حصاد العام الثقافي (1 - 3): الثقافة السعودية 2020: الإبداع يقهر الوباء

الجائحة لم تنجح في إدخالها «دائرة الحجْر»

انطلاق نشاط مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض
انطلاق نشاط مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض
TT

حصاد العام الثقافي (1 - 3): الثقافة السعودية 2020: الإبداع يقهر الوباء

انطلاق نشاط مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض
انطلاق نشاط مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض

للمرة الأولى في التاريخ، يتشابه العالم كله. فيروس لئيم فرض عليه بؤساً وعزلة وحجراَ في البيوت، تجنباً لتسلله المميت في أي غفلة. حياة مضطربة لاهثة، تصارع من أجل البقاء، حتى تتجنب تسلله المميت في أي غفلة. ومع تصاعد وتيرته وسقوط آلاف الضحايا، وفرض الدول الحظر والغلق وتقنين التجول، انحسر كل شيء معاً وفي كل أرجاء المعمورة الرحبة. وإذا كانت بعض القطاعات الاقتصادية الصناعية والتجارية والخدمية قادرة على احتساب خسائرها المادية، فإن الخسارة الثقافية لا يمكن سبرها بالنسبة للقارئ، ومنتجي القيم المعنوية والروحية، على حد سواء. ومع ذلك، تحايلت المؤسسات، الفردية والحكومية، والجمعيات والنوادي المختصة، على هذا الفيروس الرهيب بابتكار وسائل متعددة نجحت نسبياً في التقليل من حجم الخسارة، وتعويض بعض الضرر، كما في معظم بلدان العالم، ومنها البلدان العربية.
أصابت جائحة «كورونا» المستجد النشاط الثقافي في عام 2020، لكنها لم تنجح في شل حركته أو إدخاله دائرة «الحجر»، مثلما دخل ملايين البشر، وبينهم المثقفون.
في عام 2020، تمّ إيقاف وتأجيل العديد من الفعاليات المهمة، مثل معرض الرياض الدولي للكتاب، وهو من أهم المعارض عربياً، وكان من المقرر أن يقام في واجهة الرياض خلال الفترة من 2 إلى 11 أبريل (نيسان) 2020.
كما تمّ تأجيل المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) إلى الربع الأول من عام 2021، وقد كان مقرراً إقامته في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وكذلك تأجيل مهرجان «الأعشى»، الذي يحتفي بالشاعر العربي في مسقط رأسه، وكان من المقرر إقامته في منفوحة بالرياض خلال الفترة من 21 مارس (آذار) إلى 20 أبريل (أبريل) 2020.
وأعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة السعودية تأجيل «ملتقى الترجمة» بسبب الاحترازات الصحية المرافقة لوباء «كورونا»، وكان من المقرر إقامته في مركز المؤتمرات بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض خلال الفترة من 19 إلى 21 مارس (آذار) 2020.
الثقافة في العزلة
منذ أبريل (نيسان) 2020، أطلقت وزارة الثقافة السعودية، مجموعة مبادرات لتحويل فترة الحجر الصحي إلى موسم إنتاج ثقافي، حيث أطلقت خلال فترة العزل مجموعة من المبادرات والأنشطة الثقافية المتنوعة التي تمنح أفراد المجتمع متنفساً ثقافياً إبداعياً من داخل منازلهم، وفي أجواء تفاعلية وتنافسية.
وشملت المبادرات التي حملت شعار «الثقافة في العزلة» مجالات ثقافية متنوعة، من بينها المسرح والأدب والترجمة والقراءة والأفلام وغيرها من المجالات، وجاءت مبادرة «أدب العزلة» كإحدى هذه المبادرات، وهدفت إلى تحفيز المواهب الأدبية للكتابة خلال فترة العزل الوقائي والتعبير عن المشاعر الداخلية بقوالب مختلفة من قصص وروايات ويوميات ونصوص.
وحظي المسرح بمساحة مهمة من مبادرات «الثقافة في العزلة» حيث أعلن المسرح الوطني التابع للوزارة عن تنظيم مسابقة التأليف المسرحي، فيما نظمت الوزارة مبادرة «ماراثون القراءة»، وذلك لتحفيز جميع أفراد المجتمع على القراءة وتشجيعهم على مشاركة ما يقرأونه عبر منصة إلكترونية مخصصة، ووفق مسارين رئيسيين هما مسار «القارئ الصغير» ومسار «القارئ الكبير».
