تعرفة المعاينة الطبية... همّ جديد يضاعف أوجاع اللبنانيين

زيارة العيادات تقتصر على «الضروري جداً»

TT

تعرفة المعاينة الطبية... همّ جديد يضاعف أوجاع اللبنانيين

يئن معظم اللبنانيين هذه الأيام من أوجاع كثيرة: أوجاع بدنية، وأوجاع «كورونا»، وأوجاع الأزمة المعيشية، وأوجاع المستقبل بتوقعاته المجهولة... وإذا كانت الضغط النفسي أكبر مولد للأمراض البدنية، فإن هماً جديداً أضيف إلى أوجاعهم، وهو عجزهم عن زيارة الطبيب، إذ لم تعد أمراً «روتينياً»، بل باتت تقتصر على الضروري، أو حتى الضروري جداً، بسبب عدم قدرة عدد كبير من المواطنين على تسديد تعرفة المعاينة الطبية التي تبلغ في حدها الأدنى 100 ألف ليرة (66 دولاراً على أساس سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة)، وترتفع لتصل إلى حد الـ400 ألف ليرة (266 دولاراً) في بعض الأحيان، حسبما يؤكد عدد من المواطنين، متحدثين عن اعتماد عدد من الأطباء تعرفة على أساس سعر صرف 3900 ليرة للدولار، الأمر الذي ينفيه القطاع الطبي، مؤكداً أن «الأطباء يدفعون الثمن تماماً، كما المرضى».
ومع بدء أزمة شح الدولار في لبنان، باتت هناك 3 أسعار لصرف الدولار مقابل الليرة، هي السعر الرسمي 1515 ليرة، وسعر الصرافين 3900، وسعر السوق السوداء الذي حالياً نحو 8 آلاف ليرة.
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، اعتبر أن تعرفة الـ400 ألف ليرة في حال كانت موجودة في عيادة مستشفى ما «مرتفعة جداً»، مشيراً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن معاينة الطبيب في معظم المستشفيات الخاصة تتراوح ما بين 100 و200 ألف ليرة.
الأمر نفسه يؤكده نقيب أطباء لبنان في بيروت شرف أبو شرف، إذ ينفي أن تكون تعرفة الأطباء باتت على أساس سعر صرف جديد، مشيراً في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أنه منذ أشهر تم تعديل قيمة الحد الأدنى لبدل المعاينة الطبية من 75 ألفاً إلى 100 ألف ليرة، وأن هذه هي الزيادة الوحيدة التي طرأت على تعرفة الأطباء.
إلا أن هذا الأمر لا يعني، حسب أبو شرف، عدم إقدام عدد من الأطباء، لا سيما في عيادات بعض المستشفيات الخاصة والمدن الكبرى، إلى رفع التكلفة أكثر بكثير من الحد الأدنى الذي حددته النقابة، علماً بأن وضع الحد الأدنى للمعاينات الطبية يأتي في سياق منع المُضاربات غير المشروعة فقط لأن عمل الطبيب يندرج في إطار المهن الحرة، وبالتالي فإنه غير ملزم بتعرفة معينة، ويحق له تحديد قيمة أتعابه في حال لم يكن ملتزماً بعقد مع جهة ضامنة رسمية، وكل ما عليه فعله إعلام المريض بالتعرفة.
في هذا الصدد، يشير أبو شرف إلى أن النقابة تمنت على الأطباء مراعاة الوضع المعيشي للمرضى، وأن أكثر الأطباء يقومون بهذا الأمر حتى من دون تمني النقابة.
وتشير دراسة صادرة حديثة صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (الأسكوا) إلى أن نسبة الفقراء في لبنان بلغت نحو 55 في المائة من إجمالي السكان، وأن عدد الفقراء أصبح يفوق 2.7 مليون، حسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولاراً أميركياً في اليوم، أي 392 دولاراً شهرياً)، ما يعني أن مراجعة واحدة للطبيب تساوي بالنسبة لهؤلاء أكثر من 15 في المائة، مما يعتاشون به شهرياً إذا انطلقنا من سعر الحد الأدنى للمعاينة فقط في حين يرتفع هذا الحد عند معظم الأطباء.
وفي الإطار، يلفت أبو شرف إلى أن الطبيب جزء من هذا المجتمع، وكما خسر المواطنون قيمة رواتبهم خسر هو قيمة بدل أتعابه، فقيمة الحد الأدنى للتعرفة القديمة كانت 50 دولاراً، بينما قيمة التعرفة الجديدة عملياً لا تتجاوز الـ13 دولاراً، ويشير إلى أنه حسب دراسة أجريت قبل أزمة الدولار لا يتجاوز مردود ما لا يقل عن 50 في المائة من أطباء لبنان، لا سيما في الأطراف، المليون ونصف المليون ليرة، أي ما كان يساوي 1500 دولار، ويساوي حالياً، حسب سعر السوق السوداء، أقل من 200 دولار، إلا أن هذا المردود قل حالياً مع تراجع عدد المراجعين للعيادات الطبية، إما بسبب الخوف من «كورونا»، وإما بسبب الأوضاع الاقتصادية.
ويشير أبو شرف أيضاً إلى تضرر 400 عيادة طبية خلال انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب)، ولم يجد الأطباء حتى اللحظة مساعدة من أي طرف رسمي، محذراً من كارثة طبية إن لم تتدخل الجهات المعنية، إذ لا يمكن للطبيب الاستمرار مع تعرفة لا تؤمن له مصاريف عيادته وعائلته، بينما أمواله أصلاً محجوزة في المصارف في وقت لا يستطيع أيضاً المواطن دفع تعرفة مرتفعة.
وأمام هذا الواقع، اضطر، وحسب شرف، ما يقرب من 500 طبيب إلى الهجرة والعمل في الخارج في دول خليجية أو أوروبية، حتى في الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة إيجاد ضمانات للطبيب اللبناني، حتى لا نصل إلى مرحلة لا نجد فيها طبيباً، لا سيما أن الكوادر الطبية التي لم تهاجر بعد باتت تفكر بالأمر بشكل جدي.



