صنعاء: قاعات دراسة تتحول إلى معارض صور قتلى حوثيين

الجماعة دشنت العام بقمع طلبة الجامعات

طفل يحمل كيساً يجمع فيه زجاجات من المخلفات في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يحمل كيساً يجمع فيه زجاجات من المخلفات في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

صنعاء: قاعات دراسة تتحول إلى معارض صور قتلى حوثيين

طفل يحمل كيساً يجمع فيه زجاجات من المخلفات في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يحمل كيساً يجمع فيه زجاجات من المخلفات في صنعاء (إ.ب.أ)

دشنت الميليشيات الحوثية مع دخول العام 2021 مرحلة جديدة من الجرائم والممارسات القمعية بحق طلبة ومنتسبي الجامعات الحكومية والأهلية، وذلك في سياق استهدافها المنظم لقطاع التعليم العالي في العاصمة صنعاء وبقية المدن والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة صعّدت منذ الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي من حجم انتهاكاتها بحق مؤسسات التعليم العالي، أفادت مصادر أكاديمية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن التعسفات التي ارتكبتها الجماعة بحق منتسبي هذا القطاع مؤخرا شمل الاقتحام والقمع والتنكيل ومنع حفلات التخرج ومواصلة ملشنة بعض الجامعات وتحويلها من منصات تعليمية إلى أخرى تروج لأنشطة الجماعة الإرهابية والطائفية.
وتحدثت المصادر عن أن ممارسات وجرائم الميليشيات خلال الأيام القليلة الماضية رافقها أيضا افتتاح الجماعة معرضا لصور قتلاها في جامعة إب (170 كم جنوب صنعاء)، بالتزامن مع افتتاح معرض مماثل في جامعة الحديدة وضم مئات الصور لصرعى قالت الجماعة إنهم طلبة جامعيون أرسلتهم في السابق للقتال بجبهاتها المختلفة.
ويأتي ذلك في ظل استياء واسع في أوساط الطلبة والأكاديميين في جامعتي إب والحديدة، حيث أبدى الكثير منهم - بحسب المصادر - تحسرهم وامتعاضهم من الحال التي وصلت إليه الجامعات الواقعة تحت قبضة الميليشيات.
وعلى هامش فعاليات تمجيد «ثقافة الموت» نفذت قيادات من الجماعة تم تعيينها في إدارة الجامعتين وتحت لافتة «ملتقى الطالب الجامعي» زيارات ميدانية لمقابر صرعى الميليشيات في مسعى منها لتحويل مؤسسات التعليم العالي إلى أوكار لزراعة الأفكار الطائفية والإرهابية.
وأدى تفاخر الميليشيات بالقتلى الذين ادعت أنهم جامعيون إلى استهجان نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، حيث سخر الكثير منهم مما وصفوه بـ«وقاحة» الجماعة في عرض المصير المأساوي الذي ينتظر الطلبة وأسرهم والتفاخر به في الوقت نفسه.
وعلق بعض الناشطين بالقول «إن الاستهتار الحوثي تجاوز كل حد بدفع طلبة المدارس والجامعات إلى ميادين الموت في معركتها الطائفية التخريبية، والانتهاء بهم إلى المقابر بدلا من ميادين العمل والتنمية والبناء، كما هو مفترض في جماعة تدعي أنها سلطة».
ومنذ أيام افتتحت الجماعة عشرات المعارض لصور صرعاها في مختلف مديريات إب والحديدة، حيث قدرت التقارير أن عدد قتلى الميليشيات وصل في محافظة إب فقط إلى أكثر من 3500 صريع ونحو 8 آلاف جريح.
وعلى صعيد مواصلة الميليشيات المضي على خطى التنظيمات الإرهابية وفرضها مع دخول العام الجديد المزيد من الإجراءات القمعية بحق المدنيين بمناطق سيطرتها خصوصا طلبة الجامعات. أفادت مصادر طلابية بصنعاء بأن الجماعة منعت قبل أيام عشرات الطلبة والطالبات في كلية التجارة بجامعة صنعاء (كبرى الجامعات اليمنية) من إقامة حفل تخرجهم، بحجة منع الاختلاط. في وقت أصدرت فيه الجماعة تعميمات لجامعات أهلية في صنعاء تحضها على فرض قيود مشددة على الطلبة بما يتوافق مع نهجها الإرهابي المتطرف.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة ألغت حفل التخرج في اللحظات الأخيرة، والذي كان مقرراً إقامته صبيحة السبت الفائت في قاعة مؤسسة اليتيم التنموية بحي النهضة شمال صنعاء العاصمة.
وطبقا للمصادر، لم تكتف الجماعة بإلغاء حفل التخرج، بل عمدت إلى احتجاز عدد من الطلبة وباشرت بطرد الأهالي وأولياء الأمور الذين حضروا للقاعة لمشاركة أبنائهم فرحة تخرجهم.
في غضون ذلك، أبدى طلبة خريجون استياءهم الكبير من منع الجماعة إقامة حفل تخرجهم، والذي أعدوا له منذ أسابيع، وقالوا إن تكاليف الحفل التي دفعوها ذهبت هدراً وأن الميليشيا لم تقدر خسائرهم ولا فرحتهم بهذه المناسبة.
وتحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة واصلت مع دخول أول شهر من العام الجديد كعادتها خلال الأعوام الماضية سياسة التضييق على الجامعات وارتكبت بذات الوقت انتهاكات وجرائم متنوعة بحقهم سواء في نطاق جامعة صنعاء أو غيرها من الجامعات الأخرى الحكومية والخاصة.
وعلى ذات المنوال، وجهت الجماعة، حليف إيران في اليمن، مؤخرا تعميمات جديدة لجامعات: (المستقبل واللبنانية وتونتك) الأهلية في العاصمة صنعاء تحضها على فرض المزيد من القيود على الطلبة. وفق ما أفادت به لـ«الشرق الأوسط» مصادر أكاديمية.
وبحسب المصادر، فقد جددت الجماعة منع الطالبات في الجامعات الأهلية المستهدفة من ارتداء الملابس الضيقة والعباءات المفتوحة والملابس القصيرة، كما أجبرتهن على تغطية الشعر بالكامل.
ويقول مراقبون حقوقيون إن «مثل تلك الممارسات هي من نهج الجماعات الإرهابية والمتطرفة أمثال (القاعدة) و(داعش) و(أنصار الشريعة)».
وسبق أن فرضت الميليشيات طيلة الفترات الماضية المزيد من الإجراءات والقيود المشددة بحق طلبة الجامعات اليمنية الأهلية والحكومية في مناطق سيطرتها، والتي كان آخرها إصدارها لأوامر تقضي بمنع الاختلاط في مرحلة التعليم الجامعي، والحض على فصل الطالبات عن الطلبة وتحديد بوابات لدخول الذكور وأخرى للإناث، وكذا تحديد مواصفات خاصة للملابس المحتشمة.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».