سياسة إيبار المعجزة: إذا كانت لدي خمسة جنيهات فسأنفق أربعة فقط

غاراغارزا قال إن المال ليس كل شيء ولذلك تمكنوا من البقاء في «لا ليغا» 6 مواسم

إيبار قدّم مستويات لافتة في الدوري الإسباني في السنوات الأخيرة (أ.ف.ب)
إيبار قدّم مستويات لافتة في الدوري الإسباني في السنوات الأخيرة (أ.ف.ب)
TT

سياسة إيبار المعجزة: إذا كانت لدي خمسة جنيهات فسأنفق أربعة فقط

إيبار قدّم مستويات لافتة في الدوري الإسباني في السنوات الأخيرة (أ.ف.ب)
إيبار قدّم مستويات لافتة في الدوري الإسباني في السنوات الأخيرة (أ.ف.ب)

جلس خمسة رجال الثلاثاء قبل الماضي حول طاولة في غرفة اجتماعات جديدة أنيقة تطل على أرضية ملعب نادي إيبار الإسباني، وانضم إليهم شخص سادس على الشاشة. وكان ميكيل مارتيغا، وأركايتس لاكانبرا، وإنيكو رومو، وفران ريكو، يشاهدون اللاعبين المرشحين للانضمام إلى الفريق هذا الأسبوع، والذين لم يكونوا سوى عينة صغيرة من 19 ألف لاعب يبحث النادي من بينهم عمن يمكنه تقديم الإضافة اللازمة للفريق. وكانت المحادثات بين هؤلاء المسؤولين تدور حول قدرات هؤلاء اللاعبين، فتسمع من يقول: «توقف عن المشاهدة»، في حين يقول آخر: «انتقل إلى المرحلة التالية»، وهكذا.
وبين الحين والآخر، كان المدير الرياضي لنادي إيبار، فران غاراغارزا، يطلب بعض التفاصيل الإضافية، مثل اسم اللاعب وعمره ووكيل أعماله. وفي تلك الأثناء، كان أوناي إزكورا يُدخل كل تلك البيانات على النظام. وكان غاراغارزا معتاداً على التنقل في شاحنة لنقل الطرود للبريد السريع؛ لكنه الآن يسافر لمشاهدة المباريات من أجل اختيار اللاعبين الذين يمكن ضمهم للفريق، أو كان يفعل ذلك قبل تفشي وباء «كورونا».
ويعمل غاراغارزا في إيبار منذ 16 عاماً، مديراً فنياً للفريق تحت 19 عاماً، ومساعداً للمدير الفني للفريق الأول، ومديراً لأكاديمية الناشئين. وعلى مدار العقد الماضي، شغل غاراغارزا منصب المدير الرياضي للنادي، وأشرف على أحد أعظم النجاحات في كرة القدم الإسبانية؛ حيث قاد النادي لتحقيق إنجازات جيدة للغاية من دون أن يتحمل النادي أي ديون.
ومساء 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، واجه إيبار نادي برشلونة على ملعب «كامب نو» ونجح في العودة بنقطة التعادل من معقل العملاق الكاتالوني بعد انتهاء المباراة بهدف لكل فريق. وقبل أن يتولى غاراغارزا منصب المدير الرياضي، كان النادي يلعب أمام أندية مغمورة، وحتى عندما كان يذهب إلى أندية أكبر، مثل أتلتيكو مدريد أو ريال سوسيداد أو أوساسونا، فإنه كان يذهب إلى تلك الملاعب لمواجهة فرق الرديف لهذه الأندية وليس الفرق الأولى. وكان إيبار يلعب في دوري الدرجة الثانية، واحداً من 80 فريقاً موزعة على أربع مجموعات إقليمية.
