«200 متر»... فيلم يجسد قصة زوجين من قريتين فلسطينيتين يفصل بينهما جدار إسرائيلي

المخرج الفلسطيني أمين نايفة يتوسط عدد من النقاد عقب عرض فيلمه "200 متر" (أ.ف.ب)
المخرج الفلسطيني أمين نايفة يتوسط عدد من النقاد عقب عرض فيلمه "200 متر" (أ.ف.ب)
TT

«200 متر»... فيلم يجسد قصة زوجين من قريتين فلسطينيتين يفصل بينهما جدار إسرائيلي

المخرج الفلسطيني أمين نايفة يتوسط عدد من النقاد عقب عرض فيلمه "200 متر" (أ.ف.ب)
المخرج الفلسطيني أمين نايفة يتوسط عدد من النقاد عقب عرض فيلمه "200 متر" (أ.ف.ب)

يروي فيلم «200 متر» الذي عرض خلال «أيام قرطاج السينمائية» هذا الأسبوع، المعاناة اليومية لعائلة فلسطينية تشتتت أفرادها قسرا بسبب السياج الفاصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية.
ويدور الفيلم، وهو باكورة الأعمال السينمائية الطويلة للمخرج الفلسطيني الثلاثيني أمين نايفة، حول قصة زوجين من قريتين فلسطينيتين يفصل بينهما جدار إسرائيلي. ورغم أن المسافة بين القريتين لا تتخطى 200 متر، لكن وجود الجدار يفرض تحديا عليهما لا سيما حين يدخل ابنهما إلى المستشفى ويكابد الأب من أجل الوصول إليه. ولا يخفي نايفة أنه، بالإضافة إلى العمل الفني، فهو يريد أيضا إرسال رسالة سياسية.
ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية على هامش عرض الفيلم في المهرجان أخيرا «الفن بشكل عام والسينما بشكل خاص هما سلاح المقاومة المتبقي الذي نعول عليه للدفاع عن القضية».
وبدأت السلطات الإسرائيلية بناء ما تسميه «السياج الأمني» الذي يصفه الفلسطينيون بـ«جدار الفصل العنصري»، في أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000 - 2005) «لأسباب أمنية»، وفق قولها، ومنع التسلل إلى أراضيها.
ويبلغ طول «السياج الأمني» نحو 712 كيلومترا، وهو مكون من أسلاك شائكة وخنادق وأسلاك كهربائية وجدران من الإسمنت المسلح يبلغ ارتفاعها تسعة أمتار. ويقع 85 في المائة منه في أراضي الضفة الغربية المحتلة. وهو يعزل 9.4 في المائة من الأراضي الفلسطينية عن القدس وإسرائيل، بحسب الأمم المتحدة.
ويوضح نايفة أنه أراد من وراء الفيلم، «طرح الكثير من الأسئلة الحارقة»، مضيفا «هل هذه حياة معقولة لشعب يعاني منذ أكثر من سبعة عقود؟ هل هذا الواقع يعكس شيئا إنسانيا في ظل الظروف العربية المؤسفة؟».
ويتابع «بحثت عما هو مفقود في السينما الفلسطينية من تفاصيل يومية يمكن أن تحدث الفارق بعيدا عن الفلسفة السياسية وشرح تاريخ القضية الفلسطينية». ويعيش العديد من الفلسطينيين فعلا المعاناة التي يحكيها الفيلم.
ويبدأ الفيلم الذي يمتد على أكثر من ساعة ونصف الساعة بمشهد لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال الإعلان عن خطة السلام الأميركية لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتنص الخطة على ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية التي تحتلها الدولة العبرية منذ 1967، بما فيها مستوطنات يهودية غير شرعية في نظر القانون الدولي. وقد رفضها الفلسطينيون بشدة واعتبروها منحازة لإسرائيل.
