«كافيه مندلون» استراحة المحارب بعيداً عن شبح «كورونا»

وجهة اللبنانيين من سياسيين وإعلاميين وفنانين

جلسة في الخارج تناسب الالتزام  بالتباعد الاجتماعي والقانون الخاص بالسلامة
جلسة في الخارج تناسب الالتزام بالتباعد الاجتماعي والقانون الخاص بالسلامة
TT

«كافيه مندلون» استراحة المحارب بعيداً عن شبح «كورونا»

جلسة في الخارج تناسب الالتزام  بالتباعد الاجتماعي والقانون الخاص بالسلامة
جلسة في الخارج تناسب الالتزام بالتباعد الاجتماعي والقانون الخاص بالسلامة

على مرمى حجر من بحر بيروت، وعلى مسافة قريبة من العاصمة، يقع مقهى «كافيه مندلون» في منطقة ضبية الساحلية. يشكل هذا المقهى المساحة الآمنة للبنانيين بعيداً عن شبح «كورونا»؛ فهم يقصدون حديقة باحته الخارجية، ويستمتعون في جلسة مريحة بين الزهور والأشجار. وتطبق إدارة المقهى إجراءات التباعد الاجتماعي في الهواء الطلق، وسبل الوقاية المطلوبة في زمن الجائحة.
عند المدخل الرئيسي يقف أحد العاملين يقيس حرارة الزائر، ومن بعدها لا يُسمح له بالجلوس على الطاولة التي يختارها، بعد أن يجري تعقيمها مع كراسيها. تلفح أشعة الشمس هذا الركن، ليشكل استراحة المحارب لإعلاميين ورجال سياسة وفنانين. فهو المكان الأفضل لملاقاة أصدقائهم أو إجراء حوارات مسجلة ومتلفزة مع ضيوفهم من المشاهير.
الجميع هنا يشعر وكأنه في منزله؛ فلطافة فريق العمل وأجواء الاسترخاء التي تظلل المكان تفرض هذا الانطباع على زائر المقهى. وهو ما يجعل العلاقة بين الزبون و«كافي مندلون» وطيدة. ولمن يفضل الجلوس في الصالات الداخلية فقد وزّعت إدارة المقهى الطاولات، لتأخذ الجلسة طابعاً دافئاً، أو مطلة من البلكون على الحديقة.
لا وقت محدداً يقيّدك لزيارة «كافيه مندلون» في منطقة ضبية. فهو يفتح أبوابه من الثامنة والنصف صباحاً لغاية منتصف الليل. ولذلك يقصده من يرغب في تناول «ترويقة لبنانية» أو فرنسية، وكذلك من يحلم بارتشاف فنجان قهوة بعيداً عن كمامة تغطي ثغره وتلبكّه. أما في ساعات الغداء والعشاء، فيشهد المكان زحمة ملحوظة؛ فكما رجال الأعمال والأصدقاء هناك يومياً عائلات تقصده من مختلف مناطق لبنان. فموقعه الذي يربط ما بين بيروت والمتن ومنطقة كسروان يسهّل الوصول إليه بسرعة، عبر طريق داخلي موازٍ للطريق السريع الخارجي. وهو ما يوفّر على من يقصده الوقوع في زحمة سير خانقة. فهذا المقهى الشهير في شمال بيروت، ينبثق عن سلسلة مشهورة نشأت في منتصف السبعينات من قبل آل ضومط التي يديرها اليوم الابن شريف. يشتهر «مندلون كافيه» ببوفيه السلطات المعروضة أطباقه أمام الزبون وسط المقهى.