«مهرجان أفلام السعودية»
ومن الفعاليات المهمة التي شهدتها السعودية خلال فترة الحجر الصحي، تنظيم «مهرجان أفلام السعودية» في الظهران، في الأول من سبتمبر (أيلول) 2020، حيث تحوّل المهرجان الذي نظمته «جمعية الثقافة والفنون» بالدمام، بالشراكة مع «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي» بالظهران (إثراء)، وبدعم من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة، في دورته السادسة إلى العالم الافتراضي، وتمّ نقل فعالياته جميعاً من خلال المنصات الإلكترونية عبر الإنترنت، وقناة «يوتيوب»، عرض المهرجان 54 فيلماً، بينها 32 فيلماً روائياً، و13 فيلماً وثائقياً، و17 فيلماً من أفلام الطلبة. وتضمن ورشتين، و5 ندوات، و90 فعالية مختلفة.
«جمعية الثقافة والفنون» بالدمام، نجحت في ظل الإغلاق الصحي، في 20 أغسطس (آب) 2020، بتنظيم معرض «الفيديو آرت» الذي شاركت فيه 17 دولة، وتضمن 10 جلسات حوار لمشاركين من 6 دول عربية قدّموا تجارب في «الفيديو آرت»، وثلاث ورش تفاعلية. كما نظمت الجمعية «ملتقى الدمام الثالث للنص المسرحي»، شارك فيه 21 كاتباً مسرحياً من 9 دول (الأول من يوليو «تموز» 2020)، ونظمت «ملتقى الدمام الموسيقي»، وملتقى «الحكواتي» في رمضان، مع استمرار برامج «بيت السرد» و«قراءة الكتب»، وقامت بتنظيم ملتقى «السرد النقدي»، عبر «أون لاين».
نادي الباحة الأدبي الثقافي (جنوب السعودية) نظم فعاليات متنوعة، بينها «ملتقى المسرح»، في دورته الأولى، وتمّ فيه تكريم 17 رائداً من رواد المسرح السعودي، واشتمل على تقديم ثلاثة عروض مسرحية، و11 جلسة نقدية.
وأقام النادي خمسة ملتقيات: للرواية العربية، ومهرجان الشعر العربي، ومهرجان شعر عبر الفضاء الإلكتروني، وملتقى القصة.
إنشاء 11 هيئة ثقافية
من ناحية أخرى، استفتحت الثقافة السعودية عام 2020 بقرار مجلس الوزراء (في 4 فبراير «شباط» 2020) 11 هيئة ثقافية جديدة وتفويض وزير الثقافة، بممارسة اختصاصات رئاسة مجالس إداراتها.
الهيئات تمثل نقلة في هيكلة القطاع الثقافي، حيث ستتولى مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، وتكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد، وهي تتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيمياً بوزير الثقافة.
والهيئات الجديدة هي: هيئة الأدب والنشر والترجمة، وهيئة الأزياء، وهيئة الأفلام، وهيئة التراث، وهيئة فنون العمارة والتصميم، وهيئة الفنون البصرية، وهيئة المتاحف، وهيئة المسرح والفنون الأدائية، وهيئة المكتبات، وهيئة الموسيقى، وهيئة فنون الطهي.
انطلاق المسرح الوطني
في حفل كبير، انطلق في 28 يناير (كانون الثاني) 2020، نشاط مبادرة المسرح الوطني في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض، بحضور مجموعة من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالفنون المسرحية من المملكة والعالم العربي، إلى جانب جمهور من مختلف شرائح المجتمع، في حفل شهد عرضاً لاستراتيجية المسرح الوطني وكشفاً لرؤيته وأهدافه.
«سمبوزيوم طويق الدولي للنحت»
في 30 يناير (كانون الثاني) 2020، اختتمت النسخة الثانية من فعاليات «سمبوزيوم طويق الدولي للنحت» بحفلٍ أقيم في حي السفارات بالرياض، وتمّ فيه تكريم الفنان السعودي علي الطخيس تقديراً لجهوده الكبيرة في خدمة فن النحت السعودي طيلة أربعين عاماً.
وشهد «سمبوزيوم طويق الدولي» للنحت مشاركة 20 فناناً من مختلف دول العالم صنعوا منحوتاتهم.