ما انعكاسات «هدنة غزة» على معبر «رفح» و«فيلادلفيا»؟

وفد من الهلال الأحمر المصري والصليب الدولي في معبر رفح (أرشيفية - الهلال الأحمر المصري)
وفد من الهلال الأحمر المصري والصليب الدولي في معبر رفح (أرشيفية - الهلال الأحمر المصري)
TT

ما انعكاسات «هدنة غزة» على معبر «رفح» و«فيلادلفيا»؟

وفد من الهلال الأحمر المصري والصليب الدولي في معبر رفح (أرشيفية - الهلال الأحمر المصري)
وفد من الهلال الأحمر المصري والصليب الدولي في معبر رفح (أرشيفية - الهلال الأحمر المصري)

وسط زخم يتصاعد بشأن إمكانية إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تثار تساؤلات بشأن مستقبل الجانب الفلسطيني من معبر «رفح» ومحور «فيلادلفيا» الحدوديين مع مصر.

ورغم عدم كشف الدوحة عن تفاصيل الاتفاق الذي قالت إنه في «التفاصيل الأخيرة»، فإن خبراء تحدثت لهم «الشرق الأوسط» يتوقعون أن يُفتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح مع بدء تنفيذ الاتفاق لضرورة إخراج الرهائن عبره وإدخال مساعدات بكميات كبيرة من خلاله، فضلاً عن أن إعادة انتشار إسرائيلي بمحور فيلادلفيا تشمل انسحاباً تدريجياً على أن يكون الخروج الكامل بعد ترتيبات مع مصر والحصول على ضمانات.

