وقعت الأندية الفرنسية صفقة غير مسبوقة لبيع حقوق البث التلفزيوني لمبارياتها مقابل أكثر من 1.15 مليار يورو سنوياً (814 مليون يورو سنوياً من شركة ميديابرو، و330 مليون يورو من بي إن سبورتس). وكانت هذه هي ثاني أكبر صفقة للبث التلفزيوني في أوروبا، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى سراب خلال الأسبوع الحالي، وهو الأمر الذي دفع كرة القدم الفرنسية إلى حافة الانهيار المالي.
في الحقيقة، كانت هناك مخاوف بشأن شركة «ميديابرو» الإسبانية منذ البداية. فعندما تم بيع حقوق البث التلفزيوني في عام 2018، أشار النقاد إلى أن صفقة مماثلة مع الدوري الإيطالي الممتاز قد فشلت لأن شركة البث التلفزيوني الإسبانية لم تقدم ضمانات مالية كافية. وقال غايتانو ميتشيكي، رئيس رابطة الدوري الإيطالي الممتاز في ذلك الوقت، إن التأكيدات التي قدمتها شركة ميديابرو «غير مقبولة». وبشكل مقلق، قال بوب راتكليف، الرئيس التنفيذي لنادي نيس الفرنسي، في وقت سابق من العام الحالي، إنه بقدر ما يفهم، فإن رابطة الدوري الفرنسي الممتاز «لم تطلب أبداً» ضمانات مماثلة.
وأشار الرئيس السابق لنادي نيس، غوتييه غاني، إلى نفس النقطة في وقت سابق من هذا العام، قائلاً: «ما يقلقني هو: هل أخذ الدوري الفرنسي الممتاز جميع الضمانات اللازمة للتأكد من أن شركة ميديابرو يمكنها فعلاً تسليم ودفع الأموال التي قالت إنها ستدفعها؟ قد ينتهي بنا الأمر إلى أن تواجه بعض الأندية مشاكل مالية خطيرة، لذلك آمل حقاً أن يأخذ الدوري الفرنسي الممتاز جميع الضمانات اللازمة، وأن يقوم المديرون التنفيذيون في الدوري بعملهم بكل جدية، للتأكد من عدم وجود مشكلة أخرى في المستقبل، لأن ذلك يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة لكرة القدم الفرنسية».
ويجب الإشارة إلى أن الأندية الفرنسية تحصل الآن على 60 في المائة من عائداتها المالية من حقوق البث التلفزيوني. وقد أكد ماكسيم سعادة، رئيس شبكة «كانال بلس»، في ذلك الوقت على أن الأموال التي ستدفعها شركة «ميديابرو» مبالغ فيها، وقال: «أشعر بخيبة أمل لأننا لم نحتفظ بحقوق البث، لكن المقابل المادي غير منطقي على الإطلاق. كان من المستحيل بالنسبة لنا أن نحقق مكاسب مالية من خلال توقيع صفقة بهذا المقابل المادي الضخم، وأعتقد أنه من المستحيل على أي ممثل في هذا القطاع أن يحقق مكاسب من صفقة بهذا المقابل المادي الضخم». وقد ثبت أن سعادة كان محقاً تماماً.
وقد فرضت شركة «مديابرو» على عملائها دفع 25 يورو شهرياً من أجل الاشتراك في قناتها «تيليفوت»، التي كانت تبث ثماني مباريات من الدوري الفرنسي الممتاز وعشر مباريات من دوري الدرجة الثانية بفرنسا في كل جولة من المباريات، وهو ما يعني أن القناة كانت بحاجة إلى أكثر من أربعة ملايين مشترك حتى تتمكن من تحقيق أرباح. وتبث القناة أيضاً مباريات دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي، لكن هذه المباريات يتم بثها أيضاً من قبل شبكة «أر إم سي» الرياضية المنافسة. وبالتالي، لم تنجح المغامرة التي اتخذتها شركة «ميديابرو».
