قيادات يهودية تُضرب عن الطعام لشرعنة بؤر استيطانية

TT

قيادات يهودية تُضرب عن الطعام لشرعنة بؤر استيطانية

مع التقدم في المعركة الانتخابية وبغرض ابتزاز رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أعلنت مجموعة من القيادات المدنية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، فتح إضراب عن الطعام حتى تجتمع الحكومة وتقرر إضفاء الشرعية القانونية الإسرائيلية على البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.
وكشف قائد المجموعة، التي تطلق على نفسها اسم «الاستيطان الشاب»، آلياهو عطية، أن نتنياهو وعدهم بمنح الشرعية لنحو 50 بؤرة ولكنه نكث بالوعد. وقال: «لقد عرض علينا نص مشروع قرار بهذا الشأن وصدقناه. أما الآن، فقد يبدو أنه تراجع. ولم يطرح المشروع على جدول أبحاث الحكومة. ونحن لم نعد نكتفي بـ50 بؤرة. نريد إقرار 70 بؤرة. ولن نوقف الإضراب عن الطعام إلا إذا أصدرت الحكومة قرارها».
المعروف أن البؤر الاستيطانية هي المستوطنات العشوائية التي يقيمها المستوطنون من دون قرار حكومي. ومع أنها تعتبر مخالفة حتى للقانون الإسرائيلي، فإن حكومة نتنياهو تزودها بكثير من الخدمات اللوجستية الحيوية مثل شق الطرق وتوصيل التيار الكهربائي وخطوط المياه، فضلاً عن توفير الحماية العسكرية. ويستغل المستوطنون فترة الانتخابات لابتزاز السياسيين من مختلف أحزاب اليمين، التي تنسجم مواقفها معهم. فمنذ الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات وإجرائها في 23 مارس (آذار) المقبل، يقيمون خيمة اعتصام أمام مكتب رئيس الحكومة في القدس الغربية. وقد رفعوا درجة اعتصامهم أمس بالإضراب عن الطعام لمزيد من الضغط على نتنياهو، وبقية قادة اليمين.
وقد انتقد رئيس مجلس المستوطنات، ديفيد الحياني، نتنياهو على توجهه للحصول على أصوات الناخبين العرب في إسرائيل، على حساب الاستيطان.
وقال؛ نتنياهو لم يعد يتصرف كزعيم لليمين. فمن الواضح أنه عندما يتوجه للعرب يطلب أصواتهم ويعرض عليهم منصب وزير في حكومته، سيمتنع عن اتخاذ قرارات تغضبهم. وأخشى ما أخشاه أن يكون الغزل بينه وبين رئيس الحركة الإسلامية، النائب منصور عباس، مبنياً على صفقة سياسية على حساب مشروعنا الاستيطاني.
وتوجه الحياني إلى نتنياهو قائلاً: «أنت سارعت للسفر إلى أم الفحم في الأسبوع الماضي لكي تلتقط صورة مع المواطن رقم مليون، الذي تلقى اللقاح ضد (كورونا). واستغرقت رحلتكم إلى أم الفحم طول النهار، ولم تجد نصف ساعة من الوقت لالتقاء شبيبة الاستيطان المعتصمين أمام مكتبك.
وأنا أدعوك إلى الصحوة. هؤلاء هم قاعدتك الانتخابية الحقيقية وليس سكان أم الفحم. لا تخن ناخبيك من اليمين وتذهب إلى اليسار».
ومقابل اتهام نتنياهو بالانحراف إلى اليسار، كشفت مصادر سياسية أن رئيس حزب «كحول لفان» ووزير الأمن، بيني غانتس، يتجه إلى اليمين، وأنه يفحص إمكانية التحالف مع اتحاد أحزاب اليمين المتطرف «يمينا»، برئاسة نفتالي بينيت، وخوض انتخابات الكنيست في قائمة واحدة معه. وأشارت مصادر سياسية إلى أنه في خلفية تحالف محتمل كهذا تقف الأزمة داخل «يمينا»، بين بنيت وبين عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، لكون الأخير يطلب مناصفة في قائمة المرشحين. ويرفض بنيت ذلك، ويقترح عليه ربع الأماكن الأولى فقط. وأضافت المصادر أن بنيت لا ينفي إمكانية التحالف مع غانتس، لكنه يسعى إلى حل الخلافات مع سموتريتش أولاً، وفي حال لم ينجح بذلك فإن الطريق ستكون مفتوحة أمام تحالف مع غانتس، «الذي يجلب معه تمويل أحزاب بمبلغ 20 مليون شيكل تقريباً وخبرة عسكرية غنية».
لكن هذه المصادر أشارت في الوقت ذاته إلى أن حزب غانتس يعاني من انهيار كبير، ليس فقط في الاستطلاعات، بل إن أقرب المقربين إليه تركوه. وقد انضمت إلى موكب المغادرين لحزبه، أمس، وزيرة المساواة الاجتماعية ميراف كوهين التي أعلنت استقالتها وانضمت إلى حزب يوجد مستقبل، برئاسة يائير لبيد.
وقام لبيد، أمس، بتوقيع اتفاق فائض أصوات مع حزب اليهود الروس «يسرئيل بيتينو»، برئاسة أفيغدور ليبرمان، كبداية للتعاون بينهما في الجولة القادمة. ويعني اتفاق فائض الأصوات أن يتحول الحزبان إلى جسم واحد عند توزيع المقاعد بعد الانتخابات، بحيث لا تذهب الصوات الفائضة هباء.
ويتوقع الإعلان عن مزيد من الأحزاب الجديدة والتحالفات بين الأحزاب القائمة خلال الشهر، علماً بأن الموعد الأخير لتقديم القوائم الانتخابية حدد يوم 7 فبراير (شباط) المقبل.



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.