مالي: مصرع 3 جنود فرنسيين في هجوم «إرهابي»

باريس تبحث عن «مخرج» من حرب الساحل

الجنود الفرنسيون الثلاثة الذين قتلوا في مالي أول من أمس (أ.ف.ب)
الجنود الفرنسيون الثلاثة الذين قتلوا في مالي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

مالي: مصرع 3 جنود فرنسيين في هجوم «إرهابي»

الجنود الفرنسيون الثلاثة الذين قتلوا في مالي أول من أمس (أ.ف.ب)
الجنود الفرنسيون الثلاثة الذين قتلوا في مالي أول من أمس (أ.ف.ب)

قبل عام وأسبوعين، استضافت مدينة «بو» الواقعة جنوب فرنسا، عند أقدام سلسلة جبال البيرينيه، قمة فرنسية - أفريقية ضمت الرئيس الفرنسي ورؤساء دول الساحل الخمس «موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد» لتقويم الأوضاع الأمنية، والحرب على الإرهاب، فضلاً عن «تعبئة الأسرة الدولية لدعم الجهود الفرنسية - الأفريقية سياسياً ومالياً وميدانياً». وقرر الرؤساء الستة العودة إلى الالتقاء بعد عام من أجل النظر فيما تحقق، خصوصاً في السعي إلى إعادة السيطرة على ما يسمى «المثلث الحدودي» (مالي - النيجر - بوركينا فاسو»، وهي المنطقة التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» و«القاعدة». وبالنظر إلى النجاحات التي حققتها قوة «برخان» الفرنسية التي تعد 5100 رجل، مدعمين بغطاء جوي متعدد الأشكال، والقوة الأفريقية الجماعية (جي 5)، إضافة إلى قوة الكوماندوز الأوروبية (تاكوبا)، فإن باريس أخذت تبلور الخطط لخفض حضورها العسكري في الساحل، ونقل المسؤوليات تدريجياً إلى القوة الأفريقية.
ومع كل عملية إرهابية تستهدف القوة الفرنسية، تتكاثر الأسئلة حول مستقبلها، والفترة الزمنية التي ستبقى مرابطة فيها بهذه المنطقة. ولا تخفي أعلى المراجع العسكرية الفرنسية رغبة باريس في خفض وجودها هناك، أقله استرجاع القوة الإضافية التي تعد 600 رجل، والتي قرر الرئيس ماكرون إرسالها بداية عام 2020 لتعزيز القوة الضاربة. ولم يتردد رئيس الأركان الفرنسي الجنرال لوكوانتر الذي زار مالي في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي في القول علناً إنه يرغب في خفض عدد قواته.
وجاء مقتل 3 عسكريين فرنسيين صبيحة أول من أمس ليعيد طرح الملف بقوة. ووفق التفاصيل التي كشفت عنها السلطات الفرنسية، ممثلة بقصر الإليزيه ووزارة الدفاع وقيادة الأركان، فإن الجنود الثلاثة قتلوا في منطقة تقع بين مدينتي هومبري وغوسي، قريباً من المثلث الحدودي المشار إليه.
ووقع الهجوم في المنطقة نفسها التي قال الجيش المالي، الأسبوع الماضي، إنه قتل فيها أكثر من 10 إرهابيين، عندما حاولوا أن ينصبوا كميناً لدورية تابعة له، ولكن الجنود نجحوا في مواجهة الإرهابيين، خاصة بعد أن «تلقت إسناداً نارياً من الطيران» قدمته القوات الفرنسية.
ومع مقتل الجنود الثلاثة، تكون خسائر فرنسا البشرية منذ عام 2013 قد وصلت إلى 47 قتيلاً. وبحسب مصادر وزارة الدفاع، فإن باريس تتكلف ما يساوي 800 مليون يورو سنوياً في منطقة الساحل، حيث لها مصالح استراتيجية رئيسية، والبلدان الخمس كانت سابقاً مستعمرات فرنسية.
وحقيقة الأمر أن الخطاب الرسمي الفرنسي يشدد على أن باريس مستمرة في حربها على الإرهاب، وهو ما جاء في البيان الذي صدر ليلة أول من أمس عن قصر الإليزيه، حيث أكد الرئيس إيمانويل ماكرون أن فرنسا «عازمة على مواصلة حربها على الإرهاب»، خصوصاً ضد تنظيم داعش في منطقة الساحل الكبرى.