ومنذ احتلال إسرائيل الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومحور فيلادلفيا، في مايو (أيار) 2024، جرت محادثات بين مصر وإسرائيل برعاية أميركية، عدّة في 2024، دون التوصل لحلول مع تمسك مصري بضرورة انسحاب إسرائيلي منهما وسط تبادل التصريحات بين البلدين للتأكيد على مواقفهما طيلة الأشهر الأخيرة.

ورفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطلب مصر، وأعلن مراراً ذلك، كان أحدثها في 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بإصراره على البقاء بالمحور لـ«ضمان عدم حصول عمليات تهريب أسلحة»، وهو اتهام عادةً ما نفته مصر مراراً، وقالت عبر مصدر مسؤول: «هي تصريحات الغرض منها التغطية على فشله في القطاع».

المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، قال، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي بالدوحة، إن مفاوضات غزة وصلت إلى المراحل النهائية، وإنه جرى تجاوز العقبات الأساسية أمام الاتفاق، دون أن يكشف عن تلك العقبات وهل تشمل المعبر والمحور أم لا.

آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الفلسطيني من معبر رفح (أرشيفية - رويترز)

في حين أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، مع وزير خارجية لوكسمبورغ زافيير بيتل، أن سرعة التوصل بجدية لاتفاق ستساعد في إدخال مساعدات بكميات كبيرة دون مشروطية في ظل وجود مجاعة كبيرة بالقطاع، في إشارة غير مباشرة لفتح معبر رفح؛ كونه الممر الوحيد عربياً لمرور تلك المساعدات للقطاع، الذي تضرر بشكل كبير منذ إغلاقه.

وبتقدير الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، فإن المعبر من الجانب الفلسطيني بكل تأكيد سيفتح لمرور المساعدات والرهائن مع تنفيذ الهدنة، مرجحاً أن يكون عمل المعبر وفق اتفاق 2005 الذي يقرّ بوجود السلطة الفلسطينية وسط مراقبة أوروبية. ويستدرك: «لكن إسرائيل تريد أن تكون مراقبة للأمور التي تدخل عبر القطاع؛ خشية أن يكون فيها أشياء تُستخدم لاحقاً في تصنيع أي أسلحة، وأمر المراقبة لا يزال خاضعاً للنقاش».

وباعتقاد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فإن إتمام اتفاق هدنة غزة سيساهم بشكل سريع في فتح معبر رفح باعتباره جزءاً من تنفيذ صفقة تبادل الرهائن ومنفذاً وحيداً مطلوب فتحه من مصر لإدخال مساعدات إغاثية بشكل أكبر.

ويتوقع مطاوع أن يصل الوسطاء والأطراف لإعادة تفعيل اتفاق 2005 الذي يعيد وجود السلطة الفلسطينية لإدارة المعبر بدلاً من «حماس» التي سيطرت عليه في 2007 بخلاف المراقبة الأوروبية، مرجحاً أن يحدث أثناء التنفيذ عراقيل إسرائيلية في إدخال المساعدات.

عربة عسكرية إسرائيلية تسير على طريق تم «تزفيتها» في ممر فيلادلفيا (أرشيفية - د.ب.أ)

أما «محور فيلادلفيا» الذي يعدّ شريطاً حدودياً بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية السلام» الموقّعة بين القاهرة وإسرائيل عام 1979، سيخضع لانسحاب إسرائيلي تدريجي، وفق تقديرات اللواء سمير فرج، لافتاً إلى أن نتنياهو كان يستخدم المحور لتبرير تأخير الصفقة رغم علمه أن البقاء به مخالف لاتفاقية السلام.

ورغم إقرار مطاوع، بأن محور فيلادلفيا سيتم إعادة الانتشار الإسرائيلي والانسحاب التدريجي منه، فإنه يتوقع أن حله «أكثر تعقيداً» مع تمسك إسرائيل بعدم الإقدام على الانسحاب الكامل من المحور إلا بعد عقد ترتيبات مع مصر بشأن ضمان عدم وجود تهديد لها من تلك المنطقة.