تركيا تعزز «نفوذها المغاربي» باستراتيجية عسكرية وتجارية

ضاعفت مطامعها في المنطقة باعتبارها «جسراً» نحو القارة الأفريقية

صورة أرشيفية من لقاء الرئيس التركي و نظيره الليبي في إسطنبول (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية من لقاء الرئيس التركي و نظيره الليبي في إسطنبول (أ.ف.ب)
TT

تركيا تعزز «نفوذها المغاربي» باستراتيجية عسكرية وتجارية

صورة أرشيفية من لقاء الرئيس التركي و نظيره الليبي في إسطنبول (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية من لقاء الرئيس التركي و نظيره الليبي في إسطنبول (أ.ف.ب)

باتت المنطقة المغاربية في شمال أفريقيا تحظى باهتمام تركي خاص، سعياً إلى تعزيز النفوذ، في استراتيجية نشطة تنتهجها أنقرة؛ لكنها تواجه عقبات، وفق ما يقول محللون.
وفي ظل ارتفاع الصادرات والنشاط الدبلوماسي، تمكنت تركيا من تعزيز حضورها في المنطقة المغاربية، بما يتماشى مع السياسة الخارجية التي يوليها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أهمية بالغة، وذلك رغم الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها الدول هناك.
يقول المؤرخ المتخصص في هذه المنطقة، بيار فيرمرين، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن تأثير أنقرة الإقليمي «ينمو بشدة منذ بضع سنوات» حتى لو لم تكن الاتصالات معلنة دائماً. بينما يرى المحلل السياسي التركي، علي باكير، أن تركيا تنتهج «استراتيجية الانفتاح تجاه أفريقيا»، على اعتبار أن المغرب العربي يعد بمثابة جسر نحو القارة الأفريقية.
وفي استعراض للاستراتيجية التركية إزاء دول المنطقة التي يبلغ عدد سكانها نحو مائة مليون نسمة، فإنها تبدو سياسية- عسكرية في ليبيا، بينما هي تجارية أو سياسية في الجزائر وتونس والمغرب.
ففي ليبيا، برزت أنقرة كداعم رئيسي لحكومة طرابلس المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، في مواجهة المعسكر القائم في شرق البلاد، بزعامة المشير خليفة حفتر.
ويرى الباحث في معهد «كلينغينديل» الهولندي، جلال حرشاوي، أن النفوذ التركي في هذا البلد الغارق في الفوضى «حقيقة عسكرية بالغة الأهمية»، موضحاً أن تركيا «تحظى بأكبر قاعدة عسكرية عند الحدود التونسية، وبقاعدة بحرية وبمعسكرات لمرتزقة سوريين». وقد تعزز حضورها أكثر في ليبيا بعد إخفاق الهجوم الذي أطلقه حفتر عام 2019 على طرابلس، وكان دعم أنقرة لحكومة «الوفاق الوطني» برئاسة فائز السراج حاسماً في حينه، معتمدة في ذلك على الاتفاق الذي تم توقيعه قبل عام مع طرابلس لتعزيز مطالباتها الحدودية في مياه شرق البحر المتوسط؛ حيث تنقب عن موارد الطاقة، وهو ما أثار استياء الدول الإقليمية الأخرى؛ حيث ندد الاتحاد الأوروبي بهذه الأنشطة «العدوانية»، وفرض عقوبات على أشخاص أتراك، في قرار اعتبرته أنقرة «متحيزاً وغير شرعي».
في هذا السياق، يقول الباحث في «غلوبل إنسياتيف»، عماد الدين بادي، إن تركيا «تحاول الاستفادة من استثماراتها العسكرية لممارسة نفوذها السياسي والاقتصادي» في ليبيا.
أما في تونس المجاورة، فينعكس النفوذ التركي أولاً في الزيادة الحادة للواردات، ما دفع مصنعين للتذمر من هذه المنافسة مع منتجات منخفضة تكلفة. وقد تم تعديل اتفاقية تجارة وقعت عام 2004، وجرى إدخال ضرائب في عام 2018، وتزداد هذه الواردات خصوصاً في القطاع الأمني- العسكري التونسي.
أما الحضور التركي في الجزائر فهو غير قابل للإنكار، إذ صارت أنقرة في 2017 أول مستثمر أجنبي - باستثناء المحروقات - وذلك على حساب فرنسا. وقد اتفق البلدان على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 4.1 مليار يورو سنوياً. كما تعد تركيا ثالث أكبر زبون للجزائر بعد إيطاليا وفرنسا. وتوجد هناك أكثر من 1200 شركة تركية، حسب أنقرة. وقد زار إردوغان الجزائر في بداية 2020 بعد زيارة أداها إلى تونس. بينما تظهر تركيا أيضاً اهتماماً بترميم المعالم العثمانية، على غرار الأعمال في مسجد كتشاوة في الجزائر العاصمة.
أما في المغرب، فقد كانت التجارة غير متوازنة منذ اتفاقية للتجارة الحرة وقعت في 2006. وبلغ العجز حوالي 1.6 مليار يورو عام 2019، وسط تأثر قطاع النسيج المغربي بشكل كبير. وهذا الاختلال دفع الرباط إلى إدخال رسوم جمركية.
وفي سياق سعيها لدعم نشاطها الدبلوماسي، تواجه تركيا تقليد الحياد للدول الثلاث الأخرى، وقد أدت محاولاتها للتأثير على الدبلوماسية التونسية إلى صدامات في البرلمان.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».