أول مكتبة بصرية للنشاط الثقافي
في 25 فبراير 2020، أطلقت وزارة الثقافة مشروع «13 - 16»، وهو مشروع يؤسس لمكتبة بصرية للنشاط الثقافي السعودي، ويهدف إلى توثيق جميع مظاهر الثقافة في مناطق المملكة عبر التسجيل الميداني للحراك الثقافي والفني في المدن والمحافظات السعودية باختلاف أنواعه وتوثيقه بالصور الفوتوغرافية والفيديو، في بادرة تُعدّ الأولى من نوعها في المملكة بهذا الشمول والتنوع.
«دار القلم» تحمل اسم ولي العهد
في 27 أبريل (نيسان) 2020، تمت الموافقة على إطلاق اسم الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، على مركز «دار القلم» في المدينة المنورة، ليكون باسم «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي»، بناءً على طلبٍ تقدم به وزير الثقافة.
مؤسسة لتنظيم بينالي عالمي
في 31 مايو (أيار) 2020، تم الإعلان عن إنشاء مؤسسة «ثنائيات الدرعية» المعنية بالفنون المعاصرة، التي تم تصميمها لتكون المسؤولة عن تنظيم بينالي سنوي في المملكة يتم التناوب فيه بين معرضٍ للفنون المعاصرة ومعرضٍ للفنون الإسلامية.
«الحالة الثقافية في المملكة»
في 10 يونيو (حزيران) 2020، أصدرت وزارة الثقافة النسخة الأولى من تقرير «الحالة الثقافية في المملكة»، وهو عبارة عن نتائج دراسة بحثية أجرتها لمعرفة واقع القطاع الثقافي السعودي تحت عنوان «تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2019م: ملامح وإحصائيات». وتضمن سرداً شاملاً للمعلومات والأرقام والوقائع المرتبطة بالقطاعات الثقافية الـستة عشر التي اعتمدتها وزارة الثقافة في وثيقة رؤيتها وتوجهاتها، والتي تتحرك فيها بوصلة الإبداع السعودي.
وفي 17 من الشهر ذاته، تم نشر النسخة الكاملة من تقرير «الحالة الثقافية في المملكة».
80 مهنة ثقافية
في 17 يونيو (حزيران) 2020 وافق مجلس الوزراء السعودي على إدراج أكثر من 80 مهنة ثقافية ضمن التصنيف السعودي الموحّد للمهن الجديد، في خطوة تُعدّ الأولى في تاريخ المملكة، ستمنح الناشطين والناشطات في الصناعة الثقافية صفة اعتبارية لدى المجتمع والمؤسسات الحكومية والأهلية.
تطوير المكتبات بمفهوم ثقافي شامل
في 18 يونيو (حزيران) 2020، أطلق وزير الثقافة مبادرة تطوير المكتبات العامة، بمفهوم ثقافي شامل، التي ستتولى إدارتها هيئة المكتبات، وستعمل من خلالها على تحويل المكتبات العامة إلى منصاتٍ ثقافية بمفهوم اجتماعي شامل وحديث، تلتقي فيه جميع أنماط الإبداع الثقافي، ويجد فيه الأفراد من مختلف شرائح المجتمع ما يمنحهم المعرفة والمشاركة والتفاعل في تجربة ثقافية متكاملة.
الجوائز الثقافية الوطنية
في 30 يونيو (حزيران) 2020، أطلقت وزارة الثقافة مبادرة «الجوائز الثقافية الوطنية» وتقدمها وزارة الثقافة لتكريم المبدعين في المجال الثقافي السعودي، وفي مختلف الأفرع الثقافية، متضمنة 14 جائزة ثقافية سيتم منحها بشكل سنوي لأهم الإنجازات الثقافية التي يحققها الأفراد السعوديون أو المؤسسات الناشطة في المملكة. وتتوزع الجوائز إلى جائزة شخصية العام الثقافية، جائزة الثقافة للشباب، جائزة المؤسسات الثقافية، بالإضافة إلى جائزة الأفلام، جائزة الأزياء، جائزة الموسيقى، جائزة التراث الوطني، جائزة الأدب، جائزة المسرح والفنون الأدائية، جائزة الفنون البصرية، جائزة فنون العمارة والتصميم، جائزة فنون الطهي، جائزة النشر، جائزة الترجمة.
برنامج الابتعاث الثقافي
في 20 يوليو 2020 أعلن أن عدد المرشحين والمرشحات للانضمام لبرنامج الابتعاث الثقافي بمساراته الثلاثة بلغ 1157 مرشحاً ومرشحة، وذلك من مجمل الطلبات المقدمة على مسارات البرنامج الثلاثة.
