وساطة إماراتية بين السودان وإثيوبيا ومصر على سد النهضة

الخرطوم تتهم القاهرة وأديس أبابا بعدم الجدية للوصول إلى اتفاق ملزم

TT

وساطة إماراتية بين السودان وإثيوبيا ومصر على سد النهضة

قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبادرة لكسر الجمود، وتقريب وجهات النظر بين كل من السودان وإثيوبيا ومصر، في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، في الوقت الذي اتهم فيه السودان كلاً من مصر وإثيوبيا بعدم الجدية في الوصول لاتفاق قانوني وملزم لملء وتشغيل سد النهضة، وحذّر من تحول الفوائد المتوقعة من سد النهضة إلى مضارّ بدون توقيع اتفاق قانوني ملزم.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية «سونا»، أمس، إن وفداً من وزارة الخارجية الإماراتية اختتم أمس زيارة للسودان استغرقت يوماً واحداً، تقدم خلالها بمبادرة للتوسط بين البلدان الثلاثة، لتسهيل الوصول لاتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي، وتقريب وجهات النظر، وكسر جمود التفاوض.
والتقى الوفد الإماراتي مسؤولين في وزراتي الخارجية والري والموارد المائية السودانيتين، واستمع من المسؤولين لشرح مفصل لموقف السودان من ملف سد النهضة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نافذه في وزارة الري أن السودان متمسك بموقفه القائم على توقيع اتفاق قانوني ملزم، يحكم ملء وتشغيل السد، في الوقت الذي اتهم فيه السودان كلاً من مصر وإثيوبيا بعدم الرغبة في توقيع اتفاق قانوني ملزم.
وقال المصدر للصحيفة: «إثيوبيا ومصر لا تريدان وساطة الاتحاد الأفريقي، وغير راغبتين في التوصل لاتفاق قانوني ملزم، لأنهما لن تتضررا من عدم توقيعه، لكن السودان متمسك بالاتفاق القانوني والملزم، لأنه المتضرر»، وأضاف: «ساند السودان إقامة سد النهضة منذ البداية لسببين، لأن لإثيوبيا الحق في التنمية حسب القانون الدولي، الذي يقوم على الاستخدام المنصف المعقول، ومن غير إحداث ضرر على الآخرين».
وحذّر المصدر من مخاطر قد يتعرض لها السودان جراء ملء وتشغيل سد النهضة بدون اتفاق قانوني، وقال إنه يحيل المنافع التي يتوقع السودان الحصول عليها إلى «مضارّ»، وأضاف: «منافع السودان من سد النهضة شرطها الاتفاق القانوني الملزم، وإلا ستتحول كل المنافع التي يتوقعها من السد لمخاطر حقيقية، وهذا ما يحدث الآن».
ودعا مسؤول سوداني، طلب عدم كشف عن اسمه، الخبراء إلى تدخل مباشر من قبل الاتحاد الأفريقي كوسيط بين الأطراف الثلاثة، وقال: «حين نتمسك بالخبراء، نعني أن يلعب الاتحاد الأفريقي دور الوسيط، فالخبراء الذين يمثلونه حين يكونون متفرجين طوال 6 أشهر، فلن يقوموا بدور لتسهيل التفاوض».
وشدد المسؤول على أهمية تدخل الاتحاد الأفريقي كوسيط بإعطاء دور للخبراء، لأنهم يمثلونه، ولا سيما أن الموضوع فني، لكن اتخاذ القرار بشأنه سياسي عند الدول الثلاث، وقال: «التفاوض داخل الغرف وصل لنهايته منذ يونيو (حزيران) الماضي، حين قال السودان اتفقنا على 90 في المائة، والمتبقي قرار سياسي لن تحسمه غرف التفاوض».
وأبلغ المسؤول «الشرق الأوسط»، أن وزير الخزانة الأميركية إستيفن منوتشين التقى مسؤولين بوزارة الري السودانية، باعتباره المسهل السابق للمفاوضات التي جرت في واشنطن، للتعرف على ما وصلت إليه المفاوضات الثلاثية.
وذكر أن منوتشين قدّم عدداً من المقترحات للمسؤولين السودانيين، شدّد خلالها على أهمية توقيع اتفاق قانوني ملزم، لأن سد النهضة منشأة كبيرة جداً، تقع خلف سد الروصيرص السوداني، ما يشكل خطراً عليه بدون اتفاق.
من جهة أخرى، يزور وفد من الحكومة السودانية الأسبوع المقبل أديس أبابا، مقر الاتحاد الأفريقي، ومنها إلى الكنغو الرئيس المقبل للاتحاد الأفريقي، قبل نهاية دورة جنوب أفريقيا الحالية، وعقد القمة الأفريقية في 5 فبراير (شباط) المقبل، لبحث ملف سد النهضة.
ولفت المصدر إلى ما أسماه التقاطعات بين سد النهضة والتوتر على الحدود السودانية الإثيوبية، بيد أنه عاد للقول: «السودان يؤمن بالتفاوض حلاً لمسألة سد النهضة، لأنه لا خيار آخر غيره»، بيد أنه جدد التأكيد على تفاوض منتج.
وقال: «لو انسد الطريق أمام وساطة الاتحاد الأفريقي، فسنلجأ لوسطاء أكثر نفوذاً وتأثيراً على الأطراف الثلاثة، سنذهب إليهم متى تأكدت عدم صلاحية الاتحاد الأفريقي».
وأوضح أن السودان يفكر حال فشل وساطة الاتحاد الأفريقي في اللجوء للاتحاد الأوروبي، ثم الولايات المتحدة، باعتبارهما على علاقة بالملف، ويمكن أن تضاف لهما الأمم المتحدة، وأنه يعمل على تمهيد الأرض للجوء لهذه التكتلات الدولية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.