الراعي: التغيير بات ملحاً لوقف مسيرة الانهيار الوطني

انتقادات للتأخر في تأليف الحكومة

البطريرك الراعي مترئساً قداس الميلاد (الوكالة الوطنية)
البطريرك الراعي مترئساً قداس الميلاد (الوكالة الوطنية)
TT

الراعي: التغيير بات ملحاً لوقف مسيرة الانهيار الوطني

البطريرك الراعي مترئساً قداس الميلاد (الوكالة الوطنية)
البطريرك الراعي مترئساً قداس الميلاد (الوكالة الوطنية)

أكد البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس (الجمعة) أن «التغيير بات أمراً ملحاً من أجل وقف مسيرة الانهيار الوطني»، منتقداً عجز السلطة اللبنانية عن التوصل إلى اتفاق بشأن تأليف الحكومة، ومعتبراً أنه «إذا كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمصيبة عظيمة؛ لأنها تكشف عدم المسؤولية، وإذا كانت أسبابها خارجية فالمصيبة أعظم؛ لأنها تفضح الولاء لغير لبنان».
وحضرت الانتقادات للسلطة اللبنانية أمس في احتفالات عيد الميلاد، بسبب العجز عن تشكيل حكومة ينتظرها اللبنانيون وتنفذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي، بغية استدراج المساعدات الدولية. وأمل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري أمس، أن «يلهم الله البعض لنتوصل إلى حكومة قادرة على وقف الانهيار، وبدء ورشة إعمار ما هدمه انفجار المرفأ».
وبغياب رئيس الجمهورية ميشال عون للمرة الأولى عن قداس الميلاد، بسبب الظروف الصحية الراهنة، وتداعيات جائحة «كورونا»، قال البطريرك الراعي: «إننا توقعنا أن تعزز مكافحة الفساد وحدتنا الوطنية، فتفاجأنا بها تهز هذه الوحدة، وتعيد البلاد إلى مراحل سابقة طويناها». وأضاف: «توقعنا أن يؤدي التحقيق القضائي المستقل في تفجير المرفأ إلى مزيد من اللحمة الوطنية، فتفاجأنا بتحوله صراعاً بين القضاء والأجهزة الأمنية والمؤسسات الدستورية».
وقال الراعي: «توقعنا أن تتهافت السلطة السياسية إلى تلقف توصيات المؤتمرات الدولية ومساعدات الدول المانحة، وتبدأ في مشروعات الإصلاح للجم الانهيار، فتفاجأنا بتعطيل خطط الإصلاح وإجهاض المبادرات الدولية والمؤتمرات التي انعقدت من أجل نهوض لبنان»، كما «توقعنا أن يسرع المسؤولون في تأليف حكومة تكون بمستوى التحديات من أجل إحياء الدولة والمؤسسات واتخاذ القرارات، فتفاجأنا بوضع شروط وشروط مضادة ومعايير مستحدثة، وبربط تأليف حكومة لبنان بصراعات المنطقة والعالم، فبتنا من دون سلطة إجرائية دستورية، وازداد الانهيار».
وأكد الراعي أنه «إذا كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمصيبة عظيمة؛ لأنها تكشف عدم المسؤولية، وإذا كانت أسبابها خارجية فالمصيبة أعظم؛ لأنها تفضح الولاء لغير لبنان»، لافتاً إلى أنه «في الحالتين يشعر الشعب بأن التغيير بات أمراً ملحاً من أجل وقف مسيرة الانهيار الوطني». وسأل: «أي ضمير يسمح بربط إنقاذ لبنان بصراعات لا علاقة لنا بها، لا من قريب ولا من بعيد؟».
وأشار إلى الراعي إلى أنه تمنى على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف «أن يشكلا فريقاً واحداً يعلو على جميع الأطراف ويتحررا، ولو موقتاً، من جميع الضغوط، ويتعاونا في تشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسيين، فيكسبا ثقة الشعب والعالم وينهضا بلبنان، ويصبحا مضرب مثل في تجديد الشراكة الوطنية؛ لكن تمنياتنا اصطدمت بابتداع البعض شروطاً لا محل لها في هذه المرحلة، ولا مبرر لها في حكومة اختصاصيين». وقال: «لا بد من مصارحة الشعب التي هي ميزة المسؤولين في الأزمات المصيرية. وأي أزمة أعظم من هذه الأزمة؟».
- المطران عودة
وفي السياق نفسه، وجَّه متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة انتقادات إلى السياسيين اللبنانيين، مؤكداً أن «وطننا في مأزق باعتراف الجميع. قدراته المالية تستنزف يومياً، والمخاطر الأمنية محدقة باعتراف العارفين، وشعبه يمات يومياً، وهو يصرخ مستغيثاً، وليس من يسمع ممن في يدهم القرار»، متسائلاً: «إلى متى هذا التجاهل؟ ولم التباطؤ في اتخاذ القرارات الضرورية وأولها تشكيل حكومة؟».
وأكد عودة أن «الوقت ليس وقت المناكفات وتصفية الحسابات. إنه وقت العمل الحثيث من أجل إنقاذ هذا البلد. الشعب غير مهتم بالتباينات التي تفرق المسؤولين والتعقيدات التي تعترضهم. الشعب لا يريد إلا العيش الهانئ الكريم والآمن، في ظل دولة عادلة تحمي حياته وحقوقه».
ويتبادل الأفرقاء الاتهامات حول المسؤولية من العجز عن تأليف الحكومة، وقال عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، عبر حسابه على «تويتر»، إن «الحسابات والرهانات الخارجية، إضافة إلى الأنانيات الفئوية لمن هم في السلطة، حرمت اللبنانيين من عيدية منتظرة بتشكيل حكومة إنقاذية».
وفي سياق متصل، حذر المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، من أن «لعبة خداع اللبنانيين وغشهم بأن الصراع السياسي هو من أجلهم ولأجلهم قد انفضحت، وما يمر به البلد والدولة والمؤسسات بكل تلاوينها، ويشهده اللبنانيون بكل انتماءاتهم، يؤكد أن هذه الطبقة السياسية نهبت الدولة وضيعت حقوق اللبنانيين جميعاً، مسلمين ومسيحيين، ولا تزال مصرة على نهجها التعطيلي وسلوكها المشبوه ونفاقها الموصوف، وغير مستعدة لإصلاح ولا لتغيير؛ لأن مشروعها أبعد من تأليف حكومة وإنقاذ بلد». وأكد الحرص على أن يرقى التعايش الإسلامي المسيحي إلى «مستوى الأخوة اللبنانية وليس الشراكة الوطنية فحسب». وقال: «لا حل في لبنان إلا بدولة مواطنة عادلة وحكومة وطنية إنقاذية، فالوقت ليس في صالح أحد، والوضع الاجتماعي مهدد، ونيران المنطقة مستعرة، والغضب الشعبي يكاد يخرج على السيطرة»، داعياً إلى «إدراك لبنان قبل أن تلتهمه حرائق الفوضى والانهيار».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.