تسجيلات تكشف مقايضة إيرانية ـ أرجنتينية للنفط مقابل إسقاط اتهامات التفجير

المدعي المكلف بالتحقيق في هجوم المعبد اليهودي عثر عليه مقتولا برصاصة قبل تقديم تقريره للكونغرس

أرجنتينيون يرفعون صور ألبرتو نيسمان الذي كان يحقق في قضية الهجوم على تعاونية يهودية في 1994 ووجد مقتولا الأحد الماضي (نيويورك تايمز)
أرجنتينيون يرفعون صور ألبرتو نيسمان الذي كان يحقق في قضية الهجوم على تعاونية يهودية في 1994 ووجد مقتولا الأحد الماضي (نيويورك تايمز)
TT

تسجيلات تكشف مقايضة إيرانية ـ أرجنتينية للنفط مقابل إسقاط اتهامات التفجير

أرجنتينيون يرفعون صور ألبرتو نيسمان الذي كان يحقق في قضية الهجوم على تعاونية يهودية في 1994 ووجد مقتولا الأحد الماضي (نيويورك تايمز)
أرجنتينيون يرفعون صور ألبرتو نيسمان الذي كان يحقق في قضية الهجوم على تعاونية يهودية في 1994 ووجد مقتولا الأحد الماضي (نيويورك تايمز)