ولم يكن نادي إيبار الذي يوجد في بلدة يبلغ عدد سكانها 27378 نسمة في وادي إيغو ويوجد ملعبه الرئيسي وسط كتل من المباني الشاهقة، قد لعب في الدوري الإسباني الممتاز من قبل، ولم يكن متوقعاً له أن يتمكن من القيام بذلك يوماً ما؛ لكن الفريق نجح في الصعود للدوري الإسباني الممتاز في عام 2014، ولم يهبط منذ ذلك الحين، وبالتالي يعد هذا هو الموسم السابع لنادي إيبار في الدوري الإسباني الممتاز، ويمكن القول بأن النادي يحقق «معجزة» ببقائه بين الكبار في كل موسم من هذه المواسم.
يقول غاراغارزا: «لم أتخيل هذا أبداً»؛ لكن النادي الذي يمتلك ملعباً يتسع لـ8000 متفرج، ولم يمتلئ بالمشجعين أبداً حتى قبل تفشي الوباء، أصبح ينتمي الآن إلى أندية النخبة في كرة القدم الإسبانية.
وإذا كانت ميزانية النادي قد زادت، والمرافق قد تطورت، وأرضية الملعب قد أصبحت أفضل من ذي قبل، فإن المثل العليا التي يعتمد عليها النادي لم تتغير في يوم من الأيام. وعندما كان المسؤولون يشاهدون بعض المباريات لاختيار اللاعبين الذين قد يتعاقد معهم الفريق، لم يكن من بينها أي مباراة من الدوري الإنجليزي الممتاز أو الدوري الإيطالي الممتاز أو الدوري الألماني الممتاز، ولم يكن هناك سوى مباراة واحدة فقط من الدوري الإسباني الممتاز الذي يلعب به نادي إيبار؛ لكن غاراغارزا يقول: «هذه ليست سوقنا».
ويضع غاراغارزا أسس اختيار اللاعبين الجدد، بدءاً من اكتشاف الموهبة التي يريد النادي التعاقد معها وحتى وصول الأمر إلى السكرتير الفني ثم إلى المدير الرياضي وحتى المدير الفني في نهاية المطاف. من الواضح أن نادي إيبار ليس بالنادي الكبير الذي يحلم به اللاعبون الصغار، كما أنه ليس من الأندية التي تغري اللاعبين بالرواتب الضخمة. وحتى على مستوى الشباب، لا يمكن لنادي إيبار الدخول في منافسة مع الأندية المحيطة به. وبالتالي، يتعين على النادي أن يتوصل إلى حلول مبتكرة ويعمل من أجل التطوير، سواء داخل أو خارج الملعب. يقول غاراغارزا: «الإدارة المالية هي الركيزة الأساسية التي نركز عليها على جميع المستويات. ونتبع دائماً سياسة: إذا كانت لدي خمسة جنيهات فسأنفق أربعة فقط».
ويضيف: «في العام الماضي، على سبيل المثال، بعنا بعض اللاعبين بشكل جيد (جوان جوردان لإشبيلية مقابل 12 مليون يورو، وروبين بينيا إلى فياريال مقابل 8 ملايين يورو) لكننا لا ننفق أبداً كل العائدات المالية التي تصل إلينا. الأمر لا يتعلق فقط بالمبالغ المالية التي تنفق من أجل إبرام صفقات جديدة، فهناك أيضاً رواتب اللاعبين، ولا يمكننا أن نمنح أحد اللاعبين راتباً أكبر من الآخرين؛ لأن اللاعبين الآخرين سيكتشفون ذلك ويطالبون بالمثل. وبالتالي، يتعين علينا أن نوازن بين هذه الأمور، ونجدد دماء الفريق في الوقت نفسه، وهو أمر صعب للغاية. المال ليس كل شيء؛ لكن إذا لم تدفع رواتب قريبة من الرواتب التي تدفعها الأندية الأخرى، فلا يمكنك الاستمرار؛ لأن اللاعبين لن يأتون إليك من الأساس».
