مرحلة سياسية جديدة في لبنان بعد القمة الخليجية

TT

مرحلة سياسية جديدة في لبنان بعد القمة الخليجية

يقف لبنان مع انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي والقرارات التاريخية التي صدرت عنها أمام مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة السابقة التي ارتفع فيها منسوب التأزم الذي لا يزال يحاصر تشكيل الحكومة الجديدة ويعيق ولادتها، ولا يعود السبب لوجود الرئيس المكلّف بتشكيلها سعد الحريري خارج البلاد في إجازة عائلية يُفترض أن يعاود نشاطه في أي لحظة، وإنما إلى صموده في وجه الشروط التي يضعها رئيس الجمهورية ميشال عون والتي يتعامل معها على أنها تطيح بالإطار العام للمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذ لبنان.
فالحريري باقٍ على موقفه ولن يخضع - كما تقول مصادر سياسية - لحملات التهويل والابتزاز التي يراد منها تشكيل حكومة بأي ثمن استجابة لجدول أعمال عون الذي يراد منه إعادة تعويم وريثه السياسي جبران باسيل بدلاً من أن يعطي الأولوية لإنقاذ البلد وإخراجه من قعر الهاوية في وقت تستمر حكومة تصريف الأعمال في التخبُّط في مكافحة وباء فيروس «كورونا» في ضوء تزايد أعداد المصابين بشكل ملحوظ من خلال تمدّده إلى معظم المناطق اللبنانية.
وتلفت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحريري سيتعامل بإيجابية وانفتاح مع الشق اللبناني الذي أُدرج في صلب المقررات الصادرة عن القمة الخليجية، وتؤكد بأنه سيتشدد الآن وصاعدا، وكما كان في السابق قبل انعقادها، في موقفه حيال تشكيل الحكومة، وتعزو السبب إلى أن لا مصلحة للبنان في أن يتموضع في محور كما هو حاله الآن والذي تسبب في إقحام نفسه في اشتباك سياسي لمصلحة من يريد جرّه إلى صدام مع الدول العربية.
وتسأل المصادر نفسها عن موقف عون من مقررات القمة الخليجية؟ وهل يكفيه الترحيب بها على غرار ما فعله وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة؟ أم أنه سيبادر إلى مراجعة حساباته باتجاه فتح صفحة جديدة مع دول الخليج العربي؟ خصوصاً أنه هو من ابتعد عنها من خلال انحياز وزير الخارجية السابق جبران باسيل إلى محور «الممانعة» في الشق المتعلق بالسياسة الخارجية للبنان بدلاً من أن ينأى به بعيداً عن سياسة المحاور بخلاف البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية التي شغل فيها وزارة الخارجية والتي نصت على عدم إقحام البلد في الصراعات المشتعلة في المنطقة.
وتؤكد أن وهبة لا يتحمل الأعباء السياسية وأكلافها المترتبة على ابتعاد لبنان عن الحاضنة العربية، وتعزو السبب إلى أنه يسير على خطى باسيل الذي كان وراء طرح اسمه لخلافة الوزير المستقيل ناصيف حتى بعد أن اصطدم بمجموعة من العراقيل التي حالت دون إعادة ترتيبه لعلاقات لبنان العربية، وإلا لم يكن مضطراً للقول بأن ما صدر عن قائد سلاح الجو في «الحرس الثوري» الإيراني لا يلزم الحكومة الإيرانية بدلاً من أن يسارع إلى الطلب من الخارجية الإيرانية توضيح موقفها.
وترى هذه المصادر أن موقف وهبة حيال الصواريخ الإيرانية لا يُصرف سياسيا لدى الدول العربية والمجتمع الدولي، وكان في غنى عن إصداره والذي جاء في أعقاب صدور البيان الختامي للقمة الخليجية، وتقول إن وزير الخارجية المستقيل زاد من إحراج عون لما حملته تغريدته من غموض بدلاً من أن يبادر إلى تحديد موقف واضح يقفل الباب أمام تصاعد السجالات التي انطوت على انتقاد مباشر له وقادتها أطراف كانت تنتمي سابقاً إلى قوى 14 آذار التي التقت على موقف موحد من دون أن تجتمع.
وتدعو عون للخروج من دائرة المكابرة والإنكار والتعاطي بإيجابية مع مقررات القمة الخليجية باعتبار أنها توفّر له الفرصة للتصالح مع الدول الأعضاء فيها والتي لا تتحمل مسؤولية حيال تفاقم الأزمات في لبنان الذي ابتعد رسمياً عنها وانخرط في محور «الممانعة» بقيادة إيران وبات لا يملك من الأوراق للتصالح مع المجتمع الدولي بعد أن وضعها بطريقة غير مباشرة في السلة الإيرانية، وبالتالي لم يعد له من حليف سوى «حزب الله».
وتؤكد المصادر أن القمة الخليجية أعادت الاصطفاف العربي إلى ما كان عليه بعد أن توّجت أعمالها بتحقيق مصالحة تاريخية بين الدول الأعضاء فيها ومهّدت الطريق أمام توحيد جدول أعمالها بدءاً من مواجهة التمدُّد الإيراني باتجاه الدول العربية لزعزعة استقرارها ومروراً بأذرع طهران في المنطقة.
وتقول هذه المصادر إن القمة الخليجية على موقفها الثابت من لبنان ولن تعيد النظر فيه وتنطلق من الحفاظ على أمنه واستقراره، وتؤكد أن الكرة الآن في مرمى عون وحده لأن الحريري يقف ولا يزال على نقيض توجّهاته وأن رؤيته حيال تشكيل الحكومة لن تتبدّل وهو يقاتل الآن لانتزاع موافقة عون عليها، خصوصاً أنها تأتي مطابقة للثوابت التي تضمّنها بيان القمة الختامي، ومن قبل لشروط ماكرون لإنقاذ لبنان، وبالتالي فإن الخلاف بين عون والحريري يبقى محصوراً أولاً وأخيراً بالخيارات السياسية للحكومة العتيدة.
وتعتبر أن القمة الخليجية توافقت على خطة سياسية متكاملة بغية إرساء الأسس في تعاملها مع انتقال السلطة في الإدارة الأميركية من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب إلى خلفه جو بايدن، وتسأل أين الاستعدادات اللبنانية لمواجهة هذه المرحلة؟ وما الفائدة من ترحيل تشكيل الحكومة لأغراض خارجية وتحديداً إيرانية بدلاً من الإسراع بتأليفها للإفادة من دول الخليج التي لم تبتعد يوماً عن لبنان والذي ابتعد عنها بقرار من التيار السياسي المحسوب على عون والمتحالف مع «حزب الله».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.