أشارت المكالمات الهاتفية التي تم التنصت عليها بين ممثلين عن الحكومتين، الأرجنتينية والإيرانية، إلى مسار طويل من المفاوضات السرية للتوصل إلى صفقة بموجبها تتلقى الأرجنتين شحنات من النفط في مقابل حماية المسؤولين الإيرانيين من تهم تفيد بتخطيطهم لنسف أحد المراكز المجتمعية اليهودية في 1994.
تأتي نصوص المكالمات التي أفرج عنها أحد قضاة الأرجنتين، مساء الثلاثاء الماضي، كجزء من شكوى جنائية بلغت 289 صفحة مقدمة من قبل ألبرتو نيسمان، وهو المدعي الخاص المكلف بالتحقيق في الهجوم. وقد عثر على نيسمان مقتولا في شقته الفاخرة الأحد، قبل ليلة واحدة من تقديم النتائج التي توصل إليها إلى الكونغرس.
غير أن المكالمات الهاتفية الملتقطة، إذا ما ثبتت صحتها، فسوف تشير إلى جهود حثيثة لمكافأة الأرجنتين على إرسال الأغذية إلى إيران، والسعي وراء عرقلة التحقيقات في الهجمة الإرهابية المدبرة في العاصمة الأرجنتينية التي حصدت أرواح 85 شخصا.
لم تدخل تلك الصفقة حيز التنفيذ الفعلي، على حد وصف الشكوى، وجزء منها يرجع إلى عجز المسؤولين في الأرجنتين عن إقناع البوليس الدولي (الإنتربول) برفع مذكرات التوقيف تجاه المسؤولين الإيرانيين المطلوبين في الأرجنتين لصلتهم بالهجوم المذكور.
ويعتقد أن مسؤولي الاستخبارات الأرجنتينية هم من كانوا وراء اعتراض المحادثات الهاتفية. ويظهر من النصوص وجود تضافر للجهود من قبل ممثلي حكومة الرئيسة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر لتحويل الشكوك بعيدا عن إيران حتى يتسنى الوصول إلى الأسواق الإيرانية وتخفيف المشكلات النفطية بالأرجنتين.
تأتي تلك الاتصالات في وقت كانت إيران تسعى فيه إلى تحسين صورتها في أميركا اللاتينية. وفي الأعوام الأخيرة، حققت إيران علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الحكومات اليسارية في فنزويلا وبوليفيا، وفي الوقت ذاته تتحول إلى كبار منتجي السلع مثل البرازيل من أجل صادرات الطعام وللتخفيف من حالة العزلة الدولية المفروضة عليها من قبل الغرب إثر برنامجها النووي. تؤكد الشكوى المقدمة أن المفاوضات شملت عملاء بالاستخبارات الأرجنتينية ومحسن رباني، الملحق الثقافي الإيراني السابق لدى الأرجنتين، والمتهم بالمساعدة في تنسيق حادثة التفجير.
في أحد النصوص من عام 2013، قال أحد رؤساء الاتحادات، من كبار مؤيدي السيدة كيرشنر بالأرجنتين، إنه كان يعمل وفقا لأوامر «زعيمة البلاد»، مضيفا أن «الحكومة كانت موافقة على إرسال فريق من الشركة الوطنية للنفط من أجل دفع المفاوضات». ولقد كان مهتما للغاية بمبادلة ما لديهم مقابل الحبوب واللحوم، على حد وصف رئيس الاتحاد، لويس ديليا، مشيرا إلى أحد الوزراء بالأرجنتين الذي كان قد تقابل معه أخيرا. ويظهر تسجيل آخر أن المفاوضات كانت تدور حول سبل إلقاء اللوم في الهجمة الإرهابية على الجماعات اليمينية والنشطاء بالأرجنتين.
ويأتي نص ملتقط آخر ليتضمن مناقشة حول مبادلة ليس فقط الحبوب من الأرجنتين، ولكن الأسلحة كذلك، مقابل النفط الإيراني.
يقول فرناندو غونزاليس، وهو محرر في صحيفة كرونيستا، في مقالة نشرت الأربعاء الماضي: «كان نشر شكوى نيسمان بمثابة الخطوة الأولى التي يمكن أن تساهم في شفافية التحقيقات التي يكتنفها الغموض والتجميد لأكثر من 20 عاما في قبر الإفلات من العقاب»، محتجا أن ذلك من شأنه تمهيد الطريق أمام المحققين الجدد وأمام السيدة كيرشنر للدفاع عن نفسها.
أكد نيسمان لسنوات أن إيران ساعدت في تخطيط وتمويل التفجير، وأن حليفها اللبناني، جماعة حزب الله المسلحة، هي من قامت بالتنفيذ. وقد عثر على جثته في شقته يوم الأحد مصابة بطلق ناري في الرأس في حلقة غامضة، وصفها المسؤولون الحكوميون بالانتحار، ولكن التحقيق لا يزال مفتوحا. أحد الخبراء، ومن بينهم عميل سابق لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية، كان يساعد الأرجنتين في التحقيقات، تساءل حول مزاعم التورط الإيراني المباشر. ومع ذلك، كانت علاقات الأرجنتين بإيران محدودة لسنوات، وفي جزء منها بسبب أهمية التحقيقات بالنسبة إلى الجالية اليهودية الكبيرة في البلاد.
بعد ذلك، في 2013، أعلنت الأرجنتين أنها توصلت إلى اتفاق مع إيران لإقامة لجنة مشتركة للتحقيق في الهجوم. وتلقت تلك الخطوة دعم الكونغرس الأرجنتيني، ولكنها واجهت مقاومة ضارية من بعض ممن يخافون أنها قد تؤثر على حياد التحقيقات. وقد أعلنت إحدى المحاكم في الأرجنتين عدم دستورية تشكيل تلك اللجنة العام الماضي، وتعهدت الحكومة بالاستئناف.
