تحالف غربي يجمع مليار دولار لتوزيع اللقاحات في الدول النامية

بريطانيا: تطعيم مليوني شخص وسط تحذيرات من «وضع خطير» في المستشفيات

سيارات الإسعاف تصطف أمام مستشفى نايتنغيل في لندن أمس (أ.ف.ب)
سيارات الإسعاف تصطف أمام مستشفى نايتنغيل في لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

تحالف غربي يجمع مليار دولار لتوزيع اللقاحات في الدول النامية

سيارات الإسعاف تصطف أمام مستشفى نايتنغيل في لندن أمس (أ.ف.ب)
سيارات الإسعاف تصطف أمام مستشفى نايتنغيل في لندن أمس (أ.ف.ب)

جمعت بريطانيا من حلفائها مليار دولار من أجل مساعدة «الدول النامية» للحصول على اللقاحات ضد فيروس «كورونا» المستجد، على ما أعلنت وزارة الخارجية أمس الأحد قبل زيارة افتراضية للأمين العام للأمم المتحدة إلى لندن. وأوضحت الوزارة في بيان أن هذا المبلغ الذي تم جمعه بشكل أساسي من كندا وألمانيا واليابان وأضافت إليه لندن 548 مليون جنيه إسترليني بعدما وعدت بتقديم جنيه إسترليني مقابل كل أربعة دولارات يتم جمعها، «سيسمح بتوزيع مليار جرعة من اللقاحات ضد فيروس (كورونا) المستجد في 92 دولة نامية هذه السنة».
وقال وزير الخارجية دومينيك راب: «سنكون بمأمن من هذا الفيروس حين نصبح جميعا بمأمن، لذلك نركز جهودنا على حل عالمي لمشكلة عالمية». وتابع «من الطبيعي بمناسبة الذكرى الـ75 لإنشاء الأمم المتحدة أن تقوم المملكة المتحدة بمبادرة لدى حلفائها من أجل وضع مليار جرعة من اللقاح ضد فيروس (كورونا) المستجد في متناول الدول المعرضة».
وصدر الإعلان بالفعل في اليوم الأول من زيارة افتراضية يقوم بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى المملكة المتحدة وتستمر ثلاثة أيام للاحتفال بذكرى قيام الأمم المتحدة التي عقدت أول اجتماع لها في لندن. وقال غوتيريش في بيان: «في هذه المرحلة من التقلبات الدولية الجديدة، يشرفني أن أزور افتراضيا المملكة المتحدة للاحتفال بهذه المناسبة»، موضحا أنه يأتي «لتجديد قضيتنا، وهي التغلب معا على التحديات العالمية والاحتفاء ببلد لعب دورا حاسما في إنشاء الأمم المتحدة». ويشارك غوتيريش في مراسم افتراضية ويعقد اليوم (الاثنين) اجتماعا مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ودومينيك راب وألوك شارما رئيس قمة المناخ «كوب 26» التي تنظمها المملكة المتحدة هذه السنة في مدينة غلاسكو.
في غضون ذلك، وصل إجمالي الإصابات المؤكدة بفيروس «كورونا» المستجد في المملكة المتحدة إلى 03.‏3 مليون حالة إصابة، بحسب ما أظهرته بيانات جامعة جونز هوبكنز ووكالة بلومبرغ للأنباء. وأشارت البيانات إلى تعافي 6851 شخصا من مرض (كوفيد - 19 ) الذي يسببه فيروس «كورونا». وسجلت المملكة المتحدة أول حالة إصابة في البلاد قبل نحو 49 أسبوعا.
وقال وزير الصحة البريطاني مات هانكوك أمس (الأحد) إن بلاده طعمت نحو مليوني شخص بلقاح الوقاية من «كوفيد - 19» وذلك قبل تكثيف طرح الجرعات اليوم (الاثنين). وقال الوزير لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): «على مدى الأسبوع الماضي، قمنا بتطعيم ما يزيد على عدد من حصلوا على التطعيم في ديسمبر (كانون الأول) كله، وبهذا نحن نسرع الطرح». وأضاف ردا على سؤال عن عدد من تلقوا التطعيم «حوالي مليونين، لكننا سننشر الأعداد بالضبط غداً (اليوم) ثم سننشرها على أساس يومي بعد ذلك». وترمي بريطانيا إلى تطعيم نحو 14 مليونا بحلول منتصف فبراير (شباط) بما يشمل من هم فوق سن السبعين، والأكثر عرضة للإصابة، أي كبار السن ومن لديهم أمراض سابقة، إضافة للعاملين في مجالي الصحة والرعاية الاجتماعية. وقال هانكوك إن نحو 200 ألف يحصلون على التطعيم يوميا في الوقت الحالي، وهو ما يضع بريطانيا على طريق تحقيق هدفها ويتيح الفرصة للبدء في تخفيف القيود في الربيع.
وفي ظل وجود سلالة جديدة شديدة العدوى من الفيروس في بريطانيا، فرض رئيس الوزراء بوريس جونسون عزلا عاما ثالثا في إنجلترا، أكثر مناطق المملكة المتحدة سكانا، في محاولة لكبح الجائحة قبل تطعيم جميع من هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض. وتوفي أكثر من 80 ألفا بالمرض في بريطانيا في بعد إصابتهم بـ«كورونا»، وهو خامس أكبر عدد للوفيات بالفيروس في العالم. وقال قصر بكنغهام أول من أمس إن الملكة إليزابيث وزوجها الأمير فيليب، وكلاهما في العقد العاشر من العمر، تلقيا لقاح الوقاية من (كوفيد - 19).
وعلى صعيد متصل، أصدر كريس ويتي، كبير المستشارين الطبيين للحكومة البريطانية، تحذيرا صارخا بشأن الوضع الذي تواجهه المستشفيات مع استمرار ارتفاع أعداد حالات الإصابة بفيروس «كورونا». وقال ويتي في افتتاحية لصحيفة «صنداي تايمز»: «إذا استمر الفيروس على هذه الوتيرة، فسوف تواجه المستشفيات صعوبات حقيقية، وقريبا. الوقت الذي ينتظره الناس للحصول على الرعاية سوف يستمر في الزيادة إلى مستويات قد تكون غير آمنة». وكتب أنه يمكن الوصول إلى هذه المستويات في أقل من ثلاثة أسابيع. وقال: «المستشفيات مكتظة دائما في فصل الشتاء، لكن هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بعض مناطق البلاد تواجه حاليا أخطر وضع يمكن لأي شخص أن يتذكره».
وتأتي تعليقاته في الوقت الذي يتم فيه إدخال أعداد متزايدة من المرضى في وحدات العناية المركزة. وقال ويتي: «لن يكون لدى المستشفيات مجال لاستقبال حالات الطوارئ المعاد توجيهها في الشبكات الإقليمية. ستصبح نسب الموظفين إلى المرضى - التي تم تجاوزها بالفعل - غير مقبولة حتى في العناية المركزة». وناشد الناس اتباع الإرشادات لمنع انتشار الفيروس، وتجنب التفاعلات غير الضرورية التي قد تؤدي إلى مزيد من الحالات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