ويتابع: «إننا نتحدث إلى عائلة اللاعب ونتواصل مع بعض أصدقائه من أجل إقناعه بالانضمام إلينا، ونقدم له العرض الذي يمكننا تقديمه. ويمكننا إقناع اللاعبين من خلال بعض الأشياء، مثل ضخ الأموال لتحسين ملعب الفريق وملعب التدريب والمرافق الطبية، فضلاً عن الاستقرار الذي نتمتع به؛ لكن لا يمكننا - على سبيل المثال - أن ندفع 10 ملايين جنيه إسترليني للتعاقد مع لاعب».
ويعد إدو إكسبوسيتو أغلى صفقة في تاريخ النادي، مقابل أربعة ملايين يورو. كما أن أسعار لاعبي الفريق الأول مجتمعة تقل عن 25 مليون يورو.
وعندما لعب إيبار أول مباراة له في الدوري الإسباني الممتاز، كان سبعة لاعبين من التشكيلة الأساسية للفريق من اللاعبين الذين قادوا النادي للصعود من دوري الدرجة الأولى. وفي منتصف ذلك الموسم، رحل راؤول ألبينتوسا إلى ديربي كاونتي في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا، بعدما دفع النادي الإنجليزي الشرط الجزائي الموجود في عقد اللاعب، والذي يصل إلى 600 ألف يورو، كما منحه راتباً أعلى بسبعة أضعاف مما كان يحصل عليه مع نادي إيبار.
يقول غاراغارزا: «لم نكن نرغب في بيع اللاعب؛ لكنهم حصلوا على خدماته بكل سهولة. كان لدينا بالفعل 27 نقطة، وهو ما يعني أننا كنا بعيدين تماماً عن مراكز الهبوط، وقررنا ألا نستثمر أي جنيه من أموال تلك الصفقة في التعاقد مع لاعبين جدد. لقد اتضح بعد ذلك أننا اتخذنا قراراً خاطئاً؛ حيث أنهينا الموسم في المركز الثالث من أسفل جدول الترتيب، وهو ما كان يعني هبوط الفريق من الدوري الممتاز، لولا القرار الذي صدر بهبوط نادي إلتشي بسبب مشكلاته المالية، وهو الأمر الذي أنقذنا من الهبوط. لقد أدركنا حينئذ أننا كنا محظوظين، وأنه لا يتعين علينا القيام بذلك مرة أخرى».
ويضيف: «لم نتوقع أن نصل إلى الدوري الإسباني الممتاز؛ حيث كنا قد كونَّا فريقاً من أجل البقاء في دوري الدرجة الأولى، ولم يكن لدينا المال الكافي، وكان عديد من لاعبي الفريق يلعبون على سبيل الإعارة؛ لكننا وجدنا أنفسنا في ملحق الصعود ونلعب المباريات الفاصلة، ونصعد للدوري الإسباني الممتاز. وحتى بعدما صعدنا إلى الدوري الممتاز، لم نكن قادرين على الدخول في منافسة مع بعض أندية دوري الدرجة الأولى من حيث التعاقد مع اللاعبين، وكان هناك تياران مختلفان داخل النادي: الأول يشعر بالقلق من اللعب في الدوري الممتاز ويرى أننا لن نكون قادرين على المنافسة، والثاني يرى أنه مجرد عام سوف نلعبه بين الكبار، وبالتالي يتعين علينا أن نستمتع بما نقدمه. كان البعض يرى أنه يكفي أن نشاهد ريال مدريد هنا، وأن نلعب مباراة الديربي، وأن نزيد دخل النادي، قبل أن نهبط مرة أخرى. لقد كان هناك انطباع بأننا لن نتمكن من البقاء بين الكبار. لقد كان الأمر بمثابة هدية غير متوقعة، وجاءت في وقت مبكر جداً».