خلال الأسبوع الماضي فقط، أثار نيسمان (51 سنة) الشكوك عن طريق توجيه الاتهام إلى كبار المسؤولين بالأرجنتين، ومن بينهم السيدة كيرشنر، للتآمر مع إيران للتغطية على مسؤوليتها في حادثة التفجير. وقال إن «تلك الجهود قد بدأت تتشكل إثر اجتماع سري عقد في مدينة حلب السورية في يناير (كانون الثاني) 2011 بين هيكتور تيمرمان، وزير خارجية الأرجنتين، وبين علي أكبر صالحي، وزير خارجية إيران الأسبق». في الاجتماع، على نحو ما تفيد الشكوى، أبلغ تيمرمان نظيره الإيراني عدم رغبة الأرجنتين في دعم التحقيقات حيال دور إيران المحتمل في تنفيذ الهجوم. بدلا من ذلك، بدأت الأرجنتين في اتخاذ خطوات في اتجاه الانفراج، مع التركيز على تحسين العلاقات التجارية بين البلدين.
عقب ذلك الاجتماع، قال نيسمان إن «فريقا سريا من المفاوضين الأرجنتينيين، ومن بينهم لويس ديليا، تساءل بكل وضوح ما إذا كان يمكن تحميل إسرائيل اللوم حيال تفجيرات عام 1994؟ محاولا في عبث مقايضة الحصانة مقابل النفط».
قال نيسمان إن المفاوضين، بما فيهم عملاء الاستخبارات، كانوا مكلفين بمهمة «طرح فرضية مغالطة، استنادا على أدلة ملفقة، لتوجيه الاتهام نحو أشخاص جدد» بشأن حادثة تفجير عام 1994.
أحجم ديليا عن التعليق على ذلك مساء الأربعاء. وقد رفض تيمرمان، وزير الخارجية، اتهامات نيسمان، مؤكدا على أن الأرجنتين لم تطالب الإنتربول الدولي برفع مذكرات التوقيف.
ووجه مسؤولون آخرون في حكومة السيدة كيرشنر الانتقادات إلى نيسمان، قبل وبعد وفاته في نهاية الأسبوع، مؤكدين على أنه كان يتحرك وفقا لتوجيهات أنطونيو ستيوسو، أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين، الذي خلعته رئيسة البلاد من منصبه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وصف هانبيال فرنانديز، السكرتير الرئاسي، شكوى نيسمان في يوم الأربعاء بأنها «ضعيفة للغاية».
كما سعى جورج كابيتانيتش، رئيس الوزراء، إلى التقليل من أهمية النتائج، قائلا: «إن الأرجنتين لم تستورد النفط الخام من إيران».
وعلى نحو منفصل، وصفت وكالة أنباء تيلام الرسمية الشكوى بأنها «متاهة من التناقضات»، معتبرة أن الشخص المحدد من قبل نيسمان بأنه من عملاء الاستخبارات، لم يكن على اتصال بجهاز الاستخبارات الأرجنتيني بالأساس. كما أفادت الوكالة أن «صادرات الحبوب يجري تنفيذها بواسطة كبريات الشركات الزراعية بالبلاد، دافعة بأن الحكومة لا يمكنها الوصول لاتفاق من دون تلك الشركات».
وفي حين أن الشكوى أظهرت أن الصفقة لم تبرم ولم تؤت ثمارها، معتبرة أنها قد انهارت بسبب حالة الإحباط لدى الجانب الإيراني، لأن دول أخرى سعت وراء صفقات النفط مقابل الغذاء في المنطقة. في منطقة الكاريبي، كان هوجو شافيز، رئيس فنزويلا الراحل، قد وافق على توريد النفط إلى جمهورية الدومينيكان في مبادلة جزئية لواردات غذائية مثل الفاصوليا السوداء.
غير أن عقد الصفقات مع إيران سوف يأتي بالمزيد من المخاطر. وقد أحجمت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن عن التعليق حول ما إذا كانت شحنات النفط الإيراني إلى الأرجنتين تعتبر انتهاكا للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. ولكن على موقعها، أوضحت وزارة الخزانة أن المقايضة مقابل النفط الإيراني يمكن أن تؤدي إلى فرض عقوبات. وخلال الوقت الذي كانت تتكشف فيها أنباء المفاوضات السرية، عادت إيران للظهور في وضعية الشريك التجاري المهم للأرجنتين، في الوقت الذي كانت البلاد فيه تسعى وراء أسواق جديدة لسلعها الغذائية في الشرق الأوسط وآسيا.
يقول خوان جيلبرت توكاتليان، أحد خبراء العلاقات الدولية لدى جامعة توركواتو دي تيلا في بوينس آيرس: «تحسنت العلاقات التجارية بصورة كبيرة بين الأرجنتين وإيران منذ عام 2010 مع فوائض كبرى لصالح الجانب الأرجنتيني، قبل أن تنخفض مجددا في عام 2014»، مشيرا إلى أن «حجم التجارة السنوية لما يربو على المليار دولار لهذا العقد، مقارنة بمستويات ضئيلة لا تذكر خلال العقد الماضي». وبعيدا عن التجارة، امتدت العلاقات الجيدة بين الأرجنتين وإيران وصولا إلى المجال الدبلوماسي، وفقا للمكالمات المسجلة. «إننا نعمل بشكل جيد للغاية»، كانت كلمة رامون هيكتور بوغادو، الذي حُددت شخصيته في الشكوى بوصفه عميلا للاستخبارات الأرجنتينية، حلال توقيع مذكرة عام 2013 للتحقيقات المشتركة حول حادثة التفجير.
«علينا العمل بهدوء»، قالها بوغادو لرجل عُرف في الشكوى بأنه الوسيط لدى الجانب الإيراني، «لدينا عمل نقوم به لـ10 سنوات قادمة».
لكن في غضون بضعة أشهر، أشارت النصوص الملتقطة، إلى أن المزاج قد تغير حيث بات من الواضح أن الإنتربول الدولي لم يرفع مذكرات التوقيف بحق الإيرانيين.
وحسب نصوص المكالمات المسجلة سمع الوسيط الإيراني وهو يقول: «يبدو أن وزير الخارجية الأرجنتيني قد أخفق»، عقب عودته من طهران في مايو (أيار) 2013، حينما أصبح من الواضح أن الإنتربول الدولي لن يرفع مذكرات التوقيف.

