تركيا وفرنسا تسعيان لقلب صفحة التوتر لأسباب متعارضة

أنقرة متخوفة من انتهاء عهد ترمب ووصول بايدن

وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو (يسار) خلال مؤتمر صحافي الخميس مع نظيره البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا (إ.ب.أ)
وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو (يسار) خلال مؤتمر صحافي الخميس مع نظيره البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا (إ.ب.أ)
TT

تركيا وفرنسا تسعيان لقلب صفحة التوتر لأسباب متعارضة

وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو (يسار) خلال مؤتمر صحافي الخميس مع نظيره البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا (إ.ب.أ)
وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو (يسار) خلال مؤتمر صحافي الخميس مع نظيره البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا (إ.ب.أ)

تريد أنقرة طي صفحة الخلافات مع فرنسا وفتح صفحة جديدة، وجددت رغبتها في تطبيع علاقاتها المتوترة مع فرنسا، وكشفت عن مباحثات تسير على نحو جديد. هذا ما أكدته تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أول من أمس، في لشبونة، حيث كان يقوم بزيارة رسمية للبرتغال التي تسلمت رئاسة الاتحاد الأوروبي لعام 2021 من ألمانيا. وقال جاويش أوغلو إن بلاده وفرنسا تعملان على خريطة طريق لتطبيع العلاقات وإن المحادثات تسير بشكل طيب، مشيراً إلى أن أنقرة مستعدة لتحسين الروابط مع فرنسا، شريكتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا، قال جاويش أوغلو إنه اتفق مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، خلال اتصال هاتفي بينهما مؤخراً، على خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين البلدين، وإن تركيا وفرنسا لا تتعارضان بشكل قاطع. ووصف الاتصال الأخير مع لودريان بأنه كان مثمراً للغاية، وأن الجهود المشتركة في هذا الصدد أحرزت تقدماً جيداً حتى الآن.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: ما الدوافع الكامنة وراء رغبة تركيا في «تطبيع» علاقاتها مع فرنسا التي تميزت، منذ عام 2019 بالتوتر المستمر والتنازع بشأن ملفات متعددة تبدأ بسياسة تركيا إزاء أكراد سوريا، مروراً بدور أنقرة في النزاع الليبي وأطماعها في غاز مياه المتوسط الشرقي، وانتهاءً بالدور الذي لعبته في حرب قره باغ؟ والسؤال الرديف يتناول التوقيت الذي اختاره جاويش أوغلو لإيصال رغبة «الانفتاح» إلى باريس.
تتضمن تصريحات جاويش أوغلو في لشبونة مجموعة رسائل، أولاها أن أنقرة «مستعدة لتحسين الروابط مع شريكتها في حلف شمال الأطلسي (فرنسا) إذا أبدت باريس الرغبة نفسها». والثانية قوامها تحميل الطرف الفرنسي مسؤولية التدهور في العلاقات الثنائية التي تعود في أساسها، وفق قراءته، إلى «معارضة باريس الشديدة لتركيا» منذ عملية «نبع السلام» ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال شرق سوريا. وحسب جاويش أوغلو فإن تركيا «لا تقف موقف المعارضة التامة لفرنسا بينما فرنسا تعارض تركيا بشكل منهجي». والرسالة الثالثة المضمَرة تحمّل باريس مسؤولية تنقية العلاقات مع أنقرة بوصفها الطرف «المخطئ».
اللافت أن وزارة الخارجية الفرنسية التي تنقل أنشطة الوزير لودريان لم تأتِ أبداً على الاتصال الهاتفي مع جاويش أوغلو. لكن الواضح، وفق ديديه بيون، أحد الاختصاصيين الأكثر اطلاعاً على الشؤون التركية، أن هناك «رغبة مشتركة» بين الطرفين الفرنسي والتركي لقلب صفحة التراشق والاتهامات المتبادلة. ويشير الباحث المذكور إلى أن إحدى العلامات الدالة على الرغبة الفرنسية المستجدة هي تعيين باريس لسفير جديد في أنقرة هو هيرفيه ماغرو، الذي وُلد في تركيا، حيث كان والده في مهمة دبلوماسية ويتحدث اللغة التركية بطلاقة ويعرف دقائق ملف