ويتابع: «لكننا تمكنا من البقاء على أي حال، وأنهينا الموسم في المركز الثالث من مؤخرة جدول الترتيب، وليس المركز الأخير، وهنا بدأت الأمور تتغير. كانت هذه هي اللحظة التي أدركنا فيها أنه يتعين علينا أن نستثمر بعض الأموال وندعم صفوف الفريق. ولو هبطنا إلى دوري الدرجة الأولى، فلن تكون لدينا القدرة الاقتصادية على بناء فريق قوي؛ لكننا حصلنا على فرصة ثانية من أجل القيام بذلك بعد بقائنا في المسابقة».
وفي السنوات الست التالية منذ ذلك الحين، لم يحتل إيبار مركزاً أقل من المركز الرابع عشر؛ بل وبدا الأمر في بعض الأحيان وكأن الفريق سيكون قادراً على التأهل للمسابقات الأوروبية. إن هذا التحول الهائل يجعل إيبار بمثابة نموذج يحتذي به الآخرون.
يقول غاراغارزا عن ذلك: «هناك أندية كبيرة مثل ريال سرقسطة، وسبورتنغ، وأوفييدو، تلعب الآن في دوري الدرجة الأولى، وهذا يدفعنا للتساؤل عما حدث لكي تلعب أندية أصغر مثل ليغانيس، وهويسكا، وإيبار، في الدوري الإسباني الممتاز. لماذا تمكنت أندية من بلدات صغيرة ذات تاريخ بسيط من أن تلعب في الدوري الممتاز، في الوقت الذي تفشل فيه أندية من مدن أكبر، مثل أليكانتي أو قرطبة أو مورسيا، في الصعود؟».
ويضيف: «لقد فعلنا كثيراً من الأمور بشكل صحيح؛ لكننا استفدنا أيضاً من التوقيت ومن سوء إدارة الأندية الكبيرة التي يعاني بعضها من ديون كبيرة، وبعضها الآخر من حظر على الدخل؛ لكننا لم نعانِ من مثل هذه الأمور. إننا لا ننفق أبداً فوق إمكانياتنا المالية، ولدينا نموذج صغير للمساهمة، ونضع مسؤولية قيادة النادي على عدد من الأشخاص المحترفين، فلا يوجد مالك وحيد يتخذ القرارات بمفرده».
وقد ساعد ذلك النادي على التغلب على تداعيات تفشي فيروس «كورونا»، كما أثار عديداً من الأسئلة الأوسع بشأن الأسس التي تقوم عليها كرة القدم الحديثة. يقول غاراغارزا: «إننا لم نتأثر كثيراً بغياب الجماهير مثل بقية الأندية، فنحن أفضل نسبياً من الأندية التي تعتمد على حضور 50 ألف متفرج. لقد صعدنا إلى الدوري الإسباني الممتاز في الوقت المناسب؛ لأنه على الرغم من حضور 5000 متفرج لمبارياتنا، فإن جمهورنا الأكبر يشاهد مبارياتنا عبر شاشات التلفزيون، وهو العدد الذي يزيد مع مرور الوقت».
ويضيف: «لكن إلى متى سيستمر هذا الأمر؟ وحتى من دون الاشتراكات التلفزيونية يمكننا أن نواصل العمل بشكل جيد. إننا نتعايش بشكل جيد داخل تلك الفقاعة، بفضل قدرتنا على تنويع مواردنا المالية. الأطفال يكبرون الآن وهم يعلمون أن إيبار من الأندية التي تلعب في الدوري الإسباني الممتاز، وهو الأمر الذي قد يساعدنا؛ لكن ماذا سيحدث في حال هبوطنا إلى دوري الدرجة الأولى؟ لدينا بالفعل جماهير تشجعنا منذ أن كنا نلعب في دوري الدرجة الثالثة، وانضم إليهم آخرون بعد صعودنا للدوري الممتاز؛ لكنني أعتقد أنه في حال هبوطنا لدوري الدرجة الأولى فإننا سنخسر كثيراً من جمهورنا».