* خدمة «نيويورك تايمز»



طهران تعقد اجتماعاً يناقش تطورات أفغانستان بغياب كابل

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
TT

طهران تعقد اجتماعاً يناقش تطورات أفغانستان بغياب كابل

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)

قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن الاستقرار في أفغانستان لن يتحقق عبر «وصفات مستوردة» أو «قرارات عابرة للأقاليم»، مشدداً على أن «الجيران الحل الأمثل والأكثر موثوقية».

وعقدت وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، اجتماعاً بعنوان «مراجعة التطورات بأفغانستان» بمشاركة دبلوماسيين من جيران أفغانستان وروسيا، في ظل غياب ممثلين عن الجانب الأفغاني. وقالت الخارجية الإيرانية إن كابل دُعيت لكنها لم تحضر، مشيرة إلى مشاركة روسيا والصين وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان وتركمانستان في الاجتماع.

وقال عراقجي: «لا يمكن لأي وصفة عابرة للأقاليم أن تحل المشاكل والأزمات الإقليمية»، مضيفاً أن التجارب السابقة أظهرت أن «المقاربات الخارجية والوصفات المفروضة لا تؤدي إلى الاستقرار ولا تضمن التنمية المستدامة»، في إشارة إلى «تجربة التدخل العسكري ووجود حلف الناتو في أفغانستان على مدى عقدين»، وما أعقب ذلك من «انسحاب متسرع في عام 2021»، حسب وكالة «إرنا» الرسمية.

واعتبر عراقجي أن استقرار أفغانستان وتنميتها «ضرورة استراتيجية للمنطقة بأسرها»، مشيراً إلى أن موقعها «في قلب شبكات الاتصال في آسيا الوسطى وغرب آسيا وجنوب آسيا» يمنحها إمكانيات اقتصادية ولوجيستية، وتحدث عن أهمية «دمج أفغانستان في العمليات السياسية والاقتصادية للمنطقة» وبناء الثقة بين دولها عبر «الحوار البناء» و«الآليات المحلية» والتعاون المستدام.

عراقجي يترأس اجتماعاً لدول جوار أفغانستان وروسيا في طهران اليوم (الخارجية الإيرانية)

كما أعلن استعداد بلاده «لتوسيع تعاونها مع جميع الدول المجاورة لأفغانستان» في مجالات من بينها النقل والتجارة والطاقة والخدمات القنصلية، ودعا إلى «آليات حوار منتظمة» بين دول الجوار لتنسيق السياسات والبرامج الاقتصادية والحدودية والإنسانية وخفض التوترات، معتبراً أن المنطقة «على أعتاب تطورات اقتصادية مهمة» قد تفتح «مرحلة جديدة في التعاون الإقليمي».

وبعد الاجتماع، قال عراقجي للتلفزيون الرسمي إن طهران ترى أن «الحل الإقليمي فقط يمكن أن يساعد»، ولفت إلى أن إدراج أفغانستان في «مسار تقارب مع المنطقة» يصب في مصلحة كابل ودول الجوار، مضيفاً أن اجتماع طهران عقد لهذا الهدف بهدف «تقريب وجهات نظر» دول الجوار تمهيداً لبحث توسيع التعاون عبر «تفاعل منتظم» مع الحكومة الأفغانية، معرباً عن تفاؤله بنتائج «إيجابية»، ونقل مخرجات الاجتماع إلى كابل.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن إيران «وجهت الدعوة إلى جميع الدول المعنية للمشاركة في هذا الاجتماع، بما في ذلك أفغانستان». وأضاف: «كنا نرغب في مشاركة أفغانستان في الاجتماع... غير أننا نحترم قرارها بعدم المشاركة».

