تحرك أميركي جديد لدفع مفاوضات «سد النهضة»

وزير الخزانة زار القاهرة والخرطوم لبحث الوصول إلى اتفاق

الرئيس السيسي خلال استقباله منوتشين في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
الرئيس السيسي خلال استقباله منوتشين في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
TT

تحرك أميركي جديد لدفع مفاوضات «سد النهضة»

الرئيس السيسي خلال استقباله منوتشين في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)
الرئيس السيسي خلال استقباله منوتشين في القاهرة أمس (الرئاسة المصرية)

بدأت الإدارة الأميركية تحركاً جديداً لدفع مفاوضات «سد النهضة»، بين مصر وإثيوبيا والسودان؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي، ينظم عملية ملء وتشغيل السد، ويبدد مخاوف دولتي مصب نهر النيل. وأجرى وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوتشين، زيارتين إلى القاهرة والخرطوم على التوالي، يومي الثلاثاء والأربعاء، على رأس وفد رفيع، ناقش خلالها الموقف الراهن إزاء المفاوضات وسبل حل الخلافات.
وتنخرط الولايات المتحدة في المفاوضات الثلاثية بشكل مباشر، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وسبق أن تولى منوتشين نفسه رعاية جولة مفاوضات، جرت في واشنطن مطلع العام الماضي، بمشاركة البنك الدولي، وانتهت إلى التوصل إلى وثيقة واشنطن، التي وقّعتها مصر في فبراير (شباط) الماضي، لكن رفضتها إثيوبيا. كما تشارك واشنطن في المفاوضات الراهنة، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي، منذ يوليو (تموز) الماضي، عبر مراقبين.
وخلال زيارته القاهرة، التي بدأت مساء أول من أمس، وحتى صباح أمس (الأربعاء)، أجرى وزير الخزانة الأميركي، عدداً من اللقاءات مع مسؤولين مصريين، شملت الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووزراء الخارجية والمالية والري، حيث ناقش الجهود الجارية لتسهيل التوصل إلى اتفاق بشأن السد الإثيوبي.
وبحسب المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، فإن الرئيس السيسي أعرب عن تقدير جهود الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترمب، في هذه القضية، والانخراط الشخصي لمنوتشين في الجولات المتعاقبة من المفاوضات الثلاثية المكثفة، التي أجريت في واشنطن مطلع العام الماضي.
ونقل البيان المصري عن وزير الخزانة الأميركي إشادته بـ«الموضوعية والروح الإيجابية التي أبدتها مصر خلال جلسات تلك المفاوضات». وأكد منوتشين تثمين بلاده للعلاقات الاستراتيجية مع مصر، في ضوء الثقل السياسي، الذي تتمتع به مصر في محيطها الإقليمي، بما يساهم في تحقيق التوازن بالمنطقة.
بدروه، أكد السيسي حرص مصر على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، في إطار علاقات الشراكة الاستراتيجية الممتدة بين البلدين، والدور الحيوي لتلك الشراكة في تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط.
وفي إطار زيارته القاهرة، استقبل محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية المصري، منوتشين، وأعرب عبد العاطي عن تطلعه لمزيد من التعاون المشترك بين البلدين، بما ينعكس إيجابياً على خدمة الأهداف التنموية المرجوة.
كما أوضح عبد العاطي، أنه «استعرض مع وزير الخزانة الأميركي الموقف الراهن إزاء المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، ورغبة مصر الواضحة في استكمال المفاوضات، مع التأكيد على ثوابت مصر في حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق حول سد النهضة، والتأكيد على السعي للتوصل لاتفاق قانوني عادل، وملزم للجميع يلبي طموحات جميع الدول في التنمية».
ومن المقرر استئناف المفاوضات الثلاثية الأحد المقبل، حيث يقدم خبراء من الدول الثلاث مواقف وخلافات محددة. ويترأس المفاوضات وزير التعاون الدولي بجنوب أفريقيا، بوصفها رئيس الاتحاد الأفريقي.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا المفتي «سيقدم الخبراء مواقف مشتركة للأطراف الثلاثة، والخلافات في الاجتماع الذي سيعقد يوم الأحد».
وتقيم أديس أبابا السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل، لكن القاهرة والخرطوم تخشيان من تأثيره على حصتيهما من مياه النيل. وتخوض الدول الثلاث مفاوضات شاقة ومتعثرة، منذ نحو 10 سنوات، للتوافق على آليات تشغيل وملء السد. لكن رغم مرور هذه السنوات أخفقت في الوصول إلى اتفاق.
ووفق الخبير في الشؤون الأفريقي، الدكتور هاني رسلان، فإن زيارة منوتشين تعد بمثابة «رسالة إلى الطرف الإثيوبي بأن موقفه داخل المفاوضات يظل غير مقبول، وأنه من غير المسموح، أميركياً، لإثيوبيا دفع المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار، بسبب نزوع غير سوي نحو الهيمنة والتوسع».
ورغم الرحيل المنتظر للإدارة الأميركية الحالية، والحديث عن تبدل المواقف، فإن رسلان يعول على «الاستمرارية في السياسات الأميركية، وأن الخلاف بين إدارة وأخرى لا يتناول الأهداف والاستراتيجيات الأساسية».
وضمن جولته، زار وزير الخزانة الأميركي، أمس، الخرطوم؛ وذلك في إطار تطور العلاقات بين السودان والولايات المتحدة، خاصة بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستعادة السودان وضعه السيادي بالولايات المتحدة؛ مما يحصنه من جميع الدعاوى المستقبلية أمام المحاكم الأميركية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.