وعندما سُئل غاراغارزا عما إذا كان يشعر بأن نادي إيبار يشعر بالاستقرار في الوقت الراهن، رد قائلاً: «أنا لست متأكداً مما إذا كنا نتمتع بالاستقرار أم لا. فما هو الاستقرار؟ وكم عاماً يلزمك لكي تشعر بالاستقرار؟ وماذا يعني الاستقرار من الأساس؟ هل يمكننا بناء ملعب كبير؟ لا. فعلى الرغم من أننا نلعب في الدوري الإسباني الممتاز، فلا نزال نعاني من قيود كبيرة، وربما بشكل أكبر من ذي قبل. لقد عاد ألافيس وأوساسونا وهما يتنافسان هنا. لا تضم المدينة سوى 27000 نسمة، ويهيمن أتلتيك بلباو وريال سوسيداد على المنطقة المحيطة».
ويضيف: «انتماؤنا لإقليم الباسك مهم جداً، وربما فقدنا هذه الهوية بعض الشيء. كان لدينا داني غارسيا، ويوري بيرشيش، وجون إراستي، وميكيل أروابارينا، وتكسيما أنيبارو من إقليم الباسك؛ لكن فريقنا الآن لا يضم سوى لاعبين اثنين فقط من الباسك، وهما روبرتو أولابي وأنايتز أربيلا. هذا الأمر يهمني كثيراً؛ لكن لحسن الحظ فإن المدير الفني للفريق، خوسيه لويس مينديلبار، من إقليم الباسك، ويناسب طريقة عمل النادي تماماً، فهو قائد ويساعد الجميع من حوله».
ويتابع: «إنني أشعر أيضاً بأن (حمى إيبار)، إن جاز التعبير، آخذة في التراجع، فبعدما رأى الجمهور ليونيل ميسي هنا سبع مرات، ورأى سيرخيو راموس سبع مرات، وكوكي سبع مرات، قد يتساءل عن جدوى شرائه لتذكرة لحضور المباريات بعد الآن؛ خصوصاً بعدما شاهد عديداً من المباريات السابقة أمام أندية مثل أتلتيكو مدريد وريال مدريد وبرشلونة وإشبيلية وريال سوسيداد وأتلتيك بلباو. هناك نوع من الراحة يمكنك أن تشعر به».
وتتمثل معجزة إيبار في أنها لم تعد تبدو وكأنها معجزة بعد الآن. ويوم الثلاثاء الماضي كان هناك سبب كافٍ للاحتفال بعد التعادل مع برشلونة على ملعب «كامب نو» بهدف لكل فريق، على الرغم من أن هذه المباريات أمام الأندية الكبرى باتت طبيعية بالنسبة لنادي إيبار. يقول غاراغارزا: «يعرف الناس أن البقاء في الدوري الإسباني الممتاز يعد نجاحاً ويقدرون ذلك، على الرغم من أن ذلك بات أمراً معتاداً».
ويختتم المدير الرياضي لإيبار حديثه قائلاً: «إننا نبني تاريخاً كبيراً، ونطور البنية التحتية، ونضع أسساً تسير عليها الأجيال القادمة، ونطور كرة أكاديمية الناشئين، كما نطور كرة القدم للسيدات، والاستاد، وملعب التدريب، ونزيد شعور الجماهير بالانتماء للنادي. وسوف ندرك ما يفعله إيبار في الوقت الحالي، إذا لم نعد نحقق هذه النجاحات مرة أخرى».



بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
TT

بعد فرارها من «طالبان»... أفغانية سترقص مع فريق اللاجئين في «أولمبياد باريس»

 الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)
الافغانية مانيزها تالاش في فريق اللاجئين في اولمبياد باريس (حسابها الشخصي-انستغرام)

حققت الأفغانية مانيزها تالاش حلمها بالأداء خلال مسابقات «أولمبياد باريس 2024» المقامة في العاصمة الفرنسية، ضمن فريق اللاجئين، بعد هروبها من قبضة «طالبان».

وترقص تالاش (21 عاماً) «بريك دانس»، وكانت أول راقصة معروفة في موطنها الأصلي (أفغانستان)، لكنها فرَّت من البلاد بعد عودة «طالبان» إلى السلطة في عام 2021. ومع ظهور رقص «البريك دانس» لأول مرة في الألعاب الأولمبية في باريس، ستصعد تالاش إلى المسرح العالمي لتؤدي ما هي شغوفة به.

وتقول تالاش في مقابلة أُجريت معها باللغة الإسبانية: «أنا أفعل ذلك من أجلي، من أجل حياتي. أفعل ذلك للتعبير عن نفسي، ولأنسى كل ما يحدث إذا كنت بحاجة إلى ذلك»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

ترقص تالاش «بريك دانس» وهي في عمر السابعة عشرة (حسابها الشخصي - إنستغرام)

شبح «طالبان»

يرفض العديد من الأفغان المحافظين الرقص، وفكرة مشاركة النساء محظورة بشكل خاص. وفي ظل حكم «طالبان»، مُنعت النساء الأفغانيات فعلياً من ممارسة العديد من الأنشطة الرياضية. منذ عودة الجماعة إلى السلطة قبل 3 سنوات، أغلقت الحكومة مدارس البنات، وقمعت التعبير الثقافي والفني، وفرضت قيوداً على السفر على النساء، وحدَّت من وصولهن إلى المتنزهات وصالات الألعاب الرياضية.

مقاتل من «طالبان» يحرس نساء خلال تلقي الحصص الغذائية التي توزعها مجموعة مساعدات إنسانية في كابل (أ.ب)

وقال تقرير للأمم المتحدة عن حقوق الإنسان هذا العام إن «عدم احترام (طالبان) للحقوق الأساسية للنساء والفتيات لا مثيل له في العالم». منذ اليوم الذي بدأت فيه تالاش الرقص، قبل 4 سنوات، واجهت العديد من الانتقادات والتهديدات من أفراد المجتمع والجيران وبعض أفراد الأسرة. وقالت إنها علمت بأنها إذا أرادت الاستمرار في الرقص، فليس لديها خيار إلا الهروب، وقالت: «كنت بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة».

فريق اللاجئين

سيضم الفريق الذي ظهر لأول مرة في ألعاب «ريو دي جانيرو 2016»، هذا العام، 36 رياضياً من 11 دولة مختلفة، 5 منهم في الأصل من أفغانستان. وسيتنافسون تحت عَلَم خاص يحتوي على شعار بقلب محاط بأسهم، للإشارة إلى «التجربة المشتركة لرحلاتهم»، وستبدأ الأولمبياد من 26 يوليو (تموز) الحالي إلى 11 أغسطس (آب). بالنسبة لتالاش، التي هاجرت إلى إسبانيا، تمثل هذه الألعاب الأولمبية فرصة للرقص بحرية، لتكون بمثابة رمز الأمل للفتيات والنساء في أفغانستان، ولإرسال رسالة أوسع إلى بقية العالم.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

وفي فبراير (شباط) الماضي، تدخلت صديقة أميركية لتالاش، تُدعي جواركو، بالتقديم إلى عناوين البريد الإلكتروني الأولمبي لمشاركة الفتاة الأفغانية، وفي اليوم التالي، تلقت رداً واحداً من مدير فريق اللاجئين الأولمبي، غونزالو باريو. وكان قد تم إعداد فريق اللاجئين المتوجّه إلى باريس، لكن المسؤولين الأولمبيين تأثروا بقصة تالاش وسارعوا إلى تنسيق الموارد. وافقت اللجنة الأولمبية الإسبانية على الإشراف على تدريبها، وكان المدربون في مدريد حريصين على التطوع بوقتهم.