وأوضح أن الاجتماع جاء نتيجة «مشاورات جرت خلال الأسابيع الماضية» بين إيران ودول الجوار الأفغاني، وأنه يأتي بصيغة مشابهة لاجتماعات سابقة لمتابعة التطورات المرتبطة بأفغانستان، مشيراً إلى مرور نحو عامين من دون عقد اجتماع مماثل على مستوى وزراء الخارجية.

وقال إن الهدف هو «الحوار وتبادل وجهات النظر حول تطورات أفغانستان»، وإن «جميع القضايا والأحداث المرتبطة بهذا البلد ستناقش بطبيعة الحال». وأشار إلى أن «بيئة الجوار» تحظى بأهمية خاصة لإيران، لافتاً إلى أن الأمن والاستقرار في شرق البلاد «مسألة محورية»، وأن إيران تشترك بنحو ألفي كيلومتر من الحدود مع أفغانستان وباكستان، وأن أي توتر بين البلدين «ينعكس بالضرورة» على إيران ويثير مخاوف لدى دول أخرى في المنطقة.

وتطرق بقائي إلى اجتماع عُقد الأسبوع الماضي بين مجموعات المعارضة الأفغانية، قائلاً إن إيران ترى أن حل القضايا المتعلقة بأفغانستان يمر عبر «الحوار والتفاعل بين مختلف الأطراف»، وأن الحل في أفغانستان يكمن في «حوار أفغاني - أفغاني».

وأضاف أن عقد اجتماع جيران أفغانستان في طهران يعكس قناعة بلاده بضرورة «تعزيز التفاهم وبناء الثقة» بما يساعد على ترسيخ الاستقرار والأمن.


طهران: قواتنا المسلحة في حالة جاهزية كاملة لأي طارئ

بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
TT

طهران: قواتنا المسلحة في حالة جاهزية كاملة لأي طارئ

بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)
بقائي يستمع إلى أسئلة الصحافيين خلال إفادة أسبوعية اليوم (مهر)

قالت إيران إن قواتها المسلحة في حالة جاهزية كاملة للتعامل مع أي طارئ، في وقت أكدت فيه استمرار اتصالاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشددة على أن الدبلوماسية ما زالت إحدى أدواتها الأساسية لصون «المصالح الوطنية»، رغم ما وصفته بتعاملها مع أطراف لا تولي أي قيمة للتفاوض.

ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مرة أخرى وجود وساطة بالمعنى التقليدي بين طهران والوكالة التابعة للأمم المتحدة، وقال خلال مؤتمر صحافي أسبوعي، الأحد، إن «أساس تعامل إيران مع الوكالة الذرية يقوم على القانون الذي أقره البرلمان، والذي يحدد إطار التعاون بشكل واضح»، حسبما نقلت وكالة «إرنا» الرسمية.

وتعليقاً على أحدث تصريحات المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، الذي جدّد مطالبة طهران بالكشف عن مصير مخزون اليورانيوم عالي التخصيب واستئناف عمل المفتشين، قال بقائي إن تكرار هذه التصريحات «لا يغير من الواقع شيئاً»، داعياً غروسي إلى توجيه الاهتمام إلى «الأطراف المسؤولة عن الوضع الحالي».

وقال إن «تجاهل الهجمات التي طالت المنشآت النووية السلمية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، والاكتفاء بمخاطبة طرف واحد، نهج غير منصف ولا يمكن أن يسهم في حلّ الأزمة»، داعياً الوكالة إلى الالتزام بمقاربة فنية بحتة في التعامل مع الملف الإيراني.

وشنَّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً غير مسبوق على منشآت استراتيجية في إيران، ما أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري»، الجهاز الموازي للجيش النظامي، إضافة إلى مسؤولين وعلماء في البرنامج النووي الإيراني. وأشعلت تلك الضربات حرباً استمرّت 12 يوماً بين البلدين، شاركت خلالها الولايات المتحدة بقصف 3 مواقع نووية داخل إيران.

وعقب الهجمات، علقت إيران تعاونها مع الوكالة الذرية، وقيدت وصول مفتشيها إلى المواقع المستهدفة، منتقدةً عدم إدانة الوكالة للهجمات. كما ربط قانون أقرّه البرلمان الإيراني في يوليو (تموز) دخول المفتشين بقرار من المجلس الأعلى للأمن القومي.

وفي سبتمبر (أيلول)، اتفقت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بوساطة مصرية على إطار عمل جديد للتعاون، غير أن طهران أعلنت لاحقاً اعتباره لاغياً، بعد أن فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مسار إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015.