وقبل أن تدنو منه يطلب إليك في تعليمات مدونة أن ترتدي الكمامة وتحافظ على التباعد الاجتماعي بينك وبين الزبون الآخر. وهنا تبدأ رحلتك مع أصناف سلطات لذيذة يمكنها أن تفتح شهيتك على تناول الأكل، أو أن تكتفي بها كطبق رئيسي مغذّ، إذا كنت تتبع نظاماً غذائياً صحيّاً؛ فالقاعدة الذهبية المتبعة في تناول «Salad bar» ترتكز على صبّ الأصناف الموجودة أمامك، وإعادة الكرّة أكثر من مرة تحت عنوان «A gogo».
وبين الفتوش والتبولة والحمص بالطحينة والمتبل والفول المدمس والبليلة ومحشي السلق بالزيت والمدردة والباذنجان المشوي وما إلى هنالك من أنواع خضار تدخل على السلطات، يحار نظرك من أين تبدأ وكيف تنتهي.
فريق العمل جاهز دائماً ليقدّم لك الخدمة المطلوبة؛ فأفراده يقفون على طلباتك ليؤمنوها بأقصى سرعة، مما يجعل الخدمة في المقهى ممتازة.
ولأننا في زمن «كورونا» فقد ألغت إدارة المقهى أطباقاً تتألف من مكونات حساسة قد تتأثر طزاجتها بإجراءات الإقفال والفتح التي تفرضها الدولة اللبنانية في زمن الجائحة. وتأتي أطباق «سوشي» في مقدمتها، فهي تتألّف من لحوم سمك نيئة من الأفضل عدم المخاطرة في تناولها.
أما أطباق أوقات الغداء والعشاء، فتتراوح أصنافها بين الطبخ اللبناني والفرنسي والإيطالي. واتبع «مندلون كافيه» في جميع فروعه في ضبية والأشرفية اللائحة الافتراضية للطعام. فمع استخدام جهازك الخلوي تستطيع أن تحصل من على هذه اللائحة المرفقة.
أطباق البيتزا والهامبرغر وشرحات اللحم الفرنسية المغطسة بصلصات حسب الطلب، إضافة إلى عدد من أصناف السندويشات الأميركية واللبنانية هي بمتناول يديك عندما تهمّ في عرض طلبيتك على النادل.
وكذلك في إمكانك اختيار أطباق إيطالية أخرى تتراوح بين الباستا وسمك السلمون وكذلك شرائح الإسكالوب المنوعة من لحم البقر والدجاج. كما تحضر لائحة من أطباق «كيش» على طريقة المندلون، أو تلك التقليدية المعروفة بـ«لورين» المحشوة بالخضار والصعتر.
ومع أصناف الحلويات من «بنانا سبليت» و«شوكولا مو» والـ«ماكارون» الفرنسي مع ماء الورد وغيرها من أصناف المثلجات تنهي جلستك هذه بمسك الختام، على أمل العودة قريباً إلى هذه المساحة الآمنة في منطقة ضبية.
«مندلون كافيه» هو أكثر من مجرد مقهى بسيط. إنه مطعم ومتجر معجنات ومخبز وبوتيك عصري، يقدم مجموعة متنوعة من الحلويات والمأكولات المعبأة بشكل خاص. فلا يمكنك إلا أن تنظر إليها وتتخيل مذاقها فتدفعك إلى شرائها، وأنت في طريقك للخروج منه. كل ذلك يؤلف عنواناً واحداً لجلسة جميلة، لا بد أن تعود إليها بين وقت وآخر لأنك تشتاقها.



المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
TT

المطاعم و«إنستغرام»... قصة حب غير مكتملة

ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)
ديكورات جميلة ولكن مذاق الطعام عادي (إنستغرام)

في الماضي، كان الناس يخرجون لتناول الطعام في مطعمهم المفضل وتذوق طبقهم الألذ فيه، أما اليوم، وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي وتوفر كاميرا الهواتف الذكية في كل مكان وزمان، ونشر صور الطعام على منصات رقمية على رأسها «إنستغرام» أصبحت زيارة المطعم لالتقاط الصور ومشاركتها مع العالم، دون أكلها أحياناً. ولكن هل كل ما تأكله الكاميرا قبل المعدة لذيذ كما تراه في الصورة؟

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)

هناك فئة من المطاعم التي تحمل مصطلح «إنستغرامابل» Instagrammable وتعني أنها تبدو جميلة على صفحات «إنستغرام» نظراً للتركيز على شكل الأطباق وطريقة تقديمها واستخدام الألوان فيها، بعيداً عن التركيز عن النكهة والمنتج المستخدم فيها.

وفي دراسة نشرت أخيراً على موقع رقمي متخصص بأخبار المطاعم والطعام، تبين أن تصوير مأكولات (تبدو شهية مثل الكيك وأنواع الحلوى المنمقة) قد تزيد من نكهتها قبل أكلها، والسبب قد يعود إلى أن مقولة «العين تعشق قبل القلب أحياناً» صحيحة، وذلك لأن العين هنا تقع في حب الطبق قبل تذوقه، فقط بسبب الصور التي نلتقطها.

طبق شهير نشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام)

في الآونة الأخيرة، وفي تغير واضح في طريقة تصرف الذواقة في المطاعم أصبح التقاط صور الطعام أمراً مبالغاً به، لدرجة أنه أصبح من الضروري الاستئذان من الجالسين على طاولتك قبل مد يدك لتناول الأكل بسبب اهتمام بعضهم بالتقاط الصور ونشرها على الإنترنت، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل كل ما تلتقطه الكاميرا وينشر على الشبكة العنكبوتية يتمتع بنكهة لذيذة توازي الشكل الجميل؟

ديكورات تلفت الانظار والمهتمين بنشر صور المطاعم (إنستغرام)

هذا السؤال يذكرني بحادثة وقعت معي، بعدما تحمست لزيارة أحد المطاعم الإيطالية في لندن، بعد رؤية العديد من المؤثرين ينشرون صوراً لثمار البحر يسيل لها اللعاب، فقررت الذهاب وتذوق تلك التحف الصالحة للأكل، وللأسف انتهى الحماس بمجرد تذوق أول لقمة من طبق الأسماك المشكلة الذي جئت حالمة بصورته وتذوقه، فالمذاق لم يكن على المستوى الذي توقعته، خاصة أن لائحة الانتظار للحصول على حجز في ذلك المطعم طويلة مما اضطرني للتكلم مع المدير المسؤول في هذا الخصوص، والاعتراض على نوعية المنتج.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)

الأكل في أيامنا هذه بالنسبة للأجيال الصاعدة مثل «جين زي» وجيل الألفية يعدّ نوعاً من التعبير عن المكانة الاجتماعية والمادية، فنشر صور الأكل بالنسبة لهم يتعدى مفهوم التهام الطعام والتمتع بمذاقه، وإنما يكون نوعاً من المفاخرة والتباهي في أوساط مجتمعاتهم ومعارفهم.

فالطعام نوعان؛ الأول يركز على المذاق والنكهة، أما الثاني فيعتمد على التصميم الخارجي، تماماً مثل ما حصل مع دوناتس قوز القزح، أقراص الحلوى التي غزت الإنترنت وشبكة التواصل الاجتماعي، وسميت بـRainbow Food Craze فكل من تذوق هذه الحلوى بوصفة الدونات المعدلة والمبتكرة قال إن النوع التقليدي يتمتع بمذاق ألذ بكثير.

تاباس أسماك (إنستغرام)

هناك عدد من المطاعم حول العالم التي تشتهر بتقديم أطباق جميلة وجذابة بصرياً على «إنستغرام»، لكنها ليست بالضرورة لذيذة. غالباً ما يكون الهدف من هذه المطاعم هو جذب الانتباه من خلال الإبداع في العرض وتنسيق الألوان والتفاصيل الجمالية، ولكن عند تذوق الطعام قد يكون الطعم عادياً أو غير مميز.

فيما يلي بعض الأمثلة التي تُذكر عادة في هذا السياق، مثل مطعم «ذا أفو شو» في أمستردام المعروف بتقديم يعتمد بشكل كامل على الأفوكادو بطريقة مبهرة وجميلة، إنما هناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الطعم لا يرقى إلى مستوى العرض البصري.

صور الطعام قد تكون خادعة في بعض الاحيان (انستغرام)cut out

أما مطعم «سكيتش» في لندن ويعدّ من المطاعم ذائعة الصيت والمميز بديكوراته الجميلة وألوانه الزاهية، فهناك آراء كثيرة حول مذاق أطباقه الذي لا يكون على قدر التوقعات العالية التي يولدها المظهر الفاخر.