وبحلول أبريل (نيسان)، ضعف مركز «ميديابرو» غير المستقر بالفعل عندما تم تخفيض تصنيفها الائتماني. وتُصر «ميديابرو» على أن السبب في ذلك هو تداعيات تفشي فيروس كورونا، وتؤكد على أنها ستتعافى بسرعة. وبشكل مفاجئ إلى حد ما، دفعت الشركة أول دُفعة للموسم، والتي كانت تصل إلى 172 مليون يورو، قبل موعدها المحدد بيوم واحد في شهر أغسطس (آب).
ومع ذلك، عندما جاء موعد القسط الثاني في أكتوبر (تشرين الأول)، طلبت «ميديا برو» تأجيل الدفع، واعترف الرئيس التنفيذي للشركة، خوان روريس، بأن الشركة كانت تحاول إعادة التفاوض على الصفقة، حيث قال: «من الواضح أن تفشي فيروس كورونا يؤثر على الكثير من جوانب قدرتنا على استغلال حقوقنا. إننا نريد إعادة التفاوض على العقد لهذا الموسم. نحن لا نشكك في المشروع كما هو، لكن الحانات والمطاعم مغلقة، والإعلانات في تراجع». وذكرت صحيفة «ليكيب» الفرنسية أن شركة «ميديابرو» كانت تريد خصماً بنسبة تصل إلى 25 في المائة هذا الموسم، لكن شبكة «أر تي إل سبورت» الرياضية أشارت إلى أن رابطة الدوري الفرنسي الممتاز تسعى لأن تجد شركة أخرى غير «ميديابرو» لكي تحصل على حقوق بث المباريات.
لكن كل هذا لا ينفي أن رابطة الدوري الفرنسي الممتاز كانت ساذجة ولم تتعامل مع الأمور بالكفاءة المطلوبة، لأنها فشلت في الحصول على ضمانات لالتزام الشركة الإسبانية ببنود التعاقد. وبالنظر إلى المقابل المادي الكبير المعروض، وافقت كرة القدم الفرنسية على عرض «ميديابرو» من دون تردد. وعندما تم الاتفاق على الصفقة في عام 2018، قال رئيس نادي ليون، جان ميشيل أولاس، إنه «يوم مبارك لكرة القدم الفرنسية». وفي حديثه في سبتمبر (أيلول) من هذا العام، قال رئيس نادي لوريان، لويك فيري: «هذا عام مهم جداً لكرة القدم الفرنسية، بالنظر إلى أن حقوق البث التلفزيوني قد ارتفعت بشكل كبير للغاية لأول مرة. ولن أشعر بالدهشة لو تعاقدت أندية فرنسية كبيرة مع بعض اللاعبين من المملكة المتحدة».
وكانت الأندية الفرنسية تعاني من مشاكل مالية بالفعل بسبب الإلغاء المبكر لموسم 2019 - 2020. في الوقت الذي أوقفت فيه باقي الدوريات الأوروبية الكبرى بطولاتها لفترة محددة قبل أن تستكملها مرة أخرى دون وقوع حوادث كبيرة.
ويبدو أن الإلغاء المبكر والمفاجئ لموسم الدوري الفرنسي الممتاز قد حدث بسبب سوء فهم من قبل الحكومة الفرنسية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرح العديد من رؤساء أندية الدوري الفرنسي الممتاز بأن أحد دوافعهم الرئيسية لعدم استكمال موسم 2019 - 2020 كان يتمثل في حماية صفقة «ميديابرو» الجديدة لبث المباريات، وهو الأمر الذي أضر بعلاقاتهم بشركة «كانال بلس» في هذه العملية.
وخلال الأسبوع الماضي، تم التأكيد على أن خدمة «تيليفوت» التي تمتلكها شركة «ميديابرو»، التي تبث من خلالها مباريات كرة القدم الفرنسية، سيتم إغلاقها بعد الفشل في الاتفاق على إعادة التفاوض. وستستمر «تيليفوت» في بث المباريات حتى يتم العثور على بديل، وبعد التوسط في المحاكم التجارية الفرنسية، وافقت «ميديابرو» على دفع 100 مليون يورو من الـ324.8 مليون يورو المستحقة عليها حتى الآن. ورغم أن شركة «ميديابرو» قد وافقت على دفع 3.25 مليار يورو على مدى أربع سنوات بموجب العقد المبرم لبث المباريات، فإنها لم تدفع سوى أقل من 10 في المائة من هذا الرقم خلال أربعة أشهر فقط.
