احتياطي «المركزي» لتمويل دعم المواد الأساسية ينفد بعد شهرين

تفاوت التقديرات بحجم الأموال المتبقية بين أرقام الحكومة وأرقام «مصرف لبنان»

TT
20

احتياطي «المركزي» لتمويل دعم المواد الأساسية ينفد بعد شهرين

حجب الانشغال الحكومي باشتداد تفشي وباء «كورونا» وشؤون الاستشفاء واللقاحات المتصلة به جزئيا ملف دعم تمويل السلع الأساسية الذي لا يقل سخونة في معطياته وفي تداعياته على الأمن الغذائي والمعيشي، وخصوصا مع قرب الاضطرار إلى اعتماد آليات جديدة تكفل إعادة توزيع الدعم المتاح بما يتناسب مع نفاد الاحتياطيات القابلة للاستخدام بالدولار لدى مصرف لبنان المركزي.
وتطالب القوى السياسية بترشيد الدعم في ظل الأزمتين المالية والمعيشية اللتين يرزح تحتهما لبنان، وظهرت اقتراحات سياسية عديدة تسعى لتمديد فترة الدعم عبر حجبه عند بعض السلع والإبقاء عليه على سلع أخرى ضرورية، علما بأن «المصرف المركزي» يوفر الدولار لدعم المحروقات والأدوية والطحين وسلع غذائية أساسية.
وإذ تكشف البيانات المالية التي وثقتها وزارة المال أن مبالغ تمويل السلع المدعومة بالسعر الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة وبسعر منصة البنك المركزي البالغ 3900 ليرة لكل دولار ناهزت 5 مليارات دولار في العام الماضي، فإن رقم الاحتياطي المتبقي لا يزال أشبه باللغز بين تقديرات حكومية بنزوله تحت عتبة المليار دولار، وبين تقدير حديث لحاكم المركزي رياض سلامة بأنه يقارب المليارين.
وفي الحالتين، تشير مصادر اقتصادية متابعة إلى أن المتوسط الشهري لتغطية تمويل السلع المدعومة يراوح بين 500 و600 مليون دولار. وهذا يعني تلقائيا أن الاحتياطي يكفي بين شهرين كحد أدنى وأربعة أشهر كحد أقصى وفق الآلية المعتمدة حاليا، والقائمة على تمويل استيراد المحروقات والدواء والقمح بنسبة 85 في المائة بالسعر الرسمي، وتمويل استيراد سلة سلع غذائية ومواد أولية أساسية بالنسبة عينها بسعر المنصة.
وبحسب أحدث البيانات المالية التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» هبط إجمالي احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي إلى نحو 24 مليار دولار في نهاية العام 2020، وهو يتضمن قيداً «حسابياً» يبلغ 5 مليارات دولار كسندات دين دولية. مما يعني أن الصافي يبلغ فعليا نحو 19 مليار دولار، بينما تبلغ ودائع الزبائن بالدولار في المصارف نحو 110 مليارات دولار، أي أن الاحتياطيات العائدة لهذه الودائع تناهز 16.5 مليار دولار.
ومع تعذر عقد اجتماعات دستورية لمجلس الوزراء تبعا لتحول الحكومة إلى مهام «تصريف الأعمال» بعد استقالتها عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) من العام الماضي، يتأخر حسم إقرار الاقتراحات البديلة لإطالة أمد الدعم والاحتواء المبكر لانفجار أزمة معيشية عاتية عند بلوغ استحقاق نفاد الاحتياطيات القابلة للاستخدام. ويتصدر هذه الاقتراحات منح بطاقات تمويل لنحو 500 ألف أسرة تحصل بموجبها على مبلغ شهري يوازي 400 دولار أميركي، أي نحو 2.4 مليار دولار سنويا، وبحيث يطال الدعم 60 في المائة من الأسر اللبنانية على أساس لوائح واضحة تبرز الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة من خلال خلق منصة لقاعدة بيانات مشتركة بين مختلف الإدارات الرسمية.
ويرصد المعنيون الخيار الذي سيجري اعتماده والمسارات التنفيذية لحصيلة الاقتراحات التي توصلت إليها اللجان الوزارية المختصة، والتي عقدت اجتماعات مطولة برئاسة رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب قبيل نهاية العام الماضي، وخلصت، بحسب معلومات توفرت لـ«الشرق الأوسط»، إلى قناعة مشتركة مفادها أن «إعادة النظر بسياسة الدعم قضية محورية وأولوية وهاجس وطني ومطلب خارجي من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة، بسبب تبعاتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والأمنية، إضافة إلى تبعاتها المباشرة على المالية العامة وعلى احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية».
وعلم أن وزارة المال تقترح إلغاء الدعم عن عدد كبير من السلع لأنها أظهرت عدم جدواها واستفاد منها عدد من كبار التجار والمستوردين، وذلك بالترافق مع إقرار مجموعة إجراءات بديلة لإعادة توزيع الشريحة الأكبر من الدعم التمويلي للمحروقات إلى جانب اعتماد البطاقة التمويلية المدعومة. ولحظت، في هذا النطاق، ضرورة رفع الدعم تدريجياً عن مادة البنزين مع دراسة إمكانية إعطاء تعويض لسيارات التاكسي وحافلات نقل الركاب الصغيرة بهدف لجم ارتفاع تكلفة النقل، والإبقاء على دعم مادة المازوت «مقابل مكافحة التهريب الحدودي والتخزين والتلاعب بالأسعار وتوجيهه لمستحقيه وليس للمهربين». وبالتوازي رفع التعريفة في فواتير الكهرباء وفق الشرائح حيث تذهب صعوداً مع زيادة الاستهلاك وتضمن عدم المس بالطبقة الفقيرة والمحتاجة.
في المقابل، وتحت الضغوط الشديدة الناجمة عن أولوية مكافحة الوباء، يتخوف مصرفيون ومسؤولون ماليون من تحول دراماتيكي تظلله لاحقا قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، وينتج عن ضبابية تأمين التمويل في الفترة المقبلة سواء ضمن المنهجية القائمة أو المعدلة، وخصوصا بعد التمادي في تأخير إعلان وإقرار الآليات البديلة التي عملت على صوغها الوزارات المعنية وفي مقدمتها إصدار بطاقات دعم نقدي لصالح أصحاب المداخيل المتدنية وتعوض جزءا من فوارق الأسعار المرتقبة بعد تخفيف الدعم أو رفعه نهائيا عن السلع الاستراتيجية والأساسية.
وتكمن الهواجس بإمكانية الاضطرار إلى استخدام جزء من الاحتياطيات الإلزامية للمصارف لدى البنك المركزي، مما سيشرع الأبواب أمام استسهال الحلول «المؤقتة» اعتمادا على ما تبقى من احتياطيات الودائع بالدولار لدى الجهاز المصرفي. وهو ما قد يثير قلقا إضافيا لدى المودعين في البنوك، باعتبار أن لكل وديعة نسبة 15 في المائة من قيمتها محفوظة لدى مصرف لبنان كاحتياطي إلزامي.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.