فيها بموافقة الحزب وحليفه عون بلا شروط لإنقاذها، بدلاً من أن يغرق في الرمال اللبنانية المتحركة التي استنزفت فريقه المكلف بالتواصل مع المكونات السياسية الرئيسة.
واعتبر أن ماكرون أخطأ في التفاوض مع «حزب الله» من خلال مبعوثه إلى بيروت باتريك دوريل، الذي تبلغ منه بأنه يدعم تسهيل ولادة الحكومة من دون أن يطلب منه الضغط على عون وباسيل، وسأل: كيف يُصرف موقف الحزب وأين؟ ما دام يراعي حليفيه إلى أقصى الحدود، وهما اللذان ينوبان عنه في تعليق البحث بتأليف الحكومة إلى ما بعد تسلم بايدن سلطاته الدستورية الأربعاء المقبل.
كما سأل: لماذا نأى «حزب الله» بنفسه عن التدخل لإنجاح المبادرة الفرنسية، بدلاً من أن يرد التحية بأحسن منها لباريس التي تكاد تكون العاصمة الأوروبية الوحيدة التي ما زالت تميز بين جناحي الحزب المدني والعسكري؟
لذلك فإن مشكلة باريس في تسويق مبادرتها تكمن في أنها كلفت فريقاً بعض أعضائه من الهواة، بمواكبة الاتصالات الجارية، وتحديداً بين عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، من دون أن يتدخل هذا الفريق، بعد أن أُعلم بتفاصيل الخلافات التي تؤخر تشكيل الحكومة.
وعليه، لا بد من الإشارة إلى أن ماكرون الذي احتضن «الحراك المدني» لم يُحسن في المقابل إدارة التفاوض لتشكيل الحكومة، وإلا فلماذا ساوى بين من يعرقلها وبين من يؤيد مبادرته، بدلاً من أن يُشهر سلاح الموقف لقطع الطريق على من يسعى لإدراجها على لائحة الانتظار؟ إلا إذا ارتأى المجتمع الدولي التدخل بعد أن تجاوزت «كورونا» بشقيها الصحي والسياسي الخطوط الحمر، وتهدد لبنان بالانهيار الشامل.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.