الراعي يحذّر من «موت» تحقيق «انفجار بيروت» في البرلمان

الراعي مستقبلاً كنعان (الوكالة الوطنية)
الراعي مستقبلاً كنعان (الوكالة الوطنية)
TT

الراعي يحذّر من «موت» تحقيق «انفجار بيروت» في البرلمان

الراعي مستقبلاً كنعان (الوكالة الوطنية)
الراعي مستقبلاً كنعان (الوكالة الوطنية)

حذّر البطريرك الماروني بشارة الراعي من تسييس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وموته إذا أحيل الملف إلى المجلس النيابي، معلناً أنه لن يتوقف عن مساعيه لتذليل عقبات تشكيل الحكومة، عادّاً أنه ليس هناك أي سبب يستحق تأخير التأليف.
وقال الراعي في عظة الأحد: «كما يعنينا تشكيل حكومة في أسرع ما يمكن للأسباب المذكورة، كذلك يعنينا استمرار التحقيق العدلي بشأن تفجير مرفأ بيروت. إن الناس لا يهمهم الاجتهادات القانونية المتنازع بشأنها. ما يهمها هو معرفة من قتل أبناءها وفجر المرفأ وهدم العاصمة... يهمها معرفة من أتى بالمواد المتفجرة، ومن يملكها، ومن سمح بتخزينها، ومن سحب منها كميات بشكل دوري وكيف، ومن غطى هذه العنابر طوال سبع سنوات، ومن أهمل واجباته من السلطات السياسية والقضائية والأمنية، ومن فجّرها في 4 آب (أغسطس) 2020». وأضاف: «إذا كان البعض يفضل إحالة الملف إلى المجلس النيابي، ونحن نكن الاحترام لهذا المجلس، فإننا نخشى أن يموت التحقيق ويسيّس بين الكتل النيابية».
ورأى أن «أي مماطلة إضافية في التحقيق ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. واجباتنا دعم القضاء، هذا الصرح الدستوري الذي لم يسقط بعد، ونرجو ألا يسقط، وإلا، لا سمح الله، سقط هيكل الدولة كله!».
وعن مساعيه في تذليل عقبات تأليف الحكومة، قال إن من واجبه بصفته بطريركاً القيام بمساع متنوعة الاتجاهات لدفع عملية تشكيل الحكومة، «وذلك شعوراً بمآسي المواطنين في لبنان، ورفضاً لقبول شبح مرفأ بيروت ودمار نصف العاصمة، وخوفاً منا على سقوط المؤسسات الدستورية؛ وفي مقدمها السلطة الإجرائية المتمثلة بالحكومة وما يتصل بها، ورفضا لتسييس القضاء وتلوينه طائفياً ومذهبياً وعرقلة مسيرته، وهو العمود الفقري لحياة الدولة، وقراءة تشغل البال لما يجري في المنطقة من مفاوضات وتسويات وتطبيع ومن تهديدات بحروب».
وأضاف: «في كل الاتصالات التي أجريتها ولن أتوقف، وكانت بمبادرة شخصية مني، لم أجد سبباً واحداً يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يوماً واحداً. لكني وجدت لدى الناس ألف سبب يستوجب أن تتألف الحكومة فوراً من أجل هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات كلها، وإذا كانت ثمة معايير فكلها ثانوية باستثناء معايير الدستور والميثاق».
وشدد الراعي على ضرورة تشكيل «حكومة لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية، ولا شروطاً مضادة، ولا ثلثاً معطلاً يشل مقرراتها، نريدها حكومة غير سياسية وغير حزبية، وزراؤها وجوه معروفة في المجتمع المدني بفضل كفايتهم وإنجازاتهم وخبراتهم، على أن يتم تشكيلها وفقاً لمنطوق من الدستور، بروح التشاور وصفاء النيات بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في إطار الاتفاق والشراكة وقاعدة المداورة في الحقائب وفقاً للمادة (95) من الدستور، كعلامة للمشاركة الحقيقية في إدارة شؤون الدولة».
وتابع الراعي: «نريدها حكومة تتفرغ لمشروع الإصلاحات، وللاستحواذ على المساعدات الدولية المقررة والموعودة. نريدها حكومة تضع في أولوياتها إعادة بناء المرفأ واستعادة حركته وضبط إدارته ومداخيله وجمركه، وإعادة إعمار بيروت المهدمة».
واستقبل الراعي، أمس، أمين سر «تكتل لبنان القوي»، (التيار الوطني الحر)، النائب إبراهيم كنعان الذي أعلن عن «لقاء يفترض أن يحصل ويكون حاسماً في موضوع الحكومة، إذا توافرت له النيات الطيبة»، من دون توضيح مزيد من التفاصيل، ومن الأرجح أن يكون المقصود به لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وقال كنعان بعد الاجتماع إن اللقاء يندرج «في سياق مبادرة البطريرك الشخصية مع فخامة رئيس الجمهورية ورئيس (التيار الوطني الحر)؛ (جبران باسيل)، لـ(الدعم والمشاركة بقوة في التوجه الذي يهدف إلى تأليف حكومة اليوم قبل الغد».
وقال: «كلام البطريرك كان واضحاً، وكذلك كلامنا، لجهة ضرورة التأليف واحترام صلاحيات رئيس الجمهورية والدستور في التشكيل، وأن السجال الحاصل يجب ألا يستمر»، مشيراً إلى أنه «لدى رئيس الجمهورية الاستعداد لحسم ملف الحكومة، وفق منطوق الدستور والمبادرة الفرنسية بمضمونها الكامل وغير المجتزأ، وأبلغني البطريرك حرصه الكامل على هذا المسار، وإن شاء الله بصلاته وتمنيات جميع اللبنانيين يتم هذا الأمر في الأيام المقبلة».
وأكد أن «النيات لدينا أكثر من متجاوبة وإيجابية؛ إذ يجب الخروج من عملية السجال وتغليف بعض المواقف التي تصدر من ناحيتنا بغير محلها. يجب ألا يكون هناك لبس أولاً في الدستور وقراءته وصلاحيات رئيس الجمهورية في التأليف، وثانياً لجهة المبادرة الفرنسية بكامل مندرجاتها».
وفي انتظار ما ستؤول إليه مبادرة الراعي، تستمر الدعوات المحذرة من نتائج عرقلة تأليف الحكومة، وهو ما عبّر عنه النائب قاسم هاشم في «كتلة التنمية والتحرير» (التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري). وقال في بيان: «تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ينذر بمزيد من حالات التفلت الأمني والاجتماعي، ما لم تتخذ خطوات سياسية إنقاذية، أساسها حكومة فاعلة قادرة على مقاربة الملفات بهدوء وحكمة، انطلاقاً من المصلحة الوطنية الجامعة». وأضاف: «ملّ اللبنانيون المماطلة والتبريرات التي يتلطى البعض وراءها تحت عناوين الدستور والأعراف والمصالح، لتأخير تشكيل الحكومة، وكأن البلد بخير واللبنانيين يعيشون ترف الحياة... ورغم ذلك؛ فإن السجالات تستمر وترتفع نبرة الخطاب الطائفي والمذهبي، لتزيد من التوتر والتشنج في لحظة سياسية خطيرة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.