مثوى الشاعر أرتور رامبو يثير الجدل بعد 130 عاماً على وفاته

أرتور رامبو
أرتور رامبو
TT

مثوى الشاعر أرتور رامبو يثير الجدل بعد 130 عاماً على وفاته

أرتور رامبو
أرتور رامبو

لا شك أن الكثيرين في العالم العربي، خصوصاً الذين ارتادوا المدارس الفرنسية، يعرفون من هو أرتور رامبو، الشاعر «المتمرد»، الذي رغم وفاته المبكرة عن عمر يناهز الـ37 عاماً، كان ركناً من أركان «المدرسة الرمزية» في فرنسا.a رامبو الذي ولد في 20 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1854 في مدينة شارلفيل ميزيير، في منطقة الأردين (شمال شرقي فرنسا) بدأ بكتابة الشعر باكراً منذ الخامسة عشرة من عمره. ورغم قصر حياته وعزوفه عن الكتابة الشعرية منذ سن العشرين، إلا أنه يعد علماً من أعلام الشعر. ترك عليه بصماته شكلاً ومضموناً. ويقول عنه الأديب الفرنسي الكبير ألبير كامو، «رامبو حمل في نفسه الإشراق والجحيم، محقراً الجمال وصانعاً إياه، أنتج من تناقض لا يختزل، إنه غناء مزدوج ومتعاقب. إنه شاعر التمرد. ولكن أين الفضيلة عند الذي حاد عن التناقض وخان عبقريته قبل أن يقاسيها حتى النهاية؟ إنه شاعر كبير ومدهش.
إنه الأكبر في عصره». وقد ترك رامبو آثاراً خالدة، أبرزها «المركب السكران» و«فصل في الجحيم» و«الإشراقات» و«أشعار بوهيمي».
لكن رامبو لم يكن متفرداً في شعره فقط، بل في حياته أيضاً. ولا يجهل الكثيرون علاقة الحب التي ربطته بالشاعر بول فرلين طيلة عامين ولا حياة المغامرات التي عاشها في أكثر من بلد ومدينة، منها عدن، «حيث المنزل الذي سكنه ما زال قائماً»، ولا القاهرة، والإسكندرية، وأديس أبابا ومناطق أخرى مما كان يسمى «الحبشة». وفي حله وترحاله، مارس رامبو التجارة «القطن والبن والخردة...»، ولكن أيضاً تجارة السلاح. وثمة من يتهمه بالضلوع في جريمة قتل في قبرص التي غادرها باتجاه البحر الأحمر مروراً بقناة السويس. كان مغامراً حقيقياً وشغوفاً بتعلم اللغات، منها اللغة العربية.
مناسبة الحديث عن رامبو تعود للجدل الذي ثار في فرنسا بين من يريد، وبين من يرفض، إدخاله إلى «البونتيون»، مرقد عظماء فرنسا القائم أعلى تلة سانت جنفياف الملاصقة للحي اللاتيني في باريس. في مقدمة من يعارض ذلك، جاكلين تيسيه ــ رامبو، حفيدة شقيقته التي تحمل اسمه، وقد عبرت عن معارضة عائلة الشاعر منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وانطلق الجدل منذ أن وزعت عريضة تدعو إلى إدخاله إلى «البونتيون» هو وعشيقه بول فرلين، وقد وقع العريضة العشرات من الشخصيات الثقافية والأدبية والإعلامية، بينهم عشرة وزراء للثقافة، آخرهم الوزيرة الحالية روزلين باشلو.
وإذا كان الداعون إلى إدخاله «البنتيون» أرادوا تكريم عبقريته الشعرية وما قدمه للأدب وللغة الفرنسية على غرار أدباء سبقوه إلى «مقبرة العظماء»، فضلاً عن «تعويضه» عن الإجحاف الذي لقيه في حياته بسبب علاقته الغرامية، إلا أن آخرين رأوا أن بادرة كهذه تعني ربط الاثنين معاً إلى الأبد، بينما في الواقع لم يكونا على علاقة إلا لفترة عامين.
في الجمهورية الفرنسية، يعود لرئيس الجهورية وحده أن يقرر من يدخل إلى «البنتيون» ومن يبقى خارجه.
وآخر من قرر الرئيس إيمانويل ماكرون إدخاله هما الوزيرة السابقة الناجية من معسكرات الموت النازية بسبب يهوديتها سيمون فيل وزوجها. لكن في حالة رامبو وفرلين، قرر ماكرون التجاوب مع رغبة العائلة.
وفي رسالة موجهة لمحامي العائلة ونشرت نصها وكالة الصحافة الفرنسية، كتب ماكرون ما يلي: «لا أتمنى أن أخالف رغبة عائلة الفقيد البينة، ولذا فإن جثمان أرتور رامبو لن ينقل من مرقده الحالي» القائم في مقبرة عائلته المتواضعة في المدينة التي ولد فيها، أي شارلفيل ميزيير. وأضاف الرئيس الفرنسي أن الشاعر «ستبقى رفاته إلى جانب رفات أفراد عائلته وسيكون هذا مثواه الأخير».
أما الأسباب التي دفعت ماكرون لاتخاذ هذا القرار، فتعود لاعتباره أن دخول البانتيون هدفه «تكريم شخصيات ينظر إليها على أنها ساهمت في نقل (إدامة) قيم الجمهورية»، حيث إن المرقد المشار إليه «يلعب دوراً رئيسياً في بناء الذاكرة الوطنية الجماعية». والحال، أن ممانعة عائلة رامبو لا تصب في هذا الاتجاه واحترامها يدفعه إلى التخلي عن مشروع التكريم.
ووصف الرئيس الفرنسي رامبو بأنه «صورة من صور الأدب الفرنسي الرئيسية وشاعر لا يمكن تجاهله وروح متمردة»، معتبراً أن اسمه «سيبقى على ممر التاريخ» الفرنسي.
وفي تعليق على رسالة ماكرون، علق محامي العائلة قائلاً إن الرئيس الفرنسي «احترم رغبات العائلة التي لم تكن تتوقع هذا القرار، ولكنها تكن التقدير له إذ إنه نجح ماكرون في تجاوز أمنيات لوبي المثقفين الباريسيين».
وبين من أراد رامبو في «البانتيون» مثل وزيرة الثقافة الحالية، لأنه شاعر فذ، ولكن أيضاً لأنه سيكون رمزاً للتحرر السلوكي بسبب مثليته، وبين من يريد أن يبقى «البانتيون» أميناً للقيم التقليدية، فإن الغلبة كانت للمدرسة الثانية رغم التحولات الجذرية التي شهدها المجتمع الفرنسي.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.