العلاقات الثنائية وكيفية التحدث إلى الأتراك. ولكن، أبعد من هذا الجانب الشخصي، فإن قصر الإليزيه يرى أن التصعيد مع تركيا «لم يكن مفيداً» وأن الأمور «ذهبت بعيداً» وأنها «لم تكن في صالح باريس» التي لم تنجح في وقف التمدد التركي لا في سوريا أو ليبيا أو شرق المتوسط، وأخيراً في ناغورني قره باغ، حيث عد انتصار الجيش الأذري على القوات الأرمينية نجاحاً لتركيا ولإردوغان شخصياً. يضاف إلى ذلك أن «عداوة» باريس لأنقرة لم تلقَ الدعم الذي كانت تسعى إليه باريس من شركائها في الاتحاد الأوروبي. ويرى الكثير من الدول الأوروبية أن تركيا عضو مهم في الحلف الأطلسي وأنه من غير المفيد «إبعادها» عن أوروبا أو استعداؤها إرضاءً للرئيس الفرنسي، الأمر الذي فهمته أنقرة وسعت لاستغلال اختلاف الرؤى بين الأوروبيين لصالحها. أما من الجانب الآخر، فإن رغبة التصالح التركية مع فرنسا تندرج في إطار السعي للتقارب مع الاتحاد الأوروبي حيث إن الهدف التركي لا يمكن أن يتحقق ما دام عداء باريس على حاله. ويرى ديديه بيون أن المحرك الأول لليونة التركية يتعين البحث عنه في التحولات الجارية في واشنطن، إذ إن نهاية عهد ترمب ووصول إدارة الرئيس المنتخب بايدن إلى البيت الأبيض يعنيان «خسارة إردوغان لرئيس أميركي متفهم لمطالب أنقرة». لذا، يقول بيون، إن حسابات إردوغان أنه سيكون بحاجة للاتحاد الأوروبي في المرحلة القادمة. ويؤكد الخبير الفرنسي أن من بين الإشارات «المقلقة» لتركيا تصريحات مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي الأخيرة بخصوص اقتناء أنقرة منظومة صواريخ «إس 400» الروسية التي اتصفت بعنف غير مسبوق. والنتيجة المباشرة لذلك أن أعضاء في الحلف الأطلسي الذين كانوا يكتمون انتقاداتهم لأنقرة سابقاً مراعاةً لواشنطن، ستكون لديهم الفرصة لرفع الصوت، إذ إن ذلك سيتناغم مع المعطيات الجديدة في العاصمة الأميركية. ولا بد من الإشارة إلى أن بايدن أدلى سابقاً بتصريحات مقلقة لإردوغان، حيث إنه شجع، في مقابلة صحافية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، المعارضة التركية للتخلص من إردوغان عبر صناديق الاقتراع. وإذا كان بايدن سيأخذ بعين الاعتبار معيار حقوق الإنسان وجدولة القانون في تركيا، فإن الدفة لن تميل لصالح إردوغان. أما العامل الأخير، فقوامه العلاقة المعقدة مع الرئيس الروسي بوتين. ويقول بيون إن الأخير «لا يمكن عدّه حليفاً» للرئيس التركي، إذ إن مكامن التنافس والخلافات بينهما كثيرة، إنْ في سوريا أو ليبيا أو القوقاز الجنوبي، وبالتالي فإن تركيا «ستكون دوماً بحاجة للحلف الأطلسي وللاتحاد الأوروبي». وفي الحالين، يتعين على تركيا أن «تحل عُقدة باريس». هل يعني ذلك أن المياه ستعود إلى مجاريها سريعاً بين الطرفين التركي والفرنسي؟
يقول مصدر فرنسي إن الأمور «ليست بهذه السهولة» ولا يمكن الحكم على تطوراتها الآن خصوصاً أن «خارطة الطريق» التي تحدث عنها جاويش أوغلو لم تُعرف بنودها ولا روزنامتها. لكن الثابت أن «الضرورة» تدفع تركيا لمحاولة رأب الصدع مع أوروبا ومنذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكد إردوغان للمستشارة الألمانية أن بلاده تريد حقيقةً التقارب مجدداً مع أوروبا. وأول من أمس، وصف جاويش أوغلو نظيره اليوناني بـ«الصديق الشخصي» وأنهما اتفقا على الاجتماع قريباً. لكن بعد ساعات قليلة، كاد يحصل صدام بين البحريتين التركية واليونانية في مياه المتوسط.
وقال جاويش أوغلو في هذا الصدد إن بلاده تدعم التقاسم العادل للثروات في شرق المتوسط، مضيفاً: «الآن أمامنا فرصة أخرى للحوار، تتيح التعاون بين جميع دول حوض شرق المتوسط... تقترح تركيا تنظيم مؤتمر متعدد الأطراف حول شرق المتوسط، للتوصل إلى اتفاق نهائي يتيح لجميع الأطراف الحصول على حصة مشتركة من الثروة».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».