عراقجي ونائبه مجيد تخت روانتشي خلال محادثات مع غروسي على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك... سبتمبر الماضي (الخارجية الإيرانية)

وخلال الأسابيع التالية، أجرى وزير الخارجية المصري اتصالات مع نظيره الإيراني ومدير الوكالة الذرية، في محاولة لإحياء «تفاهم القاهرة» واحتواء التوتر، لكن إيران أعلنت رسمياً طي هذا المسار رداً على قرار مجلس محافظي الوكالة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي دعاها إلى التعاون مع المفتشين الدوليين.

وسبق ذلك تأكيد مسؤولين إيرانيين انتهاء الاتفاق، فيما أبدت طهران استعدادها قبل قرار المجلس لبحث وساطة صينية - روسية، بهدف استئناف التعاون مع الوكالة الذرية.

وقبل الهجمات على منشآتها النووية، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تمتلك نحو 441 كيلوغراماً من هذه المادة عند اندلاع الحرب، قبل أن يتعذر عليها التحقق من المخزون منذ 13 يونيو.

وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة مدنية لهذا المستوى من التخصيب، فيما تقول الوكالة الذرية إن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة على سلاح نووي التي تخصّب اليورانيوم عند نسبة 60 في المائة.

وفي أواخر أكتوبر(تشرين الأول)، قال غروسي إن إيران لا تبدو منخرطة حالياً في تخصيب نشط، لكنه أشار إلى رصد تحركات متجددة في مواقع نووية، وسط تقارير غربية عن تسريع أعمال بناء في منشأة تحت الأرض قرب نطنز.

غموض المسار التفاوضي

ويسود الغموض بشأن مستقبل المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية، التي أعادت فرض العقوبات الأممية على طهران اعتباراً من نهاية القرار 2231 في 18 أكتوبر الماضي.

وكانت طهران وواشنطن قد قطعتا شوطاً في 5 جولات تفاوضية حول الملف النووي، وإمكانية التوصل لاتفاق جديد، لكن المفاوضات دخلت مرحلة جمود بعد حرب الـ12 يوماً، رغم تمسك الجانبين بخيار التسوية، كل وفق شروطه.

وتشترط واشنطن على إيران وقف تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها، وتقييد برنامجها للصواريخ الباليستية، ووقف دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، وهي مطالب تقول طهران إنها «مرفوضة وغير قابلة للتفاوض».

ورداً على أسئلة حول الغموض الذي يلف المسار الدبلوماسي، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية، قال بقائي إن إيران أظهرت «اقتدارها وقدراتها» في مختلف المجالات، منوهاً أن الدبلوماسية ستبقى أحد الخيارات المتاحة «متى ما توفرت الظروف المناسبة». لكنه أشار في المقابل إلى أن طهران «تواجه أطرافاً لا تعطي وزناً للتفاوض».

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس الماضي، للصحافيين، إنه يسعى بقوة إلى اتفاق مع إيران، لكنه حذر من أن طهران ستواجه هجوماً أميركياً جديداً إذا عادت إلى أنشطتها النووية. وأشار إلى أن إيران كانت على مقربة من امتلاك سلاح نووي، لكنها ابتعدت عن ذلك بعد الضربات التي شنّتها قاذفات «بي-2» الشبح.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث في المكتب البيضاوي بينما وضع أمامه مجسماً من قاذفات «بي 2» التي قصفت منشآت إيران النووية 6 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

ونبّه بقائي أن القوات المسلحة الإيرانية «في حالة جاهزية كاملة للتعامل مع أي طارئ أو مغامرة»، مضيفاً أن خصوم إيران «يدركون هذه القدرات»، معتبراً أن ما وصفه بالدفاع خلال حرب الاثني عشر يوماً «لا يترك مجالاً للغموض».

وقال بقائي أيضاً إن استمرار أمانة الأمم المتحدة وبعض أعضاء مجلس الأمن في الاستناد إلى القرار 2231 «لا يستند إلى أي أساس قانوني»، مشيراً إلى أن القرار «انتهى مفعوله». وأضاف أن التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة «أعدّ استناداً إلى قرار لم يعد قائماً من الناحية القانونية»، لافتاً إلى أن دولتين دائمتين في مجلس الأمن تشاركان طهران هذا التقييم، في إشارة إلى الصين وروسيا.

