تراث فيلليني السينمائي وعلاقته الملتبسة بالكنيسة والفاشية

أمير العمري يرصد أبعاده في كتابه «جنون السينما»

مشهد من فيلم «8 ونصف»
مشهد من فيلم «8 ونصف»
TT

تراث فيلليني السينمائي وعلاقته الملتبسة بالكنيسة والفاشية

مشهد من فيلم «8 ونصف»
مشهد من فيلم «8 ونصف»

يتوقف الناقد السينمائي أمير العمري، في كتابه «جنون السينما»، أمام العناصر المميزة لسينما المخرج الإيطالي الشهير فيديريكو فيلليني، وعلاقتها بالأحلام والتحليل النفسي وذكريات الطفولة، وتاريخه في رسم الوجوه والصور الكاريكاتورية، وكذلك نظرته إلى الدين والعلاقة الملتبسة مع الكنيسة والفاشية، فضلاً عن علاقته بالمرأة.
ويدور الكتاب الذي صدر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر اللبنانية حول الأفلام الروائية الطويلة والتسجيلية والقصيرة التي قدمها فيلليني، ويسعى خلال فصوله إلى تقديم تحليل تفصيلي شامل لكل أفلام السينمائي الإيطالي الذي احتفل العالم بمئويته في 2020.
ويتضمن الكتاب مقدمة، و19 فصلاً، و3 ملاحق، وفيلموغرفيا كاملة تفصيلية لأفلام فيلليني التي أخرجها لتصبح ضمن أفلام طويلة اشترك فيها أكثر من مخرج، على نحو ما كان سائداً خلال مرحلة الخمسينيات والستينيات في السينما الأوروبية.
في الفصل الأول، يسلط العمري الأضواء على حياة وتكوين فيلليني، وعلاقته الوثيقة بعالم الرسم والكاريكاتير، وأهم المحطات في مسيرته الفنية، والمراحل المختلفة التي صنعت منه أحد أساطير السينما في العالم. وتناول في الفصل الثاني ثلاثية فيلليني الأولى، بما فيها مشاركته مع مخرج آخر في إخراج أول أفلامه، وهو «أضواء المنوعات» (1950) الذي عده فيلليني «نصف فيلم»، وقد استمد منه اسم فيلمه الشهير «8 ونصف» الذي يعد أحد أهم أفلام سينما الحداثة الأوروبية، وأحد أفضل الأفلام في تاريخ السينما. فعندما أقبل على إخراجه، لم يجد له اسماً، ففضل أن يمنحه عدد الأفلام التي كان قد أخرجها حتى ذلك الحين (1963)، بما فيها «نصف الفيلم» أو فيلمه المشترك مع المخرج ألبرتو لاتوادا.
وتضمن الفصل الثالث تحليلاً لما عده المؤلف ثلاثية فللينية ثانية تختلف نوعياً عن ثلاثيته الأولى. أما باقي الفصول، فقد جاء كل منها يحمل اسم فيلم من الأفلام التالية، ويشتمل على قراءة خصصها لكل واحد منها على حدة، باستثناء الفصل السابع الذي خصصه لتحليل أفلامه الثلاثة القصيرة التي أخرجها فلليني على فترات متباعدة.
وفي مقدمته للكتاب، قال العمري إنه لم يشأ أن يشتت انتباه القارئ بقطع سياق الفصول، والاستعانة بهوامش أسفل الصفحات أو في نهاية كل فصل، كما جرت العادة، خاصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية، بل فضل تسهيلاً على القراء، وحرصاً على انسجام القراءة، أن يضع إشارات داخل النص نفسه للمصادر أو المراجع التي استند إليها، أو استعان منها بفكرة أو رأي أو معلومة من المعلومات التي تدعم تحليله للأفلام التي تناولها تفصيلاً.