متحف «طارق عبد الحكيم»
في 17 أغسطس 2020، تم الإعلان عن إنشاء متحف موسيقي خاص بالفنان الراحل طارق عبد الحكيم في مدينة جدة البلد، وبمحتويات تُعبّر عن ثراء التاريخ الموسيقي المحلي وإسهامات الفنان الراحل في مسيرة الفن في المملكة.
وسيفتتح المتحف في أواخر عام 2022، وسيقام بشكل دائم في بيت المنوفي بمنطقة البلد التاريخية المسجلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي في عام 2014.
ويتضمن المتحف مجموعة من أرشيف ومتعلقات طارق عبد الحكيم الشخصية، من آلات موسيقية وبكرات لتسجيلاته، وألبومات صور، وبعض المقطوعات الموسيقية لكبار المطربين العرب، مثل أم كلثوم وعبد الوهاب، إلى جانب وثائق مرئية وصوتية لطارق عبد الحكيم، وهو يؤدي مؤلفاته مع آخرين، ومؤلفاته الموسيقية من الأناشيد الوطنية وغيرها.
«قاعدة البيانات الثقافية»
في 2 سبتمبر (أيلول) 2020، أعلنت وزارة الثقافة عن استبيان لمنسوبي القطاع الثقافي السعودي تحت عنوان «قاعدة البيانات الثقافية» لتسجيل جميع القوى والكوادر الفاعلة في القطاع، وتسجيل بياناتها المهنية والشخصية، ولتحقيق أعلى مستوى من التواصل مع جميع الفنانين والمثقفين في مختلف التخصصات الإبداعية التي تشمل الأفلام، واللغة والترجمة، والكتب والنشر، والموسيقى، والمسرح والفنون الأدائية، والأدب، والفنون البصرية، والأزياء، والمكتبات، والتراث، والمتاحف، وفنون العمارة والتصميم، وفنون الطهي.
مجمع الملك سلمان العالمي
للغة العربية
في 2 سبتمبر (أيلول) 2020، وافق مجلس الوزراء السعودي على تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، لإبراز مكانة اللغة العربية وتفعيل دورها إقليمياً وعالمياً، وتعزيز قيمتها المعبرة عن العمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية.
وسيعمل المجمع على إحياء روح الاعتزاز بالهوية الثقافية العربية، وتشمل أنشطته دعم تطبيقات ومنتجات وأبحاث اللغة العربية في المملكة والعالمين العربي والإسلامي.
أول متحف إبداعي عن النفط
في 9 سبتمبر (أيلول) 2020، أعلنت وزارتا الثقافة والطاقة عن إطلاق أول متحف دائم عن النفط بالشراكة مع مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية تحت عنوان «متحف الذهب الأسود»، وسيقام في يوليو (تموز) عام 2022، في مقر المركز بالرياض، بمشاركة فنانين من مختلف دول العالم.
السعودية في عضوية
لجنة التراث الثقافي باليونيسكو
في 10 سبتمبر (أيلول) 2020، انتخبت السعودية من قبل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، لعضوية لجنة التراث الثقافي غير المادي، وذلك أثناء انعقاد الجمعية العامة الثامنة للدول الأطراف في اتفاقية صوْن التراث الثقافي غير المادي التي أقيمت في مقر «اليونيسكو» بالعاصمة الفرنسية (باريس) بحضور ممثلي 178 دولة.
اكتشافات أثرية تعود لأكثر
من 120 ألف سنة
في 16 سبتمبر (أيلول) 2020، تم الإعلان عن اكتشاف فريق سعودي دولي مشترك لآثار أقدام لبشر وفيلة وحيوانات مفترسة حول بحيرة قديمة جافة على أطراف منطقة تبوك يعود تاريخها إلى أكثر من 120 ألف سنة من الآن.
وأكد الرئيس التنفيذي لهيئة التراث الدكتور جاسر بن سليمان الحربش أن هذا الاكتشاف الأثري الجديد والمهم يمثل الدليل العلمي الأول على أقدم وجود للإنسان على أرض الجزيرة العربية، كما أنه يقدم لمحة نادرة عن بيئة الأحياء أثناء انتقال الإنسان لهذه البقعة من العالم.
متحف «البحر الأحمر»
في 20 سبتمبر (أيلول) 2020، أعلن عن إنشاء متحف البحر الأحمر في مبنى «باب البنط» بجدة التاريخية، الذي سيُفتتح في أواخر عام 2022، متضمناً مقتنيات ومخطوطات وصوراً وكتباً نادرة، تحكي في مجموعها قصة «مبنى البنط» التراثي بوصفه نقطة اتصال تاريخية بين سكان ساحل البحر الأحمر والعالم، ومدخلاً رئيسياً للحجاج والتجار والسياح إلى مدينة جدة.
