مصر لتوحيد مواقفها مع السودان بمواجهة «التعنت الإثيوبي»

رئيس المخابرات العامة قام بزيارة خاطفة إلى الخرطوم

مصر لتوحيد مواقفها مع السودان بمواجهة «التعنت الإثيوبي»
TT

مصر لتوحيد مواقفها مع السودان بمواجهة «التعنت الإثيوبي»

مصر لتوحيد مواقفها مع السودان بمواجهة «التعنت الإثيوبي»

تسعى القاهرة لتوحيد موقفها مع الخرطوم، خلال مفاوضات «سد النهضة»، في مواجهة أديس أبابا، في ظل التعثر المستمر للمحادثات، التي تجري برعاية الاتحاد الأفريقي.
وأوفد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، إلى الخرطوم، مساء أول من أمس، في زيارة خاطفة، أعقبت إعلان السودان رفضه حضور اجتماع (الاثنين).
ووفق تصريح مصري، فإن لقاءات رئيس المخابرات العامة بالخرطوم تناولت مستجدات ملف سد النهضة الإثيوبي، وملفات التعاون الثنائي بين مصر والسودان في مختلف المجالات والتطورات الإقليمية.
والتقى كامل بكل من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع، والدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، والفريق أول ركن جمال عبد المجيد المدير العام لجهاز المخابرات العامة لجمهورية السودان. وأكد رئيس المخابرات المصرية، حرص بلاده «المطلق على مواصلة دعمها للسودان الشقيق في المجالات كافة».
وكان من المقرر عقد جولة مفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، بداية من الاثنين، وتمتد لمدة أسبوع، بحضور المراقبين والخبراء المعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي، بهدف التباحث حول نقاط التوافق والنقاط الخلافية في اتفاق «سد النهضة»، على أن يتم في نهاية هذا الأسبوع، عقد اجتماع سداسي لوزراء الخارجية والمياه بالدول الثلاث، برئاسة دولة جنوب أفريقيا (رئيسة الاتحاد الأفريقي)، للنظر في مخرجات جولة المفاوضات الثلاثية، إلا أن غياب السودان عن الاجتماع تسبب في تعثر جديد للمسار التفاوضي.
وقالت وزارة الموارد المائية المصرية، إن إثيوبيا قامت بإرسال دعوة لعقد الاجتماع، وشارك فيه وزراء المياه من مصر وإثيوبيا والوفود الفنية والقانونية من الدولتين والمراقبين والخبراء المعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي، ولم تُشارك دولة السودان، وعليه تم إنهاء الاجتماع.
واتفقت مصر وإثيوبيا، وفق البيان المصري، على رفع الأمر لوزيرة العلاقات الدولية بدولة جنوب أفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بحيث يتم بحث الخطوات المستقبلية خلال الاجتماع السداسي الوزاري، المقرر عقده يوم 10 يناير (كانون الثاني) الجاري.
وكان السودان أعلن تحفظه على المشاركة، مطالباً بعقد اجتماعات ثنائية لكل دولة مع خبراء الاتحاد الأفريقي والمراقبين، بدلاً من مواصلة التفاوض الثلاثي المباشر، في إطار موقفه بضرورة إعطاء دور لخبراء الاتحاد الأفريقي لتسهيل التفاوض والتقريب بين الأطراف الثلاثة.
ووفق عضو البرلمان المصري، مصطفى بكري، فإن رئيس جهاز المخابرات المصرية، ناقش مع الفريق أول البرهان «توحيد المواقف في مواجهة التعنت الإثيوبي وبما يحقق الالتزام بالتفاهمات السابقة». وتقييم أديس أبابا السد على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى القاهرة والخرطوم تأثيره على حصتيهما من مياه النيل. وتخوض الدول الثلاث مفاوضات شاقة ومتعثرة، منذ نحو 10 سنوات، للتوافق على آليات تشغيل وملء السد، لكنها رغم مرور هذه السنوات أخفقت في الوصول إلى اتفاق. وطالب الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المصرية الأسبق، بتحرك ثنائي موحد لمصر والسودان، في القضية، متسائلاً في منشور على صفحته بـ«فيسبوك»، «كيف يكون التصرف المصري والسوداني بعد تأكدهم أن إثيوبيا لن توقع أي اتفاق ملزم، وما فائدة التحركات المنفردة لأي منهما وهما الدولتان المعرضتان لمخاطر السد الإثيوبي الوخيمة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.