لأول مرة في عهده الرئاسي، تحدى مجلس النواب «فيتو» الرئيس الأميركي دونالد ترمب لرفع المساعدات، في تصويت تخطى أغلبية الثلثين بالمجلس. وانضم الجمهوريون إلى الديمقراطيين في تحديهم ترمب، فصوت 109 منهم لصالح كسر «الفيتو»، فيما تراجع 26 منهم عن دعمهم السابق للمشروع وتحفظوا عن تحدي الرئيس الأميركي. ويظهر تراجع هؤلاء النفوذ الذي لا يزال ترمب يتمتع به في صفوف حزبه، وتخوف البعض منهم من نيران غضبه في حال اتخذوا مواقف علنية معارضة له، فكان من اللافت مثلاً غياب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي عن عملية التصويت تجنباً لإدلائه بصوت يستفز ترمب، فقدم طلباً رسمياً من المجلس لاتخاذ يوم عطلة وعدم حضور الجلسات.
لكن غياب مكارثي وتراجع عدد من الجمهوريين عن التصويت لصالح المشروع، لم يؤثر على الحصيلة النهائية؛ إذ تخطى عدد الأصوات الرقم المطلوب لكسر «الفيتو» وهو 290 صوتاً في مجلس النواب، فصوت 322 نائباً لدعم المشروع وإرساله إلى مجلس الشيوخ الذي سيبتّ في القضية هذا الأسبوع. وفي حين شكل هذا التصويت ضربة مباشرة لترمب، فإن الرئيس الأميركي أحرز في الوقت نفسه انتصاراً بارزاً في المجلس؛ هذه المرة بمساعدة الديمقراطيين؛ إذ دعموا، وعلى رأسهم نانسي بيلوسي، زيادة رقم المساعدات للأميركيين من 600 دولار إلى 2000 دولار، وهو ما دفع ترمب باتجاهه خلال تهديده بنقض مشروع الإنعاش والتمويل الذي عاد ووقع عليه.
نانسي بيلوسي
والمفارقة هنا أن بيلوسي التي قلما تدلي بصوتها بصفتها رئيسة للمجلس، لإجراءات بروتوكولية، صوتت أيضاً لدعم خطة ترمب، في إشارة واضحة منها إلى أن الديمقراطيين يدعمون موضوع رفع رقم المساعدات، وأن الجمهوريين هم الذين يعارضون الأمر منذ فترة. وقالت بيلوسي التي تجمعها قطيعة طويلة وتامة مع ترمب: «رئيس الولايات المتحدة قدّم لنا طرحاً يريده. وأنا آمل أن طرحه هذا سيحظى بدعم الجمهوريين في مجلس الشيوخ». رسالة مبطنة من بيلوسي تحمل معاني كثيرة، وتضع الجمهوريين في موقف حرج للغاية. فرغم معارضتهم المستمرة زيادة المبلغ، فإن هذه المعارضة اصطدمت بحائطين: الأول دعوة ترمب المباشرة لإقرار المبلغ، والثاني سباق جورجيا الحاسم للحفاظ على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ.
فإسقاط هذا المشروع لزيادة المساعدات في مجلس الشيوخ قد يعني إغضاب الناخبين وخسارة الجمهوريين سباق جورجيا في المجلس، الذي سيجري في 5 يناير (كانون الثاني) المقبل. لهذا فلم يكن من المستغرب أن تعرب السيناتورة الجمهورية عن ولاية جورجيا كيلي لوفر عن دعمها الزيادة. فقالت: «مؤكد سوف أدعم الرئيس الأميركي 100 في المائة، وأدعم مزيداً من المساعدات». وقد كرر ترمب دعواته لإقرار المبلغ فغرد قائلاً: «2000 دولار لشعبنا العظيم، وليس 600 دولار! لقد عانى هذه الشعب الأمرّين بسبب الفيروس الصيني!».
وسوف تضع هذه التصريحات الكرة في ملعب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل الذي يتعرض لضغوط ليس من قبل بعض أعضاء حزبه فحسب؛ بل من قبل الديمقراطيين والمستقلين. أبرز هؤلاء السيناتور برني ساندرز الذي أعلن أنه سيعرقل التصويت لكسر «الفيتو» الرئاسي إن لم يطرح مكونيل مشروع المساعدات للتصويت في المجلس.
وقال ساندرز: «مكونيل وأعضاء مجلس الشيوخ يريدون الإسراع في التصويت لكسر (الفيتو)، وأنا أفهم ذلك. لكني لن أسمح به إلا إذا صوت المجلس لزيادة المساعدات لتصل إلى 2000 دولار». وبحسب خطة ساندرز هذه؛ فإن عرقلته ستؤدي إلى إرغام سيناتوري جورجيا كيلي لوفر وديفيد بردو، على البقاء في واشنطن للتصويت، والغياب عن الأنشطة الانتخابية في الأيام الأخيرة قبل حسم المعركة في مجلس الشيوخ. وبهذا يكون ساندرز قد ضرب عصفورين بحجر واحد؛ إذ إن بقاء لوفر وبردو في واشنطن يعني أن منافسيهما الديمقراطيين سيتمكنان من الترويج لأجندتها ودفع الناخبين للتصويت لصالحهما في سباق جورجيا.
هذا؛ وتكمن المعارضة الجمهورية لزيادة مبلغ المساعدات في تخوفهم من تأثيرها على العجز الاقتصادي؛ إذ تقدر اللجنة المشتركة للضرائب أن التكلفة النهائية لمشروع المساعدات الجديدة ستصل إلى 464 ملياراً. إضافة إلى التكلفة السابقة لمساعدات الـ600 دولار، التي وصلت إلى 164 مليار دولار. ويفسر النائب الجمهوري كيفين برادي موقف الجمهوريين المعارض فيقول: «أنا أقلق من أن مبلغ الـ464 مليار دولار لن يقوم بما يلزم، ولن يحفز الاقتصاد أو يعيد العاطلين عن العمل إلى وظائفهم».
مقاضاة بنس
وفي حين تتعرض القيادات الجمهورية في الكونغرس لضغوط مستمرة من قبل ترمب ومناصريه في المجلسين، وصلت هذه الضغوط إلى ذروتها عندما رفع بعض الجمهوريين المحافظين في مجلس النواب دعوى قضائية بحق نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، يطلبون منه فيها تحدي نتائج الانتخابات رسمياً لدى ترؤسه جلسة المصادقة على النتائج في 6 يناير المقبل. ويطلب النواب الـ12 من المحكمة أن تعطي بنس الصلاحية لتحدي النتائج، وتغيير القانون الأميركي الذي أقر في عام 1887 والذي يقول إن ترؤس نائب الرئيس جلسة المصادقة هو إشراف بروتوكولي لقراءة النتائج الرسمية.
وفي حين يستبعد أن تستمع المحكمة إلى هذه المطالب، فإن مساعي هؤلاء النواب تسلط الضوء على مجموعة من الجمهوريين الذين لا يزالون يدعمون ترمب بشراسة، خصوصاً في مجلس النواب. ومما لا شك فيه أن هذه الأجواء المتشنجة ستنعكس على جلسة 6 يناير، التي جرت العادة في السابق أن تكون جلسة إجرائية بروتوكولية.