واتهم المتحدث الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) باللجوء إلى آلية تسوية النزاع في الاتفاق النووي «بدوافع سياسية وتحت ضغط الولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن هذا المسار «لا تترتب عليه أي آثار قانونية». وقال إن الصين وروسيا تتبنيان موقفاً مماثلاً، محذراً من أن الإصرار على مواصلة هذا النهج «سيؤدي إلى تعميق الانقسام القانوني داخل مجلس الأمن».

وفي سبتمبر الماضي، فشل قرار دفعت به روسيا والصين، أمام مجلس الأمن لتمديد القرار 2231.

وانتقد بقائي ما وصفه بـ«غياب الاستقلالية» في سياسات بعض الدول الأوروبية خلال العامين الماضيين، معتبراً أن تعاملها مع الملف النووي الإيراني «حوّلها عملياً إلى أداة لخدمة الأهداف الأميركية»، متهماً واشنطن بالسعي وراء إثارة الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي.

إيران وفنزويلا

وفي سياق منفصل، تطرق بقائي إلى التوتر مع الولايات المتحدة بشأن فنزويلا. وقال إن واشنطن «لا تملك أي أساس قانوني» لاحتجاز ناقلة نفط فنزويلية، رافضاً مزاعم واشنطن بأن الناقلة كانت تنقل نفطاً إلى إيران عبر السوق السوداء.

كما اتهم واشنطن بمحاولة ربط إيران بالأوضاع في فنزويلا، قائلاً إن هذه الادعاءات «لا تستند إلى أي وقائع»، مضيفاً أن فنزويلا «دولة مستقلة ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية».

وأضاف أن الولايات المتحدة «لها سجل طويل من التدخل في أميركا اللاتينية»، وأن ما يجري «ينتهك مبادئ القانون الدولي».

وفي ما يتعلق بتوقيف ناقلة فنزويلية وسفينة صينية، قال إن استخدام القوة ضد سفن تجارية «لا يملك أي مبرر قانوني»، مشيراً إلى أن إيران «ستستخدم الأدوات المتاحة لحماية مصالحها».

وحول تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» عن هجوم أميركي على سفينة إيرانية كانت متجهة من الصين إلى إيران، قال بقائي إن طهران لم تتلقَّ حتى الآن تأكيداً رسمياً من الجهات المختصة.


حكومة نتنياهو تُوزع الاتهامات عن هجوم سيدني... وتستثني نفسها

TT

حكومة نتنياهو تُوزع الاتهامات عن هجوم سيدني... وتستثني نفسها

رجال شرطة بعد حادث إطلاق نار في شاطئ بوندي بمدينة سيدني الأسترالية يوم الأحد (أ.ف.ب)
رجال شرطة بعد حادث إطلاق نار في شاطئ بوندي بمدينة سيدني الأسترالية يوم الأحد (أ.ف.ب)

في الوقت الذي ترفض فيه دول العالم، بما فيها العربية والمسلمة، الهجوم على احتفال بعيد الأنوار اليهودي (الحانوكا) في مدينة سيدني الأسترالية، تصرّ الحكومة الإسرائيلية على استغلال الحادث المأساوي سياسياً.

والمتابع للساحة الإسرائيلية، يفهم أن غرض حكومة بنيامين نتنياهو الأول من ذلك هو صدّ الاتهامات لها بأنها تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية عن الكراهية للإسرائيليين واليهود في العالم، جرّاء ما ارتكبته من جرائم في غزة.

ومنذ اللحظات الأولى للهجوم، خرج جميع المسؤولين الإسرائيليين بتصريحات توزع الاتهامات لحكومة أستراليا بإهمال أمني كبير أتاح تنفيذ هذه العملية الإرهابية، والتشديد على أنهم قالوا إنهم كانوا قد حذّروا أستراليا من الارتفاع الهائل في عدد الاعتداءات على يهود ومؤسسات يهودية في البلاد.

صورة من مقطع فيديو يظهر فرار المئات من حادث إطلاق النار في أستراليا يوم الأحد (أ.ف.ب)

وأعلن الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أنه يُحمّل الحكومة الأسترالية مسؤولية ما وصفه بـ«التقاعس في مواجهة معاداة السامية»، مؤكداً أن التحريض المستمر وترك الساحات العامة دون ردع أدى إلى هذا الهجوم.

كما دعا المجتمع الدولي إلى التعامل مع الاعتداء بوصفه هجوماً إرهابياً يستهدف اليهود أينما وجدوا.

