عون يتجنب إحراج «حزب الله» لتعويم باسيل رئاسياً

الرئيس اللبناني ميشال عون يأمل في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع حلول العام الجديد (رويترز)
الرئيس اللبناني ميشال عون يأمل في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع حلول العام الجديد (رويترز)
TT

عون يتجنب إحراج «حزب الله» لتعويم باسيل رئاسياً

الرئيس اللبناني ميشال عون يأمل في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع حلول العام الجديد (رويترز)
الرئيس اللبناني ميشال عون يأمل في معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع حلول العام الجديد (رويترز)

لم تفاجأ القوى الرئيسة في المعارضة على اختلاف انتماءاتها السياسية بما حملته تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون، في رده على قول قائد سلاح الجو في «الحرس الثوري» الإيراني بأن القوة الصاروخية في لبنان وغزة هي في الخط الأمامي في مواجهة إسرائيل، وتعزو السبب إلى أنها بقيت في العموميات، وتحت سقف رفع العتب، وإلا لماذا أغفل الرد عليه مباشرة، وبالاسم، وببيان غير مقتضب، بدلاً من أن يستبدله بآخر باسم رئاسة الجمهورية من خلال مكتبه الإعلامي؟
وتؤكد مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس عون حرص في تغريدته على عدم المساس بتحالفه مع «حزب الله»، لأنه لم يعد له حليف سواه، وتقول بأنه لا يمكن تسويق تغريدته محلياً وعربياً ودولياً، والتعامل معها على أنها بمثابة احتجاج على تدخل إيران في الشأن الداخلي في لبنان.
وتسأل: هل يشفي عون في تغريدته غليل اللبنانيين الذين لم يرق لهم إصرار إيران على إقحام بلدهم في صراعات المحاور في المنطقة، وتقول: من هي الجهة غير المعلومة التي توجه إليها بقوله إن لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره؟ وتؤكد بأن المعارضة لا تطلب منه الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران على خلفية ما تناقلته وسائل الإعلام على لسان زاده، بمقدار ما أن المطلوب منه تسجيل موقف، وإلا كان في غنى عن حصر رده في تغريدة لن تقدم أو تؤخر في إقناع السواد الأعظم من اللبنانيين.
كما تسأل: لماذا غيب عون في تغريدته عن أن لا شراكة في حفظ استقرار لبنان ذكر دور القوى الأمنية، على رأسها الجيش في هذا المجال، وهل كان مضطراً لعدم استحضار مشروع الدولة، تحديداً في الجنوب، حيث إن «يونيفيل» تؤازر الوحدات العسكرية المنتشرة على امتداد مساحته لتطبيق القرار الدولي 1701، باعتبار أن وجود القوات الدولية فيه هو أكبر شاهد من المرجعية الأممية المتمثلة بالأمم المتحدة على حفظ استقراره وحماية سيادته في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن تغريدة عون تبقى في إطار مراعاة «حزب الله»، وعدم التفريط بما لديه من الاحتياط لإعادة تعويم وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وصولاً إلى تأهيله ليبقى في عداد المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية، وإن كان الأخير يلمح باستمرار إلى عزمه مراجعة ورقة التفاهم التي أبرمها حسن نصر الله مع العماد عون في فبراير (شباط) 2006 قبل انتخابه رئيساً للجمهورية.
وتؤكد أن باسيل يلوح بعزمه على مراجعة ورقة التفاهم لاستيعاب «شطحات» النائب في كتلته النيابية زياد أسود، ومعه عدد من الناشطين في انتقاداتهم لبعض مواقف الحزب في محاولة لاستيعابها لدرء الأخطار التي تهدد تحالفهما، وتقول بأن عون ووريثه السياسي ينظران إلى تشكيل الحكومة الجديدة من زاوية أن تأليفها يتصل مباشرة بمعركة رئاسة الجمهورية، هذا في حال أن الوضع المتأزم لم يتدحرج وصولاً إلى تهديد الكيان اللبناني الذي تنتفي معه المؤسسات الدستورية من الوجود.
وترى أن المشكلة التي تؤخر ولادة الحكومة تتجاوز توزيع الحقائب وعدد الوزراء إلى الإمساك بأوراق الضغط لتعويم باسيل رئاسياً، وتقول إن الرئيس المكلف سعد الحريري ليس بوارد التسليم بشروط عون بالنيابة عن وريثه السياسي، وبالتالي فإن العراقيل تختفي من الوجود إذا ما قرر التسليم بها.
وتعتقد المصادر أن التيار السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية، وبدعم منه، ليس في وارد التخلي عن تحالفه مع «حزب الله»، نظراً لحاجته الماسة إليه في معركة رئاسة الجمهورية، خصوصاً بعد أن شكل رأس حربة كان وراء تسهيل وصول عون إلى سدة الرئاسة الأولى بعد أن عطل وإياه الجلسات المخصصة لانتخاب الرئيس لأكثر من عامين ونصف العام، ولم يفرج عنها إلا بعد أن أيقن أن انتخابه أصبح مضموناً.
وتؤكد أن عون يحرص على عدم إقلاق «حزب الله»، أو التسبب بإحراجه إقليمياً ودولياً، في مقابل حرص الأخير على مراعاته إلى أقصى الحدود في الداخل، وهذا ما برز جلياً من خلال تعاطيه في أمور تتصل مباشرة بالحزب، وبسلاحه، وأولها مبادرته إلى ترحيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية للبنان، رغم أنه كان تعهد في خطاب القسم الذي ألقاه أمام البرلمان فور انتخابه رئيساً بدعوة الأطراف إلى طاولة الحوار للبحث في الاستراتيجية كبند أول على جدول أعماله.
وتسأل هذه المصادر لماذا تخلف عون عن تعهده بحسم الموقف من الاستراتيجية الدفاعية بالتزامن مع مبادرة من هم في فريقه السياسي إلى تبرير ترحيل البحث فيها، بذريعة أن بحثها يجب أن يأتي فور زوال الأطماع والمخاطر الإسرائيلية التي تهدد لبنان.
كما أن فريقه السياسي كان أول من أخذ على عاتقه الدفاع عن «سلاح المقاومة»، بذريعة أن هناك حاجة للمقاومة، لأن الجيش وحده لا يستطيع التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وهذا ما تبناه عون شخصياً بقوله وهو يستعد لزيارة القاهرة استكمالاً لجولته العربية التي بدأها في المملكة العربية السعودية بكلام مماثل ما تسبب له بإشكالات محلية سرعان ما تمددت إلى عدد من الدول العربية.
ناهيك أن لبنان يراعي سوريا و«حزب الله» في الوقت نفسه بعدم طرح مسألة ترسيم الحدود بين البلدين على بساط البحث، بعد أن قالت دمشق كلمتها بأنه لم يحن طرحها في هذه الظروف.
لذلك، فإن مواقف عون التي تمس مباشرة بمصالح حليفه «حزب الله» ليست خاضعة للتبديل والانقلاب عليها، خصوصاً وهو يستعد - كما تقول المصادر - لتعويم باسيل رئاسياً، وبالتالي فإن علاقته به محكومة بمعادلة تقوم على إرضائه محلياً وخارجياً بتوفير الغطاء السياسي لسلاحه في مقابل إطلاق يده في الشأن الداخلي، وإن كان يضطر، كما هو حاصل الآن، للتدخل لإعادة ترميم علاقة عون بحليفه الآخر رئيس المجلس النيابي نبيه بري.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.