وفي الوقت الحالي، تعاني رابطة أندية الدوري الفرنسي الممتاز وكرة القدم الفرنسية بشكل عام من مشاكل مالية كبيرة، ولا تواصل عملها إلا بفضل حصوليها على قرضين مصرفيين مدعومين من الحكومة؛ حصلت على الأول بعد أزمة فيروس كورونا، ثم الثاني عندما توقفت شركة «ميديابرو» عن دفع أقساطها المستحقة في أكتوبر (تشرين الأول). وتتفاوض «كانال بلس» الآن للاستحواذ على حقوق البث، لكنها تعتزم دفع أقل من 700 مليون يورو في الموسم - أي أقل مما كانت تدفعه قبل وصول «ميديابرو».
وقال جان بيير كايو، رئيس نادي ريمس الفرنسي، في وقت سابق من هذا الشهر: «كيف يمكنك أن تواصل العمل عندما لا يكون لديك أي أموال من عائدات البث التلفزيوني، أو أموال بيع تذاكر حضور المباريات، أو أموال الضيافة؟ إذا لم يتمكن الدوري من الحصول على قرض جديد، وهو أمر غير مضمون في هذه المرحلة، أعتقد أنه بحلول فبراير (شباط) أو مارس (آذار)، سيكون هناك الكثير من الأندية التي لن تكون قادرة على دفع رواتب لاعبيها وموظفيها. ودائماً ما يحدث ذلك لأننا غالباً ما ننسى أن نادي كرة القدم ليس مجرد 11 لاعباً».
وانتشرت العديد من الشائعات عن وجود خطة إنقاذ حكومية، لكن وزير التربية والتعليم والرياضة، جان ميشيل بلانكير، أشار إلى أنه من غير المرجح، قائلاً: «لا يمكننا، من الناحية التجارية، أن نخاطر بهذا الشكل، ثم نطلب من الدولة أن تضخ المال العام لتغطية التكاليف بطريقة ما»!.
وفي نفس الوقت، تعرضت شركة «ميديابرو» لانتقادات لاذعة، حيث قال كريستوف غالتير، المدير الفني لنادي ليل: «لقد تعاملنا مع أشخاص مخادعين للغاية». أما رودي غارسيا، المدير الفني لنادي ليون، فوصف ما حدث بأنه «ضربة كبيرة لكرة القدم الفرنسية». وطالب رئيس نادي باريس سان جيرمان، ناصر الخليفي، بإجراء تحقيق كامل فيما يتعلق بعملية تقديم العطاءات، وطالب رابطة الدوري الفرنسي الممتاز باتخاذ إجراءات قانونية ضد رئيسها التنفيذي السابق، ديدييه كويلو، الذي كان مسؤولاً عن إبرام في الصفقة. ومن جهته، عرض كويلو رد مبلغ الـ500 ألف يورو التي حصل عليها من توقيع الصفقة.
ورغم المخاوف الواضحة والمشروعة بشأن التدفقات النقدية لشركة «ميديابرو» وطريقة عملها منذ البداية، فقد انساقت رابطة الدوري الفرنسي الممتاز، المتعطشة لتحقيق النجاح، وراء هذا السراب بشكل أعمى، وثبت للجميع أنها كانت مخطئة ولم تتعامل مع الأمور بحكمة أو بشكل مدروس.
انهيار صفقة البث التلفزيوني يهدد مستقبل الأندية الفرنسية مالياً
«ميديابرو» الإسبانية لم تلتزم سداد مدفوعاتها وتراجعت عن الاتفاق بعد أربعة أشهر فقط
انهيار صفقة البث التلفزيوني يهدد مستقبل الأندية الفرنسية مالياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة