«كوفيد ـ 19» يسلّط الضوء على اتساع الصدوع بين الفقراء والأغنياء

«كوفيد ـ 19» يسلّط الضوء على اتساع الصدوع بين الفقراء والأغنياء
TT

«كوفيد ـ 19» يسلّط الضوء على اتساع الصدوع بين الفقراء والأغنياء

«كوفيد ـ 19» يسلّط الضوء على اتساع الصدوع بين الفقراء والأغنياء

وضع «كوفيد - 19» الأمم المتحدة عند منعطف حرج. أثار تساؤلات قلقة بين مسؤوليها الكبار حيال عواقب السباق المحموم بين الدول القليلة المتمكّنة والغنيّة نحو إنتاج أو شراء لقاحات شافية من الفيروس القاتل، مقابل مخاوف في محلّها من عدم قدرة الغالبية الساحقة من البلدان النامية وفقراء العالم على العبور بأمان من الجائحة التي أدت إلى أزمة صحية عالمية «لا تحصل إلا مرة في كل قرن»، طبقاً لما خلص إليه المدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدانوم غبريسيوس.
يستعين غبريسيوس وغيره من المسؤولين الدوليين بالمؤرخ الأميركي جون باري الذي أصدر عام 2004 كتاباً بعنوان «الإنفلونزا الكبرى: قصة الجائحة الأكثر فتكاً في التاريخ»، وهو الأشمل عن «الإنفلونزا الإسبانية» (تسمّى أيضاً «جائحة 1918»)، من أجل تكوين فهم أفضل لانعكاسات جائحة فيروس «كورونا» وآثارها المحتملة على الأنظمة المعاصرة لتقديم المساعدات الإنسانية، من غذائية وطبية، في مناطق النزاعات أو الأزمات أو الكوارث. اتسم وباء الإنفلونزا لعام 1918 بقسوة حادة. قتل ما بين 50 مليوناً ومائة مليون من البشر في عالم أقل كثافة سكانية وأقل تنقلاً وأقل عولمة، بعدما قطع خطوط التواصل القليلة أصلاً بين الناس. في المقابل، يبطش فيروس «كورونا» الآن بعدوانية، واضعاً الحكومات والشعوب تحت وطأة ضغوط استثنائية. وشبّه باري استخفاف الرئيس دونالد ترمب بفيروس «كورونا» في بدايات انتشاره بما كان يكرره مسؤولو الصحة العامة في عام 1918 من أن «هذه إنفلونزا عادية باسم آخر».
الموظفون الدوليون الكبار كانوا أكثر جديّة في التعبير عن مخاوفهم من أن يتمكن فيروس «كورونا»، ليس فقط من الفتك بالذين لا يتمكنون من الحصول على اللقاحات والعلاجات، في تكرار لـ«جائحة 1918» التي أدت إلى مقتل الملايين من الناس غير المحظيين، بل أيضاً من قطع المساعدات المنقذة للحياة عن أكثر المحتاجين إليها. تداوروا على دق أجراس الإنذار من مأزق وشيك تواجهه الأمم المتحدة، المظلّة الدولية الوحيدة الجامعة للأغنياء والفقراء. الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش رأى أن «هذه الجائحة كشفت خطوط الصدع - الانقسامات - التي تفصل بين من يملكون ومن لا يملكون»، طبقاً لما قاله لـ«الشرق الأوسط» عبر الناطق باسمه ستيفان دوجاريك، عاكساً بذلك المخاوف الجديّة من عدم إيصال اللقاحات الضروريّة إلى المحتاجين إليها في أربع جهات الأرض بقوله إن «اللقاح يجب أن يكون لقاحاً للناس وأن يكون متاحاً للجميع في كل مكان». يعتقد البعض أن هذه الدعوة ترتقي إلى مجرد «التمنّي» من صاحب السلطة الأخلاقية الرفيعة التي يمثلها كبير الموظفين الدوليين. القرار الحقيقي الفاعل في مكان آخر.
واعتبر مدير دائرة الأمم المتحدة لدى مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد غاوان أن «الفيروس كان اختباراً كبيراً للأمم المتحدة»، لأنه «سلط الضوء على المزيد من التحديات الكبيرة المقبلة، ليس أقلها التوترات بين الصين والولايات المتحدة». واستدرك رداً على أسئلة من «الشرق الأوسط» أنه «بعد فترة أولية من الارتباك، أعتقد أن معظم الدول أدرك الحاجة إلى التعاون للتعامل مع الأزمة»، لافتاً إلى أن غوتيريش «قام بعمل جيد في تحديد العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوباء».
