السوريون يتوقعون ربيعاً بائساً وصيفاً حارقاً

الأزمات المعيشية تزداد سوءاً

سوريون يعملون في زراعة البطاطا قرب بنّش في شمال غربي سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
سوريون يعملون في زراعة البطاطا قرب بنّش في شمال غربي سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

السوريون يتوقعون ربيعاً بائساً وصيفاً حارقاً

سوريون يعملون في زراعة البطاطا قرب بنّش في شمال غربي سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)
سوريون يعملون في زراعة البطاطا قرب بنّش في شمال غربي سوريا أول من أمس (أ.ف.ب)

خلال ساعات انتظاره الطويلة في طابور البنزين، أحصى أحد السوريين عدد سيارات المدعومين من السلطة الذين يُوصفون بـ«الشبيحة» والذين يتزودون بالوقود دون انتظار مقابل عدد سيارات المدنيين المصطفين في طابور طوله أكثر من كيلومترين. قال إن حساباته أظهرت أن «كل عشر سيارات للشبيحة تتزود بالبنزين دون انتظار يكون مقابلها سيارة واحدة فقط من طابور الانتظار للمواطن العادي». وقال «أبو أحمد»، وهو اسم مستعار، غاضباً: «الضائقة الاقتصادية على ناس وناس! الشبيح والمدعوم وابن المسؤول لا تشملهم الأزمة».
وتبدو الحكومة في دمشق عاجزة أمام تأزم معيشي يزداد تفاقماً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الصيف المقبل. ويقول «أبو أحمد» إنه يتوقع أن تكون الأيام المقبلة «أياماً سوداء وأشد سواداً من أيام الحرب... الربيع المقبل يبدو بائساً منذ الآن والصيف قد يأتي حارقاً للسوريين، في ظل عدم وجود مؤشرات إلى انفراج بل إلى تعفن أكبر لأزمات البلد».
ويبدو أن توقعاته السوداء مرتبطة بأنباء متداولة في دمشق عن احتمال لجوء واشنطن إلى تشديد قانون العقوبات الاقتصادية على النظام، بإصدار نسخة معدلة من قانون «قيصر» الذي بدأ تنفيذه قبل نحو ستة أشهر، وطال شخصيات سياسية وعسكرية وكيانات اقتصادية، أبرزها عائلة الرئيس بشار الأسد وزوجته.
وخلال الأشهر الأربعة الماضية، تعززت الأزمات المعيشية في سوريا مع ظهور أزمة خبز حادة طغت على أزمة الطاقة والمحروقات، وتفاقمت مع فرض توزيع الخبز وفق كميات محددة بالبطاقة الذكية. وقالت سيدة سورية تعيش مع عائلتها على أطراف دمشق إنها تستحق ربطتي خبز يومياً وفق البطاقة الذكية، ومع أن المعتمد يسجّل تسلمها الربطتين (كل ربطة سبعة أرغفة) فإنه يسلمها ربطة واحدة فقط و«كل مرة أحتج على سرقة خبز أولادي يرد المعتمد: إذا مو عاجبك فلا تأخذي».
وعدم تسليم مخصصات الخبز كاملة ظاهرة ليست تصرفاً فردياً لمعتمد دون آخر، وإنما هي طريقة توزيع في غالبية المدن والمحافظات السورية. وبرر أحد معتمدي توزيع الخبز في حمص ذلك بقلة الكميات التي يتسلمونها، قائلاً: «نضطر لخفض الكمية رغم أن البرنامج الإلكتروني يظهر تسلم المواطن حصته كاملة».
وساهمت العقوبات الاقتصادية الأميركية بقانون قيصر في تسارع تدهور الاقتصاد السوري مع وصول الحرب في سوريا إلى نهاية عامها العاشر. وحسب خبراء اقتصاديين سوريين، عرقلت العقوبات فرص تحسن الاقتصاد مع بدء استعادة النظام سيطرته على مناطق واسعة من البلاد لا سيما مدينة حلب ودمشق وريف دمشق عام 2018. وتشير معطيات التقرير الأخير لـ«المركز السوري لبحوث السياسات» إلى تحقيق الناتج المحلي لا سيما الزراعي عام 2019 نمواً بمقدار 7.9 في المائة، مع تراجع الأعمال الحربية. وبحسب التقرير، ساهم قانون «قيصر» صيف عام 2020 بإعاقة هذا النمو ودفع الاقتصاد إلى التدهور، لتأثيره المباشر على استيراد المواد الأولية اللازمة للإنتاج الزراعي والصناعي ومنع وصول التوريدات النفطية، ما أدى إلى توقف العديد من المنشآت والقطاعات الإنتاجية عن العمل نتيجة ارتفاع التكاليف وتدني القدرة الشرائية، مع انهيار قيمة الليرة وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصل سعر صرف الدولار الأميركي أمس إلى 2900 ليرة سورية.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.