وقال ديفيد فينتو، المدير الفني للمنتخب الإسباني: «شعرت بأنه يتعين علينا بذل كل ما في وسعنا. في شهر مارس (آذار)، حصلت تالاش على منحة دراسية، مما سمح لها بالانتقال إلى مدريد والتركيز على الاستراحة. وبعد بضعة أسابيع فقط، وصلت الأخبار بأنها ستتنافس في الألعاب الأولمبية». يتذكر جواركو: «لقد انفجرت في البكاء، وكانت تبتسم».

وقالت تالاش: "كنت أبكي بدموع الفرح والخوف".وجزء من مهمة الألعاب الأولمبية المعلنة هو "دعم تعزيز المرأة في الرياضة على جميع المستويات" وتشجيع "مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة". ولهذا السبب، كانت العلاقة بين الحركة الأولمبية وأفغانستان مشحونة منذ فترة طويلة. وقامت اللجنة الأولمبية الدولية بتعليق عمل اللجنة الأولمبية في البلاد في عام 1999، وتم منع أفغانستان من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية في سيدني.

شغفها حقق هدفها

لم يغِب عن تالاش أن موسيقى «البريك» و«الهيب هوب»، المحظورة في موطنها، أعطتها هدفاً لحياتها، وساعدت أيضاً في إنقاذ عائلتها. وقالت: «هذا أكبر بكثير من أي حلم حلمت به من قبل أو حتى يمكن أن أفكر فيه»، مضيفة: «إذا قالت (طالبان) إنها ستغادر في الصباح، فسوف أعود إلى منزلي بعد الظهر».

ويحكي جواد سيزداه، صديق تالاش وزعيم مجتمع «الهيب هوب» في كابل: «إذا سألت الأجانب عن أفغانستان، فإن الشيء الوحيد الذي يتخيلونه هو الحرب والبنادق والمباني القديمة. لكن لا، أفغانستان ليست كذلك». وأضاف: «أفغانستان هي تالاش التي لا تنكسر. أفغانستان هي التي أقدم فيها بموسيقى الراب، ليست الحرب في أفغانستان وحدها».

وعندما كانت تالاش في السابعة عشرة من عمرها، عثرت على مقطع فيديو على «فيسبوك» لشاب يرقص «بريك دانس» ويدور على رأسه، في مشهد لم يسبق لها أن رأت شيئاً مثله. وقالت: «في البداية، اعتقدت أنه من غير القانوني القيام بهذا النوع من الأشياء». ثم بدأت تالاش بمشاهدة المزيد من مقاطع الفيديو، وأصابها الذهول من قلة الراقصات. وأوضحت: «قلتُ على الفور: سأفعل ذلك. أنا سوف أتعلم».

وقامت بالتواصل مع الشاب الموجود في الفيديو (صديقها سيزداه) الذي شجعها على زيارة النادي المحلي الذي تدرب فيه، والذي كانت لديه محاولة لتنمية مجتمع «الهيب هوب» في كابل، ولجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لدعوة جميع الأعمار والأجناس للرقص وموسيقى الراب. كان هناك 55 فتى يتدربون هناك. كانت تالاش الفتاة الأولى.

وقال سيزداه (25 عاماً): «إذا رقص صبي، فهذا أمر سيئ في أفغانستان وكابل. وعندما ترقص فتاة، يكون الأمر أسوأ. إنه أمر خطير جداً. رقص الفتاة أمر غير مقبول في هذا المجتمع. لا توجد إمكانية لذلك.

انتقلت إلى العيش في إسبانيا بعد هروبها من موطنها الأصلي (حسابها الشخصي - إنستغرام)

كنا نحاول أن نجعل الأمر طبيعياً، لكنه كان صعباً للغاية. لا يمكننا أن نفعل ذلك في الشارع. لا يمكننا أن نفعل ذلك، كما تعلمون، في مكان عام»، وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».

كانت تالاش أول فتاة تنضم إلى نادي الرقص «Superiors Crew» في كابل.