ولكن نظراً إلى الطبيعة المتغيرة لعالم الفيروسات، يمكن لجائحة «كوفيد - 19» أن تكون واحدة من جوائح عديدة سيشهدها القرن الحالي. وقد لا تكون هي الأخطر. وحيال ذلك، لا يمكن للأمم المتحدة أن تقف مكتوفة حيال وضع لا يتمكن فيه من الحصول على اللقاح أو العلاج إلا الدول الأغنى أو الأشخاص الأغنى، ليس فقط لأسباب أخلاقية ولكن أيضاً من أجل ما يسميه غوتيريش «المصلحة الذاتية الأساسية» المتمثلة بأنه «لن يكون أي منا آمناً حتى نكون جميعاً آمنين». وهو ليس الوحيد الذي يصرخ في هذه البريّة. يعتقد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والمعونة الطارئة مارك لوكوك أن الفيروس القاتل وضع قدرات المنظمة الدولية أمام «اختبار لا نظير له» منذ أكثر من 50 عاماً، في أوج الحرب الباردة، مشيراً إلى «الأثر المدمر المحتمل» للوباء على الموارد الخاصة بالمساعدات الإنسانية التي يشرف عليها في مناطق النزاعات أو المتأثرة بالكوارث الطبيعية وغيرها، مما دفع المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي إلى الخشية من أن يؤدي فيروس «كورونا» إلى «جائحة جوع» صارت بالفعل على أبواب مناطق عدة في العالم.
لا يعتقد غاوان أن «الاختيار بسيط بين اللقاحات والمساعدات»، علماً بأنه يتعين على أجزاء مختلفة من الأمم المتحدة أن «تتعامل مع جوانب مختلفة من أزمة كوفيد - 19»، كما ينبغي في الوقت ذاته على سبيل المثال أن يدير برنامج الأغذية العالمي «مخاطر نقص الغذاء الناجم عن الاضطرابات في سلسلة الإمدادات». ورأى، رداً على أسئلة «الشرق الأوسط»، أن «التحدي الذي يواجه الأمم المتحدة هو التوفيق بين كل هذه المخاطر». وإذ أوضح أن «إيصال اللقاحات إلى البلدان الفقيرة يجب أن يكون أولوية»، نبه إلى أن «الأمم المتحدة لا يمكنها، ولا ينبغي لها، أن تتوقف عن التركيز على الأزمات والمخاطر الأخرى».
وإذ لاحظ دوجاريك أن «الجائحة عرضت للخطر مكاسب التنمية التي تحققت في العقود الماضية»، قال: «نحن بحاجة إلى استثمارات ضخمة في كل جوانب أهداف التنمية المستدامة من التعليم إلى الرعاية الصحية وتمكين المرأة والتكيف مع المناخ، لضمان تعافينا جميعاً بشكل أفضل من هذا الوباء». وأشار غاوان إلى أنه «بالمقارنة مع ما أنفقته الدول الغنية على الإغاثة من فيروس (كوفيد – 19) محلياً حتى الآن، فإن الميزانيات التشغيلية للأمم المتحدة تبدو صغيرة للغاية»، معتبراً أنه «ينبغي أن يكون من الممكن للمانحين العثور على الأموال اللازمة لمواصلة الوظائف الأساسية للأمم المتحدة».
هناك إقرار عام بأن العالم يحتاج إلى نهج دولي جريء ومنسق في شأن جهود تخفيف أعباء الديون للبلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل، بما في ذلك، عند الاقتضاء، إلغاء الديون وزيادة الدعم المالي للبلدان الأكثر عرضة للخطر لتوفير السيولة اللازمة وتمويل الإنعاش.
على رغم الخشية من أن تكون السنوات القليلة المقبلة صعبة للغاية بالنسبة إلى الأمم المتحدة من الناحية المالية، لتعكس بذلك ما يواجهه الكثير من الدول من ضغوط مالية ناجمة عن الأزمة في عام 2021. هناك من يرى «صورة مشجعة» بسبب توقع عودة انخراط الولايات المتحدة، خلال عهد الرئيس جو بايدن، في دورها القيادي عبر العالم، مما يمكن أن يؤدي بالتالي إلى تحسين الجهود «لإعادة البناء بشكل أفضل».
بغير ذلك، سيؤدي الفيروس إلى المزيد من الاضطرابات الاجتماعية وحتى إلى نزاعات أكثر دموية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».