وقد حرص مؤلف الكتاب على وضع الإشارات باللغة العربية في نهاية كل فصل، ثم عاد في نهاية الكتاب فخصص قسماً للمراجع التي استند إليها، وأثبتها بلغاتها الأصلية حتى يمكن للقارئ الراغب في الاستزادة العودة لها.
ويذكر العمري في كتابه أن رحلته مع فيلليني وأفلامه لم تكن سهلة، خاصة عند مراجعة تصريحاته وما نقل عنه، وهو كثير، بسبب ميله المستمر إلى تغيير أقواله، وهو ما يعترف به، بل إنه يعد نفسه راوياً لقصص تنطلق من الخيال، ويقول إنه يرويها من وجهة نظره، لا كما وقعت، ولذلك يقول فيلليني عن نفسه إنه «أسوأ شاهد يمكن أن يمثل أمام المحكمة» لأنه لن يستطيع أن يروي أبداً أي حادث كما وقع، بل كما يستعيده من وحي خياله. والخيال عند فيلليني كان دائماً أهم من الواقع، بل من الحقيقة.
ولفت العمري إلى أن تجربة فيلليني الخاصة في التصوير في الاستديو، باستخدام الديكورات الهائلة، بديلاً عن المواقع الطبيعية، وإعادة تشكيل الطبيعة وتسخيرها، وطريقته الخاصة في توجيه الممثلين، وغير ذلك من تراث عصر سينما الفن، ما زالت تصلح دروساً تتعلم منها الأجيال الجديدة من عشاق الفن السينمائي ودارسيه بوجه عام، وقد كان نموذجاً للدقة والاهتمام بكل تفاصيل العمل السينمائي، والكفاح المرير من أجل الحصول على التمويل اللازم لإنتاج الفيلم، وتحقيق الأحلام وتحويلها إلى مادة بصرية صوتية تقاوم الزمن.
وتحدث الكتاب عن فيلليني بصفته من أكثر السينمائيين الأوروبيين قرباً من أبناء الثقافة العربية وعشاق السينما والمهتمين بها. فقد كان بمزاجه المتوسطي يحب الألوان الصريحة القوية، والصور التي تزخر بالحركة والحيوية والحياة، ويؤمن بالسحر والروحانيات والوجود اللامرئي للأشياء، كما كان لديه شعور راسخ بأننا لسنا وحدنا في هذا العالم، ويرى أن لقوانين الصدفة منطقها الخاص، من دون أن ينحو نحو الفوضوية.
وأشار العمري إلى أن فيلليني كان يرى أن السينما يمكن أن تكون بديلاً للعالم الواقعي، لكنه لم يعتقد أن الفيلم يجب أن يكون امتداداً للواقع، ولم يكن ينطلق في عمله من خطة صارمة دقيقة أو سيناريو تفصيلي محكم يحدد خطواته، بل كان يميل إلى ترك مساحة ما للارتجال، إلا أنه ليس في الحقيقة ارتجالاً فوضوياً، بل كان استلهاماً فنياً من الحالة الذهنية والشعورية التي يجد الفنان نفسه يعيشها مع نفسه ومع المكان ومع الممثلين.
كان فيلليني يصنع أفلاماً لمتعته الشخصية، ورغبته في إمتاع المشاهدين، ولكنها لم تكن أفلاماً للتسلية، على غرار أفلام هوليوود التقليدية، بل كانت مركبة تعكس كثيراً من أفكاره الفلسفية ورؤيته الخاصة للعالم، وكان نموذجاً مثالياً للمخرج المؤلف الذي يعبر عن أفكاره الخاصة من فيلم لآخر، وقد جاءت انطلاقته من «الواقعية الجديدة»؛ أي من عمله كاتب سيناريو لعدد من أهم أفلام تلك الحركة في الأربعينيات الماضية، أشهرها «روما مدينة مفتوحة» لعميد الواقعية الإيطالية روبرتو روسيلليني، لكنه سرعان ما ابتعد عنها في أفلامه الأولى، مفضلاً التركيز على الشخصيات، وفحص «الفردية الذاتية»، وعلاقة الفرد بالعالم، في عذابه وبحثه عن «الخلاص»، غالباً بمفهوم ديني مرتبط بنشأة فيلليني الكاثوليكية.