ووفق البيان أيضاً، فإن الجنود الثلاثة ماتوا «من أجل فرنسا»، وهو ما أشارت إليه وزيرة الدفاع فلورانس بارلي في بيان مشابه. وجاء في البيان أيضاً أن الجنود الثلاثة كانوا «منخرطين في عملية في منطقة تنشط فيها المجموعات الإرهابية التي تستهدف المدنيين، وتهدد الاستقرار الإقليمي، كما تهدد أمننا الخاص». وكما في كل مرة يسقط فيها ضحايا فرنسيين، فإن الطبقة السياسية تحرص على التعبير عن تضامنها، وقد ظهر هذا التضامن مجدداً في تصريحات الأمس. ويربط كثيرون بين الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل والحرب على الإرهاب داخل الأراضي الفرنسية.
وتخوض فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي حرباً طاحنة ضد الجماعات الإرهابية منذ 2013، حين سيطرت هذه الجماعات على شمال دولة مالي، وبدأت تزحف نحو العاصمة باماكو في الجنوب. ونجحت عملية «سيرفال» الفرنسية (4500 جندي) في طرد مقاتلي «القاعدة» من مدن شمال مالي، ولكن حرب عصابات بدأت منذ ذلك الوقت، ليطلق الفرنسيون عام 2014 عملية «برخان» لمواجهة خطر الإرهاب، بالتعاون مع دول الساحل الخمس.
وفي الأشهر الأخيرة، نجحت القوة الفرنسية، متعاونة مع القوة الأفريقية، في إلحاق أضرار جسيمة بالتنظيمات الإرهابية، خاصة على مستوى القيادات، حيث قتل خلال السنوات الأخيرة عدد كبير من أفراد الصف الأول من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، كان آخرهم زعيم التنظيم الجزائري عبد المالك دوركدال.
وحتى اليوم، لا تتحدث المصادر الفرنسية عن «الانسحاب» من منطقة الساحل، بل إن رئيس الأركان الجنرال لوكوانتر يشير إلى «إعادة انتشار»، ولكن المقصود عملياً هو خفض التزامات فرنسا العسكرية المتواصلة منذ عام 2013 في منطقة تزيد مساحتها عشر مرات على مساحة الأراضي الفرنسية.
وبحسب مصادر دفاعية، فإن باريس تعول على مزيد من الحضور العسكري الأوروبي، المقتصر حالياً على الدعم اللوجيستي، وتدريب القوة الأفريقية التي تحتاج إلى تمويل إضافي وتجهيز عسكري مناسب. كما أنها تعول على إعطاء دور أكبر للقوة الأفريقية، وعلى مزيد من توافر العناصر المقاتلة، في إطار ما يسمى قوة «تاكوبا» التي انطلقت عملياً مؤخراً بأعداد محدودة.
وأشار الجنرال لوكوانتر، إبان زيارته الأخيرة لـمالي، إلى أنه من المرجح أن تقوم فرنسا بانسحاب جزئي لقواتها في الأيام أو الأسابيع المقبلة، مضيفاً أنه «بمجرد أن أتمكن من تقليص وجود الجيوش الفرنسية هناك، سأفعل ذلك». بيد أن استمرار الخسائر من شأنه أن يؤخر قرار كهذا لا يمكن اتخاذه إلا على أعلى المستويات السياسية.
ومن هنا، تتجلى أهمية استحقاق 13 يناير (كانون الثاني) المقبل؛ أي مناسبة الذكرى السنوية الأولى لقمة بو المشار إليها سابقاً. إلا أن الواقع، إذا استمر على حاله ولم تنجح القوات المنخرطة في قتال الجماعات الإرهابية في تحقيق إنجازات واضحة، سيعني بقاء الجيش الفرنسي، على الأقل لعدة سنوات أخرى، في ظل ضعف الجيوش المحلية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وعدم حصول القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس على الدعم الدولي، وبالتالي فإن انسحاب الجيش الفرنسي يعني فتح الباب أمام هيمنة «القاعدة» و«داعش» على المنطقة، حسب اعتقاد كثير من القادة والمسؤولين في الساحل. ويشير المراقبون إلى أنه، في أي حال، يظل التغلب على الإرهاب ليس فقط عسكرياً، بل يتطلب استقراراً سياسياً وحكومات فاعلة تستجيب لمتطلبات السكان.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.