وكذلك جاء تعليق نتنياهو متناغماً، فقال إن هذا الهجوم نتيجة تساهل الحكومة الأسترالية مع «العداء للسامية».

أما وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، فقال إن الهجوم نتيجة مباشرة لاعتراف حكومة أستراليا بالدولة الفلسطينية، في حين رأى وزير الخارجية، جدعون ساعر، أن الهجوم «كان متوقعاً، في ظل سنتين من المظاهرات والشعارات المعادية لليهود في شوارع سيدني»، مشدداً على أن «التساهل مع دعوات (عولمة الانتفاضة) يفضي في النهاية إلى العنف المسلح.

وطالب ساعر الحكومة الأسترالية باتخاذ خطوات فورية وحازمة.

كما زعمت مصادر أمنية في تل أبيب، أن هناك «بصمات إيرانية لهذا الهجوم، لكن الخارجية الإيرانية نددت بالهجوم ووصفته بأنه (إرهابي)».

ونقل التلفزيون الإيراني عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي قوله: «نُدين الهجوم العنيف في سيدني بأستراليا، ويجب رفض وإدانة الإرهاب وقتل البشر أينما ارتُكب».

وبدا واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية تُحاول تفادي اتهامها بالمسؤولية عن انتشار مظاهر الكراهية والحقد ضد الإسرائيليين واليهود في العالم بسبب الحرب على غزة، وما ترافق معها من جرائم قتل وإبادة جماعية للفلسطينيين في القطاع خلال سنتين بلا توقف، ما تسبب في قتل أكثر من 70 ألفاً بينهم 25 ألف طفل، فضلاً عن المجاعة والتدمير الشامل.

الاعتداءات تضاعفت 5 مرات

وتُقدر الإحصائيات الإسرائيلية الرسمية بأن هناك 138 ألف يهودي في أستراليا.

وظلّت أستراليا ساحة هادئة وخالية تقريباً من أي اعتداءات على اليهود والمؤسسات اليهودية طيلة 19 عاماً (من 1995 وحتى 2014)، لكنها بدأت تشهد اعتداءات متنامية منذ الحرب على غزة في 2014.

منظر عام للمعبد اليهودي في جنوب سيدني بأستراليا يوم 10 يناير 2025 بعد محو كتابات غرافيتي معادية للسامية (إ.ب.أ)

وحسب الإحصائيات الإسرائيلية نفسها، فإن معدل الاعتداءات ضد اليهود في أستراليا تضاعف 5 مرات منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة ردّاً على «هجوم حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ففي سنة 2024، نفذت 1654 اعتداءً على مؤسسات وبيوت وأشخاص يهود. وارتفع هذا العدد إلى 2024 اعتداءً في سنة 2025.

وبسبب هذه الاعتداءات، ارتفع عدد اليهود الذين هاجروا من أستراليا إلى إسرائيل بنسبة 47 في المائة، إذ هاجر 125 في سنة 2023، وارتفع عدد المهاجرين إلى 200 في سنة 2024 وأكثر من 200 حتى شهر سبتمبر (أيلول) 2025.

وتسببت تلك المؤشرات، حتى قبل توثيقها، في دفع كثير من دعاة التعقل والسلام في إسرائيل إلى التحذير من تداعيات الصور التي انتشرت في العالم عن بشاعة ووحشية الممارسات الإسرائيلية في غزة.

وفي تقدير هؤلاء، تسببت جرائم القتل والتجويع وقطع الماء والكهرباء وتدمير المستشفيات وإحراق الخيام وأهلها الفلسطينيين الأحياء وغرق الخيام في الأمطار وموت الأطفال من البرد، في ارتفاع مذهل في الكراهية لإسرائيل وحتى لليهود في العالم.

ورغم التشديدات الأمنية المتزايدة حول العالم لمنع جرائم معاداة اليهود، فإن التقديرات تشير إلى أن «الحل يكمن في تبني سياسة سلمية للصراع، لوضع حد لهذه الكراهية، وإحداث تحول إيجابي في حياة شعوب الشرق الأوسط».

ومع ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية سياستها الحربية العدوانية والتهرّب من الالتزام بالسلام، محاولةً التملص من مسؤوليتها عن معاداة اليهود، من خلال نشر دعاية تصوّرها على أنها مجرد «عداء للسامية».