تهديدات بالقتل

بعد استيلاء «طالبان» على السلطة، فرَّ أعضاء النادي إلى باكستان. وفي أحد الأحداث الجماعية الأولى للفريق في النادي الصغير، انفجرت سيارة مفخخة في مكان قريب. ووقعت إصابات في الشارع، لكن الراقصين بالداخل لم يُصابوا بأذى. ومع انتشار أخبار بأن تالاش كانت ترقص، بدأت تتلقى تهديدات بالقتل.

مقاتل من «طالبان» يقف في الحراسة بينما تمر امرأة في العاصمة كابل يوم 26 ديسمبر 2022... وشجب مفوض حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة القيود المزدادة على حقوق المرأة بأفغانستان (أ.ب)

كان من المفترض أن يكون النادي مكاناً آمناً، ولكن في أحد الأيام دخل رجل مدعياً أنه راقص يريد التعلم. وبدا مريباً لباقي الأعضاء، ووفقاً لتالاش وسيزداه، سرعان ما داهمت قوات إنفاذ القانون النادي، وألقت القبض على الرجل الذي كان يحمل قنبلة. قال سيزده: «إنهم قالوا إنه عضو في (داعش). لقد أراد فقط أن يفجِّر نفسه».

رحلة الهروب للنجاة!

وبعد بضعة أشهر من الواقعة، غادرت قوات «حلف شمال الأطلسي» والجيش الأميركي أفغانستان، وعادت «طالبان» إلى السلطة في 2021، وقال سيزداه إن مالك العقار اتصل به وحذره من العودة، وإن الناس كانوا يبحثون عن أعضاء الفريق، وقال سيزداه: «هناك أسباب كثيرة» للمغادرة. «الأول هو إنقاذ حياتك».

وقام العشرات من أعضاء نادي «الهيب هوب» بتجميع ما في وسعهم وتحميلهم في 3 سيارات متجهة إلى باكستان. أخذت تالاش شقيقها البالغ من العمر 12 عاماً، وودعت والدتها وأختها الصغرى وأخاً آخر.

وقالت تالاش: «لم أكن خائفة، لكنني أدركت أنني بحاجة إلى المغادرة وعدم العودة. كان هذا مهماً بالنسبة لي. لم أغادر قط لأنني كنت خائفة من (طالبان)، أو لأنني لم أتمكن من العيش في أفغانستان، بل لأفعل شيئاً، لأظهر للنساء أننا قادرون على القيام بذلك؛ أنه ممكن». اضطرت تالاش إلى ترك والدتها في أفغانستان، وتحقق الحلم الأولمبي ولم شمل الأسرة.

لمدة عام تقريباً، عاشوا بشكل غير قانوني في باكستان دون جوازات سفر وأمل متضائل. لم يشعروا بالأمان في الأماكن العامة، لذلك قضى 22 شخصاً معظم اليوم محشورين معاً في شقة. لم يكن هناك تدريب أو رقص. تلقت تالاش كلمة مفادها أن مسؤولي «طالبان» اتصلوا بوالدتها في كابل للاستفسار عن مكان وجود الفتاة الصغيرة. وقالت: «أحياناً أتمنى أن أنسى كل ذلك»، ثم تواصل أعضاء نادي «الهيب هوب» مع السفارات ومجموعات المناصرة والمنظمات غير الحكومية للحصول على المساعدة. وأخيراً، وبمساعدة منظمة إسبانية للاجئين تدعى People HELP، تم منحهم حق اللجوء في إسبانيا.

انقسم الفريق، وتم نقل تالاش وشقيقها إلى هويسكا، وهي بلدة صغيرة في شمال شرقي إسبانيا. كانت لديها وظيفة تنظيف في صالون محلي، ورغم عدم وجود استوديو أو نادٍ مخصص للاستراحة، فقد وجدت صالة ألعاب رياضية تسمح لها بالرقص بعد ساعات العمل. بعد سنوات من الانفصال، تم لم شمل تالاش وعائلتها أخيراً حيث يعيشون الآن في نزل للاجئين بمدريد.