اجتماع وزراء الثقافة
في مجموعة «العشرين»
في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بتنظيم من وزارة الثقافة السعودية، عقد وزراء الثقافة في دول مجموعة العشرين اجتماعاً افتراضياً، أكدوا خلاله دعم الاقتصاد الثقافي العالمي، وتعزيز دوره، عبر اجتماعات سنوية تقام أثناء انعقاد قمم دول مجموعة «العشرين»، وأكدوا التزامهم بدعم الجهود الساعية للمحافظة على التراث الطبيعي في العالم، ومن ضمنه التراث المغمور تحت المياه.
وحمل الاجتماع شعار «نهوض الاقتصاد الثقافي: نموذجٌ جديد»، وناقش فيه وزراء الثقافة ومسؤولون من منظماتٍ دولية المحافظة على التراث والتنمية المستدامة والثقافة بصفتها محفزاً على النمو الاقتصادي، وركز الحوار على توظيف التكنولوجيا الحديثة وتطوير المنصات الرقمية من أجل التعبير الفني وتسهيل الوصول إلى المصادر الثقافية.
«حاضنة الأزياء»
في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2020، أطلقت وزارة الثقافة «برنامج حاضنة الأزياء» الذي يُعدّ الأول من نوعه في المملكة لدعم روّاد الأعمال والمواهب في قطاع الأزياء والقطاعات ذات العلاقة وتطوير منتجاتهم.

تعيينات ثقافية
> في 9 فبراير (شباط) 2020، عين وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، الروائي محمد حسن علوان رئيساً تنفيذياً لهيئة الأدب والنشر والترجمة.
كما عيّن في 12 فبراير (شباط) 2020، ميادة بدر رئيساً تنفيذياً لهيئة فنون الطهي، وهي خريجة المدرسة الدولية «كوردون بلو» في باريس، كما تدربت تحت إشراف طهاة معروفين دولياً.
في 19 فبراير (شباط) 2020، تم تعيين الدكتور ستيفانو كاربوني رئيساً تنفيذياً لهيئة المتاحف، ويُعد كاربوني من المتخصصين في مجال المتاحف، وسبق له أن تولى إدارة العديد من المتاحف والمعارض الفنية في العالم، وعمل في متحف متروبوليتان في نيويورك لمدة 16 سنة، خلال الفترة من 1992 إلى 2008، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية والفن الإسلامي من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن عام 1992.
وفي 16 فبراير (شباط) 2020، عيّن وزير الثقافة سلطان البازعي رئيساً تنفيذياً لهيئة المسرح والفنون الأدائية.
وفي 23 فبراير (شباط) 2020، تمّ تعيين جهاد الخالدي رئيسة تنفيذية لهيئة الموسيقى، وتتمتع الخالدي بخبرات في المجال الموسيقي تمتد لأكثر من 33 سنة، حيث كانت تعمل عازفة كمان ضمن الأوركسترا المصرية لمدة 8 سنوات، كما حصلت على درجة البكالوريوس في عزف الكمان وفي نظرية الموسيقى من المعهد العالي للموسيقى في القاهرة، إلى جانب خبرتها ومعرفتها الإدارية.
في 26 فبراير (شباط) 2020، تم تعيين عبد الرحمن العاصم رئيساً تنفيذياً لهيئة المكتبات.
وفي 8 أبريل (نيسان) 2020، كلّف وزير الثقافة الدكتور جاسر الحربش رئيساً تنفيذياً لهيئة التراث.
وفي 30 أبريل (نيسان) 2020، عين وزير الثقافة الدكتورة سمية السليمان رئيسة تنفيذية لهيئة فنون العمارة والتصميم.
وفي 7 يونيو (حزيران) 2020، عيّن وزير الثقافة المهندس عبد الله آل عياف القحطاني رئيساً تنفيذياً لهيئة الأفلام.
في 7 يوليو (تموز) 2020، تمّ تعيين دينا أمين رئيسة تنفيذية لهيئة الفنون البصرية
وهي من الخبرات السعودية المتخصصة في الفنون البصرية أكاديمياً ومهنياً، وحاصلة على درجة البكالوريوس في تاريخ الفنون والهندسة المعمارية من كلية ولزلي بولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.