الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي: القراءة قلم الكتابة

طالب الرفاعي
طالب الرفاعي
TT

الروائي والقاص الكويتي طالب الرفاعي: القراءة قلم الكتابة

طالب الرفاعي
طالب الرفاعي

بالنظر إلى انشغالي في تأليف كتابي «لون الغد... رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا»، فلقد انصرف جزءٌ كبير من وقتي لقراءة كل ما يتعلق بجائحة كورونا، خصوصاً أن الكتاب يحمل رؤية استشرافية لما قد يكون عليه العالم بعد كورونا، ما حتم عليَّ خلال فترة الكتابة، ترصد كل الآراء الفلسفية أو تنبؤات المستقبل فيما بعد كورونا عربياً وعالمياً. ولقد حاولت جاهداً أن أوازن بين عملي في كتابي وقراءاتي، فأنا أردد بين طلبتي في الجامعة، خلال تدريس مادة «الكتابة الإبداعية»، بأن القراءة قلم الكتابة!
ضمن قراءات متنوعة، قرأت بمتعة كبيرة كتاب الناقد الدكتور عبد الدائم السلامي «النص المعنف... أن نقرأ ونحب ما نقرأ»، والكتاب يطرح فكرة نقدية عربية لافتة، وجد مهمة وجديدة، في كيفية قراءة الكتب، والتمتع بالقراءة بعيداً عن مسطرة الناقد، وأرى في الكتاب طرحاً نقدياً عربياً يستحق كثيراً من التوقف عنده! وفي السياق نفسه، قرأت كتاب «جرح المعنى» للكاتبة خالدة سعيد. كما أنني استمتعت بقراءة كتاب الزميل الدكتور معجب الزهراني «سيرة الوقت... حياة فرد - حكاية جيل»، وهو كتاب بقدر من يخصّ سيرة معجب، وخروجه من عباءة القرية والأسرة السعودية إلى رحابة العالم، فإنه ينقل تجربة لعوالم كثير من الشباب العربي، وبتغير الظرف والبلد العربي! وإلى جانب ذلك قرأت الرواية الأولى للكاتب الكويتي فواز الهاجري المعنونة بـ«حديقة الفحيحيل»، وكتبت عنها بأنها رواية ناضجة فنياً، وأنه قلما صادفت كاتباً شاباً يكتب رواية آسرة كما فعل فواز، وتوقعت بأن يكون فواز صوتاً كويتياً عربياً مهماً إذا استطاع مواصلة الكتابة الروائية كما فعل في روايته الأولى!
لقد تعوّدت الكتابة خلال العقدين الماضيين في الفترة الصباحية، ما بين الثامنة وحتى الواحدة، إلا أن الحجر المنزلي، والجديد المعتاد الذي فرضه وباء «كوفيد - 19»، وتقلص كثير من النشاطات التي كنت أقوم بها، كتنظيم جلسات «الملتقى الثقافي» الذي أقيمه في بيتي كصالون أدبي، أو ما يتصل بمتابعة أمور «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، وبحكم وجودي في البيت، فلقد جعلت أعمل على فترتين صباحية ومسائية، ولكوني حال تسليم مادة كتابي: «لون الغد... رؤية الثقف العربي لما بعد كورونا»، بدأت العمل بمشروع يحمل منحى تاريخياً كويتياً، فلقد انشغلت بقراءة كثير مما يتعلق بالتعليم في الكويت، وعوالم «المدرسة المباركية» تحديداً، إضافة إلى شخصيات كويتية متصلة بها أمثال: عبد العزيز حسين، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، والشاعر الشعبي فهد بورسلي. خلافاً لذلك قرأت الكثير وكتبت عنه ومن بينه: «يومياتي الحزينة» للكاتب الياباني ياسوناري كاوباتا، ورواية «تزوجت شيوعياً» لفيلب روث، و«أسوار البلدة» لرائد إبراهيم، وبسبب من ضيق مساحة المقال، فإنني أقول: «أطرّي جفاف قلبي بشيء من الشعر، وبقدر ما يكون الشعر مصفّى بقدر ما أجدني مأخوذاً به، دون أن يكون للوقت حضور».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.