وتحدث الكتاب عن علاقة فيلليني بالمؤسسات الدينية في أوروبا، وقال إنه كان متمرداً عظيماً على الكاثوليكية، مناهضاً لسلطة رجال الدين، وقد أفصح عن ذلك في معظم أفلامه. وكان ذلك التمرد ليس فقط على سلطة الكنيسة التي كثيراً ما وضعت العراقيل في وجهه، واعترضت على أفلامه، بل كان موقفه متمرداً على «المؤسسة» بشكل عام. ورغم أنه كان دائماً ينأى بنفسه عن الخوض في السياسة، ويجد نفسه في ذلك وحيداً بين الغالبية العظمى من المخرجين الإيطاليين في عصره، فإنه كان يسبب الإزعاج لكل من اليمين واليسار. فاليمين أزعجته جرأة فيلليني في تصوير الجسد البشري، والتدهور الأخلاقي لدى الشريحة العليا من البورجوازية، إلى جانب هجومه المستمر على الفاتيكان، وطبقة الكهنة بوجه عام. أما اليسار، فقد أغضبه عدم التزام فيلليني بقضايا الطبقة العاملة، وهو ما عدوه عجزاً عن التماهي مع شخصيات أفلامه من تلك الطبقة، مفضلاً الوقوف على مسافة منهم، يراقبهم ويرصد ردود أفعالهم، دون أن يتخذهم رموزاً لطبقتهم الاجتماعية، كذلك اتُهم من قبل بعض نقاد اليسار بالإغراق في «الشكلانية»، والتلاعب بالوسيط السينمائي، والميل في كثير من أفلامه للغموض.
ورغم ذلك، وكما يذكر العمري، فإن فيلليني ظل أشهر وأهم أبناء جيله من المخرجين الإيطاليين جميعاً، داخل بلاده وخارجها، بسبب نجاحه في خلق أسلوب خلاب ساحر، يعتمد على التداعي الحر، وذكريات الطفولة التي كان يربطها بالحاضر، وقد عده النقاد أهم مخرج «حداثي» في السينما الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية. فقد كان يخلق لغة سينمائية جديدة موازية للأدب الجديد والشعر الحر، متخلياً تماماً عن السرد الخطي التقليدي، والبناء المحكم الذي يتصاعد إلى الذروة، ثم يختتم بحل العقدة، بل يميل إلى تفكيك الفكرة، وإعادة تركيبها بطريقة لا تخضع للمنطق البسيط المباشر التقليدي، بل لما يشعر به الفنان الذي يقوم بعمليتي التفكيك والتركيب.
وفي نهاية الكتاب، وضع العمري بعض الملاحق المكملة التي قام بترجمتها، ومنها ما كتبه فيلليني ورواه بنفسه عن بدايات علاقته بالسينما، وقد حكى بالتحديد، في قصة مثيرة جديرة بالتوقف أمامها، كيف ولد فيلمه «روما مدينة مفتوحة»، بما يعكس شخصية فيلليني وطريقة تفكيره.
وتأتي من بين الكتابات التي ترجمها العمري، ووضعها في نهاية كتابه من أجل إضاءة عالم فلليني السينمائي، تلك الرسالة التي بعث بها رداً على ناقد ماركسي كان قد هاجم فيلم «الطريق» هجوماً عنيفاً بدعوى خيانته الواقعية، ثم المقابلة التاريخية بين الكاتب ألبرتو مورافيا وفيلليني خلال تصوير فيلم «ساتيريكون»، وهي عبارة عن حوار فكري في التاريخ والفلسفة، بين عملاقين في الأدب والسينما.



تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
TT

تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)

طوّر فريق بحثي من جامعة هونغ كونغ في كوريا الجنوبية، طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء لتسريع اندماج العظام مع الزّرعات الجديدة بعد إجراء جراحات العظام. وقد ثَبُت أن الطلاء المطور يقلّل من وقت الالتئام إلى أسبوعين فقط، ممّا يسرّع معدل التعافي بعد الجراحة إلى الضعف، فضلاً عن تقليل خطر رفض الجسم للغرسات.

ويستكشف حالياً، الفريق صاحب الابتكار، بقيادة البروفيسور كيلفن يونغ واي كوك، من قسم جراحة العظام والصّدمات، كلية الطب السريري في جامعة هونغ كونغ (HKUMed)، تطبيق هذه التكنولوجيا في جراحات استبدال المفاصل الاصطناعية، بما في ذلك جِراحات استبدال الركبة التي تُجرى بشكلٍ شائع في هونغ كونغ.

وفي بيان صحافي صدر الجمعة، قال يونغ واي كوك: «أثبتت التّجارب على الحيوانات أن هذه الطريقة تعمل على تسريع عملية دمج العظام مع الغرسة بشكلٍ كبيرٍ، مما يؤدي إلى زيادة مضاعفة في معدل الاندماج».

ووفق النتائج المنشورة في دورية «أدفانسد فانكشينال ماتيرالز»، فإن عملية دمج العظام مع الغرسة تسارعت من 28 يوماً إلى 14 يوماً فقط، مما أدى إلى مضاعفة السرعة بشكل فعّال.

وتُمثّل هذه الدراسة أول دراسة تَستخدم تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية بشكل غير جراحي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى تقدّمٍ كبيرٍ في تطوير مواد حيوية جديدة قادرة على التّحكم عن بُعد في البيئة المناعية للعظام.

ويمكن أن يؤدي الاضطراب في البيئة المناعية العظمية أثناء مرحلة ما بعد الزّرع إلى ارتخاءِ الزرعة الجديدة، وإطالة وقت التعافي وزيادة المضاعفات بعد الجراحة، مما يؤدي في النهاية إلى فشل الزرعة. ولمعالجة هذه التحديات، طور فريق جامعة هونغ كونغ الطبية طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء القريب من الأشعة تحت الحمراء (NIR)، يؤثر بشكل إيجابي على استجابة الخلايا المناعية، ممّا يُقلل بشكلٍ فعّالٍ من الالتهاب الحاد خلال المرحلة الحاسمة بعد الزرع.

وتتضمن هذه العملية توليد تيار ضوئي يُحفِّز تدفُّق الكالسيوم المتزايد في نوعٍ من الخلايا المناعية يُعرف بالخلايا البلعمية، مما يخلق بيئة مناعية عظمية أكثر ملاءمة. وهذا يُعزّز بدوره تكوين العظام، وبالتالي تسريع عملية دمج العظام بالزرع.

وتلعب الخلايا البلعمية دوراً محورياً في عملية تجديد العظام، وهي من بين الخلايا المناعية الأولى التي تستجيب، فتبدأ تفاعلاً متسلسلاً ضرورياً لتكامل العظام مع الغرسة.

وعند إدخال الغرسات، تُصبح هذه الخلايا المناعية نشِطة وتحفّز استجابة التهابية حادة، وتُطلِق السيتوكينات المؤيّدة للالتهابات، لتسهيل تجنيد الخلايا الجذعية المتوسطة (MSCs) وبدءِ عملية تجديد العظام. لذلك، من الأهمية في مكان استعادة بيئة متوازنة بين العظام والغرسة، خصوصاً بعد مرحلة الالتهاب الأولية، لمنع الالتهاب طويل الأمد وضمانِ نجاح تكامل الغرسة.

وعادةً ما يجري طلاء الغرسات العظمية بثاني أكسيد التيتانيوم (TiO2)، وهو غير سامٍ لخلايا العظام والبكتيريا، ولكن لديه حدود في استجابته للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء.

في هذه الدراسة، استخدم فريق البحث هيدروكسيباتيت (HA)، المكوِّن الأساسي للعظام والأسنان، لتطوير سطحٍ قابلٍ للإثارة يستجيب للتيار الضوئي.

ويُولِّد الطلاء الجديد إشارات ضوئية كهربائية عند تعرّضه للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، ممّا يقلّل بسرعة من الالتهاب الحاد ويخلق بيئة مناعية مفيدة مصمّمة لحالة المريض، ويؤدي في النهاية إلى تسريع تكامل العظام مع الغرسة ويجعل الغرسات أكثر أماناً.

وأضاف البروفيسور يونغ واي كوك قائلاً: «نجح فريقنا في تطوير آلية جديدة تعمل على تعديل تمايز الخلايا المناعية بشكل غير جراحي وفقاً لدورة المناعة لدى المريض واحتياجاته»، وتابع: «هذا الاكتشاف له تأثيرٌ عميق على معدل نجاح جراحة العظام ويوفر اتجاهاً جديداً لمعالجة التّحديات السريرية، مثل رفض الزرع».