ومطعم «شوغر فاكتوري» في الولايات المتحدة الذي يملك فروعاً كثيرة، وشهير بحلوياته ومشروباته المزينة بألوان مشرقة على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يصفونه بأنه مجرد «سكر على شكل جميل»، ولا يقدم شيئاً مميزاً من حيث المذاق.

«إيل أند أن كافيه» في لندن، وهو غني عن التعريف، خاصة أنه من أكثر المطاعم التي تنشر صورها على «إنستغرام»، ومن بين أول المطاعم التي استخدمت أسلوب الديكور الذي يعتمد على الورود، فهناك من يعتقد أن أكله ليس جيداً على عكس الصور التي تنشر هنا وهناك.

برغر سمك في "فيش إند بابلز " (إنستغرام)cut out

«فيش أند بابلز» Fish & Bubbles الواقع في نوتينغ هيل بلندن، من المطاعم الإيطالية التي انتشرت بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والصور والفيديوهات التي نشرها المؤثرون جرّت الكثير للذهاب إلى المطعم وتذوق ثمار البحر كما رأوها في الصور، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك؛ لأن المذاق أقل من عادي والأسماك ليست طازجة، ومن زار هذا المكان فلن يزوره مرة ثانية.

ولمحبي البرغر فقد أغرتهم الصور في مطعم «بلاك تاب كرافت برغرز» في نيويورك بعد الشهرة التي حصل عليها على «إنستغرام»، إلا أن الكثير من الزبائن يجدون أن النكهات عادية، ولا تتناسب مع الشهرة التي حصل عليها على الإنترنت. ولا يتفق الكثير من الذين زاروا «سيريال كيلار كافيه» Celear Killer Café في كامدن تاون بلندن، الذي يقدم حبوب الإفطار بألوان زاهية وتنسيقات مبتكرة تجعلها مثالية للصور، أن الطعم يوازي روعة الصور، مما عرّض المقهى للكثير من الانتقادات، خاصة أنه ليس رخيصاً.

لائحة أسماء المطاعم التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي لتسويق أطباقها التي لا ترتقي للجودة المطلوبة لا تنتهي، والسبب وفي عصرنا هذا هو التسويق البصري والجذب السريع للزبائن، حيث يعتمد هذا النوع من التسويق بشكل كبير على الصور والفيديوهات القصيرة، خاصة على منصات مثل «إنستغرام» و«تيك توك». الأشخاص يتأثرون بالصور الجميلة والجذابة أكثر من أي شيء آخر. لذلك، عندما تكون الأطباق مصممة بشكل جميل ومبهج، يسارع الناس إلى تصويرها ونشرها، مما يوفVر للمطعم تسويقاً مجانياً وانتشاراً واسعاً.V

الكثير من الزبائن في يومنا هذا يسعون إلى أماكن مثالية لتصوير أطباقهم ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض المطاعم تلبي هذا الاحتياج عبر تقديم أطباق مبهجة بصرياً، مما يجعل المطعم وجهة مفضلة رغم أن الطعم قد يكون عادياً.

في السنوات الأخيرة، بدأ الطعام يُعامل بوصفه نوعاً من الفنون البصرية. فهناك اتجاه كبير نحو تقديم الطعام بطريقة إبداعية وفنية، مما يجعل من الصعب أحياناً التوفيق بين الطعم والتصميم. فالبعض يرى أن تصميم الطبق الجميل يستهلك جهداً كبيراً قد يطغى على الاهتمام بالتفاصيل المتعلقة بالطعم.

ولكن، وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ويبقى هذا النوع من المطاعم التي تهتم بالشكل والديكور وطريقة تقديم الأطباق لتشد الكاميرا وتتحول إلى صور يتهافت عليها الزبائن حالة خاصة؛ لأنها ستكون مؤقتة وستجذب الزبون مرة واحدة على عكس المطاعم التي تعتمد على جودة المنتج ونوعية الطعام وطعمه. كما أنه لا يجوز وضع المسؤولية كاملة على كاهل المطاعم إنما يتحمل أيضاً الزبون وبعض المؤثرين المسؤولية في تضليل الرأي العام، والتسويق لمطعم لا يستحق الشهرة والانتشار.