وتشكل شخصيتا الأب مصطفى الذي يجسدها الممثل الفلسطيني علي سليمان، والأم سلوى (الفلسطينية لينا زريق) محورا تدور حوله باقي الشخصيات في الفيلم. وتتابع كاميرا نايفة بدقة بطل الفيلم خلال تنقلاته اليومية الشاقة للذهاب إلى العمل في الضفة الغربية حيث يجد نفسه مجبرا على المرور عبر نفق ضيق مكتظ بالمارة والامتثال للشرطة الإسرائيلية عند نقاط تفتيش عديدة تستوقفه.
لكن الأمر يزداد سوءا حين ترفض شرطية السماح له بالعبور بحجة عدم حيازته ترخيصا مسبقا من السلطات الإسرائيلية، ما يدفعه إلى المجازفة واللجوء إلى وسيلة نقل غير قانونية للوصول للمستشفى حيث يرقد ابنه الذي تعرض لحادث سير. واستغرقت الرحلة ساعات وتحولت المسافة من 200 متر إلى 200 كيلومتر.
وفي إحدى اللقطات، يبرز نايفة سخط مصطفى حين يصرخ في وجه السائق المتراخي «أنا أولادي وزوجتي بعيدون عني فقط 200 متر وراء ذاك الجدار». وصور الفيلم نهاية 2019 في 35 منطقة فلسطينية بينها جنين ورام الله وطولكرم.
وبين الشخصيات، شخصية رامي وهو شاب عاطل عن العمل شارك مصطفى الرحلة الطويلة بعد لقائهما صدفة، من ثم تعرض لإصابة جراء سقوطه خلال محاولة تسلق الجدار سعيا للانتقال إلى الجانب الإسرائيلي بحثا عن عمل. ويقول الممثل الفلسطيني الشاب محمود فتحي طوافشه الذي يقف للمرة الأولى أمام الكاميرا ويلعب دور رامي «شخصية رامي كما بقية الشخصيات موجودة تقريبا في كل بيت فلسطيني الذي قسمه الجدار اللعين... الجميع يعاني».
وأنتجت الفيلم مواطنته مي عودة التي منحتها مجلة «فراييتي» الأميركية المتخصصة في مجال الترفيه، أخيراً جائزتها السنوية لأفضل موهبة عربية في الشرق الأوسط.
وتبلغ ميزانية الفيلم الذي عرض بداية في مهرجان البندقية السينمائي في سبتمبر (أيلول)، نصف مليون دولار.
وقد شارك الفيلم أيضا في أكتوبر (تشرين الأول) بمهرجان الجونة السينمائي في مصر حيث نال جوائز عدة.
ويعرض العمل حاليا في مصر، فيما ينطلق عرضه في تونس في السادس من يناير على أن يشاهده الجمهور لاحقا في صالات فرنسا وتركيا، وفق ما أفاد مخرج العمل.
وشارك فيلم «200 متر» في «أيام قرطاج السينمائية» التي دأبت تونس على تنظيمها منذ 1966، وعرض خلال دورتها «الاستثنائية» التي اختتمت الأربعاء حوالي 120 فيلما من بلدان عربية وأفريقية. وأعلن المنظمون بسبب الجائحة «إلغاء المسابقة الرسمية هذا العام» المكرسة عادة للمخرجين العرب والأفارقة وتضم أفلاما روائية ووثائقية طويلة وقصيرة تتنافس للفوز بجائزة التانيت الذهبي. ويقول نايفة «جائزتي هي أن يشاهد الجمهور هذا العمل».
وسيمثل «200 متر» الأردن في سباق جوائز الأوسكار التي توزع في 25 أبريل (نيسان) 2021 في لوس أنجليس، وفق ما أعلن نايفة الذي يحمل أيضا الجنسية الأردنية. ولقي العمل السينمائي، وهو امتداد للفيلم القصير «عبور» الذي أخرجه نايفة العام 2017، إعجابا بين الحاضرين الذين صفقوا له طويلا خلال عرضه في المهرجان. وعلقت الطالبة التونسية نسرين العبيدي قائلة «هذا العمل يحتوي على كثير من المشاعر، إنه يقطع النفس، الأمور التي نعتبرها حقوقا طبيعية عادية، أصبحت عند الآخرين أمنيات».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.