«شهود على التاريخ»... حوارات حول نكسة الـ67

لقاءات مع أمين هويدي وسامي شرف وجيهان السادات وبرلنتي عبد الحميد

جيهان السادات
جيهان السادات
TT

«شهود على التاريخ»... حوارات حول نكسة الـ67

جيهان السادات
جيهان السادات

يضمن كتاب «شهود على التاريخ»، الصادر حديثاً عن «دار الأدهم للنشر والتوزيع»، مجموعة من الحوارات الصحافية أجراها الكاتب ماهر مقلد مع شخصيات فاعلة في التاريخ المصري الحديث، من بينها أمين هويدي رئيس جهاز المخابرات العامة المصري، وسامى شرف أحد مؤسسي المخابرات العامة المصرية أيضاً سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر الشخصي للمعلومات. كما يضم الكتاب لقاءات مع عدد من الكتاب والفنانين، بينهم محمود السعدني وثروت أباظة وعادل إمام وبرلنتي عبد الحميد وسعد الدين وهبة وأسامة أنور عكاشة والسيد يسين، وحواراً مع جيهان السادات زوجة الرئيس الأسبق الراحل أنور السادات، إلى جانب آخرين.
وخصص مقلد لكل فصل نوعية معينة من الحوارات، حرصاً على «تحقيق التجانس في طرح الرؤى والأفكار». وجاء الفصل الأول «شهود يوليو (تموز)» متضمناً 4 لقاءات موسعة مع «سامى شرف» مدير مكتب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، يذكر فيها أن عبد الناصر لاحظ عدم مغادرته المكتب إلا بعد منتصف الليل «فأشفق عليّ، وتعمد أن يترك المكتب في العاشرة مساء، ويذهب إلى النوم. وعندما يطمئن أنني غادرت، وأغلقت المكتب، يعاود العمل من جديد».
يقول عن ذلك: «كنت أسكن قبالة منزل الرئيس، ومن بيتي أستطيع أن أشاهد الضوء في حجرة نومه. وعندما أكتشفُ أنه عاد من جديد للعمل، أعود بسرعة إلى المكتب حتى أكون إلى جواره... لكن عبد الناصر طلب منى عدم العودة، والخلود إلى الراحة، وقال لو كنت في حاجة لوجودك في ساعات الليل المتأخرة لطلبت منك البقاء».
ويقارن شرف بين تلك الفترة التي عمل فيها مديراً لمكتب عبد الناصر والسنوات الأولى من حكم الرئيس أنور السادات التي عمل فيها معه: «بعد تولي الرئيس السادات مقاليد السلطة، أخبرني أن ساعات العمل تنتهي في الرابعة عصراً على أكثر تقدير، وأن الإجازة الأسبوعية تبدأ من ظهر يوم الخميس حتى صباح السبت، وتعجبت من ذلك، وقلت له العالم الخارجي لا يحصل على إجازة يومي الخميس والجمعة، لكن الرئيس السادات قال هذا نظام نتفق عليه».
ويكشف شرف أسرار ما جرى في مايو (أيار) 1971، وما يُعرف بـ«ثورة التصحيح»، وحقيقة ما أشيع عن أنه ورفاقه تقدموا باستقالات جماعية: «لم نقم بانقلاب في مايو (أيار)، ولم نتقدم باستقالات جماعية، ولو كنا نريد لفعلنا، حيث كان الجيش تحت قيادة الفريق محمد فوزي، والداخلية شعراوي جمعة، والإعلام محمد فائق، وأنا سامي شرف معي الحرس الجمهوري، لكن تعلمنا من عبد الناصر أن عهد الانقلابات قد ولى، وتعاهدنا على ذلك».
ويضيف شرف أن الذي حدث «هو أن السادات أبلغني أنه قبل استقالة شعراوي جمعة، وطلب منى إبلاغه. وعندما فاتحت شعراوي جمعة، أخبرني أنه لم يتقدم باستقالته أصلاً. وكان في التوقيت نفسه ممدوح سالم يحلف اليمين. ويومها، علق شعراوي جمعة، قائلاً: الآن نستريح. وفي تطور مفاجئ، جرت تمثيلية ثورة التصحيح، وتم القبض علينا. ولو كنا نخطط لانقلاب لحدث بسهولة، وكان الأمر مجرد خبر في التلفزيون بأن الرئيس تعرض لوعكة صحية، ولن يظهر بعدها، على اعتبار أن كل مفاصل الدولة كانت معنا، والوحيد الذي كان مع الرئيس السادات هو الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل».

