واشنطن «تكشر عن أنيابها» بوجه مساعٍ روسية لبناء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر

عقب إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لاحت في الأفق نذر سباق عسكري بين قطبي العالم (روسيا وأميركا) على السودان، فبعد أسابيع قليلة من إعلان روسيا عزمها إقامة «قاعدة عسكرية» على البحر الأحمر، سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إعلان رغبتها في إقامة تعاون عسكري وثيق مع السودان، بما يشبه «تكشير الأنياب الأميركية، وفيتو غربياً» على الاتفاقية الروسية.
وأعلنت سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم على صفحتها الرسمية على «فيسبوك» أمس، أنها ترغب في تعزيز تعاون عسكري وثيق بين القوات المسلحة السودانية، وتعزيز العلاقات العسكرية الثنائية بين البلدين، وأن الملحق العسكري الأميركي «جاكوب داي» يعمل مع القوات المسلحة السودانية لتعزيز العلاقات الثنائية.
وأوضحت النشرة أن داي ينطلق في علاقته مع السودان على خلفية شطب الأخير من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن الإدارة الأميركية تعتبر ذلك «تغييراً أساسياً وتاريخياً» في علاقات البلدين، ما دفع الملحق العسكري أن يتطلع لما أطلق عليه «الفرص التي من شأنها تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في المستقبل».
وبحسب الصفحة الرسمية للقوات المسلحة السودانية، فإن الملحق الأميركي المقدم جاكوب داي، التقى قائد القوات البحرية السودانية المكلف اللواء بحري حاج أحمد يوسف بابكر في القاعدة البحرية السودانية على البحر الأحمر، أول من أمس، وبحث معه سبل الدفع بالعلاقات العسكرية الثنائية، ولا سيما المعنية منها بمجال عمل القوات البحرية السودانية، استناداً إلى أسماه خصوصية «الدور الذي تؤديه».
وذكر الجيش السوداني أن مديري أفرع القوات البحرية السودانية، إلى جانب مساعد الملحق الأميركي، شاركوا في اللقاء، وتبادلوا «الهدايا التذكارية» بين الجانبين.
ويأتي إعلان الملحق العسكري الأميركي برغبة بلاده في دفع العلاقات الثنائية العسكرية، لاحقاً لإعلان «روسيا» رغبتها في تأسيس قاعدة على الجانب السوداني من ساحل البحر الأحمر (شرق)، ما يشير إلى تحرك أميركي مكافئ للتحرك الروسي، وصراع بين العملاقين على مناطق النفوذ في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية.
وأعلنت روسيا، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عزمها على تأسيس «مركز لوجستي» تابع لقواتها البحرية في السودان، إنفاذاً لاتفاق موقع مع رئيس الوزراء الروسي «ميخائيل ميشوستين».
ونقلت «رويترز»، وقتها، أن الاتفاقية نصت على استيعاب المركز اللوجستي المزمع لنحو 300 ألف جندي وموظف، بقدرة تصل لاستيعاب 4 سفن، بما في ذلك سفن مزودة بتجهيزات نووية.
وبحسب موقع «أخبار الدفاع» الروسي، فإن الحكومة السودانية معنية بتوفير البنية التحتية اللازمة لتأسيس المواني، وقطعة الأرض التي تقام عليها المنشآت مجاناً، والسماح بنقل أي نوع من المعدات العسكرية أو الذخائر عبر الموانئ السودانية، إضافة إلى إصلاح وتوريد السفن الحربية، لمدة 25 عاماً، قابلة للتجديد لمدة 10 سنوات أخرى.
وحال موافقة السلطات السودانية على القاعدة البحرية الروسية، ينتظر توسع النفوذ الروسي في شمال شرقي أفريقيا، وعلى طول المنطقة الحيوية على البحر الأحمر ومنطقة باب المندب، بما يوصلها لمناطق الثروات الطبيعة والأسواق المحتملة للأسلحة الروسية.
وفي أول ردة فعل للجيش السوداني على التصريحات الروسية، نقل موقع «سبوتنك» عن رئيس هيئة أركان الجيش السوداني الفريق الركن محمد عثمان الحسين، في نوفمبر الماضي، عدم وجود «اتفاق كامل مع روسيا»، بيد أنه أكد على استمرار التعاون العسكري بين البلدين، وأن بلاده كانت تتزود بالسلاح من روسيا ودول شرقية، مقابل الحصار الأميركي الغربي عليها.
وأبقى الحسين الباب موارباً بشأن موقف بلاده من القاعدة العسكرية الروسية بقوله: «السودان لن يفرط في سيادته، والاتفاق مع روسيا حول القاعدة يخضع للدراسة». وترجع «فكرة القاعدة الروسية في السودان» إلى العام 2017 على عهد الرئيس المعزول عمر البشير، الذي طلب من الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه سيرغي شويغو، إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر في الشاطئ السوداني، لحماية نظامه من المخاطر التي زعم أنها تواجه تهديداً من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وأحدث السودان اختراقاً في علاقاته العسكرية مع الولايات المتحدة، عام 2018. منهياً قطيعة استمرت 20 عاماً، توقف خلالها التعاون العسكري بين البلدين، بافتتاح مقر ملحقيته العسكرية في واشنطن، فيما تسلم الملحق العسكري الأميركي للخرطوم مهام عمله في السودان لاحقاً.
وتبعاً لذلك، أعلن السودان في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 استئناف علاقاته العسكرية مع واشنطن عقب رفع الحظر الاقتصادي والتجاري الذي فرضته واشنطن على الخرطوم منذ 1997. بعد أن ظلت مقطوعة لنحو عقدين من الزمان، فرضت الولايات المتحدة خلالها حصاراً تسليحياً وعسكرياً على السودان.
وفي 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكملت الولايات المتحدة رفع عقوباتها على السودان، بالإعلان رسمياً عن شطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كآخر قيد على التعاون في مختلف المجالات المدنية والعسكرية بين البلدين، وذلك بعد نحو عامين من إسقاط النظام الإسلامي الذي كان يحكم البلاد، وبسبب سياساته فرضت العقوبات على السودان، وتم تصنيفه ضمن الدول الراعية للإرهاب.
وسبق ذلك لقاء مفاجئ بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عنتيبي «الأوغندية»، في فبراير (شباط) الماضي، أعقبه إعلان سوداني بالشروع في تطبيع علاقات الخرطوم مع تل أبيب، مقابل الشطب من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستجابة للضغوط الأميركية التي لم تكتفِ باستيفاء السودان لموجبات حذفه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بما في ذلك دفع تعويضات بلغت 335 مليون دولار لضحايا تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، وتفجير الباخرة الأميركية «إس إس كول» في خليج عدن.