جيهان وعادات الرئيس
ويتضمن الكتاب 4 حوارات مع جيهان السادات: الحوار الأول كان في عام 1997، بمناسبة مرور 25 عاماً على ذكرى انتصار السادس من أكتوبر (تشرين الأول)؛ وحوار بعد ظهورها في برنامج «شاهد على العصر» على قناة الجزيرة، نشر في 7 أبريل (نيسان) 2001. وأجرى مقلد الحوارات في منزل الرئيس السادات بالجيزة، عدا حوار كان عبر الهاتف من مقر إقامتها في الولايات المتحدة الأميركية. وتحدثت السادات عن عادات الرئيس الراحل، والساعات التي سبقت بدء حرب أكتوبر (تشرين الأول)، وطلب الرئيس مبارك الذي كان وقتها قائداً للقوات الجوية أن تبلغ السادات بأن شقيقه عاطف قد استشهد.
وتضمن الكتاب حواراً أيضاً مع «أمين هويدي» الذي عينه عبد الناصر في منصب وزير الحربية، ثم أسند إليه منصب رئيس المخابرات العامة. وكان الحوار في ذكرى مرور 31 عاماً على النكسة. وضمن الحوار، قال هويدي إن عبد الناصر «لم يكن بمقدوره عزل وزير الدفاع المشير عبد الحكيم عامر بعد أن سيطر على الجيش»، وذكر أنه وشعراوي جمعة هما اللذان قاما بعزله.

برلنتي والمشير عامر
وفي الحوار مع الفنانة برلنتي عبد الحميد، زوجة المشير عبد الحكيم عامر، ذكرت أن مذكرات صلاح نصر هي الأكثر موضوعية بين كل ما كتب عن حكم عبد الناصر، وعن الحقبة الناصرية، وقد كان أكثر أعضاء مجلس قيادة الثورة ثقافة وأكثرهم قدرة على الكتابة، ولو لم يكن في موقع مدير المخابرات العامة لكان أديباً كبيراً ومحللاً سياسياً عميقاً. لقد كان -حسب قولها- أكثر «أعضاء الثورة دراية بأن الثورة تأكل نفسها، كما كان مؤرخاً حقيقياً لمعظم التفاصيل، لا يفوت أي واقعة مهما كانت صغيرة دون تدوينها». وكشفت في الحوار أنها تعرضت للمراقبة لمدة عام كامل حتى تتم الموافقة على زواجها من عبد الحكيم عامر الذي تؤكد أنه لم ينتحر، وأن التقارير الرسمية تثبت ذلك.
وتضمن الفصل الثاني «الحوارات الشائكة» لقاءات مع الدكتور عبد الصبور شاهين، والدكتور مصطفى محمود، والإعلامي عماد الدين أديب، وآخرين.
أما الفصل الثالث، فقد تضمن عدداً من الحوارات التي أعطى لها مقلد عنوان «الحوارات النادرة»، وتضمنت لقاءات مع الشيخ محمد متولي الشعراوي، وفاطمة وأم كلثوم نجلتي الأديب نجيب محفوظ، والدكتور مجدي يعقوب، والشاعر عبد الرحمن الأبنودي، والكاتب وديع فلسطين، والدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية السابق، والفنان عادل إمام، والشاعر مصطفى الضمراني.
أما الفصل الرابع، فقد كان عنوانه «حوارات التطبيع»، وتضمن حواراً مع الكاتب المسرحي علي سالم، والكاتب سعد الدين وهبة الذي قام بتجميد عضوية على سالم في اتحاد كتاب مصر بعد زيارته لإسرائيل التي فاجأ بها الوسط الفني والثقافي في مصر، وهناك أيضاً حوار مع الكاتب السيناريست أسامة أنور عكاشة، والكاتب صلاح عيسى، والدكتور عبد المنعم سعيد، والدكتورة نوال السعداوي، والكاتب محمود السعدني.



«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.