تصدر هاشتاغ «حوار التلغرام» مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الأخيرة، وذلك عقب تعليقات حذرت من تحديث نفذه التطبيق، يحمل اسم «أناس قريبون» (people nearby)، يسمح للمستخدم بـ«معرفة أرقام هواتف الأشخاص المحيطين به»، وهو ما عده رواد مواقع التواصل الاجتماعي «انتهاكاً للخصوصية»، إذ حذر هؤلاء من «استخدام التطبيق في الابتزاز الإلكتروني، أو في التطفل وانتهاك خصوصية الأفراد، خاصة الفتيات، بعدما تلقي عدد من مستخدمي التطبيق رسائل وصفت بأنها (مزعجة) من أشخاص مجهولين حصلوا على أرقام هواتفهم عبر التحديث الجديد».
وفي الواقع، أثار انتشار هذا «الهاشتاغ» دهشة خبراء التكنولوجيا والاتصالات والأمن الإلكتروني. وقال عاصم سامي، مدير مبيعات وتسويق شركة «اتصالات الإمارات»، لـ«الشرق الأوسط» إن «خاصية (نيير باي) قديمة. كما أنها موجودة في أغلب تطبيقات التواصل الاجتماعي، ما يثير الدهشة حول سبب الحديث عنها الآن»، معرباً عن اعتقاده أن «يكون السبب وراء تجدد الحديث عنها، وتصدرها الترند، نوع من الدعاية غير المباشرة للتطبيق».
وبدوره، قال إسلام غانم، خبير تكنولوجيا معلومات في مصر، لـ«الشرق الأوسط» إن «الشركة المسؤولة عن تطبيق (تلغرام) أرسلت رسائل إلكترونية لمستخدميها قبل نحو سنة ونصف بشأن هذا التحديث الجديد، لكن كالعادة لا يقرأ معظم المستخدمين هذه الرسائل، ولا يهتمون بقراءة بنود الخصوصية، وبالتالي تحدث المفاجأة عند تنفيذ التحديث».
وتابع غانم أن «على الفرد أن يدرك أنه هو السلعة التي تبيعها جميع مواقع التواصل الاجتماعي المجانية، وبالتالي فالمسؤولية تقع عليه لحماية بياناته، وقراءة شروط الخصوصية، كي لا يقع ضحية لبعض الثغرات»، وأعرب عن اعتقاده أن «السبب وراء إثارة الجدل بشأن التحديث الآن يرجع إلى تعرض بعضهم لمضايقات بسببه، وتوثيق ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي».
وفي الحقيقة، أعلن «تلغرام»، في يونيو (حزيران) عام 2019، عن تحديث «بيبول نيير باي» الذي يسمح بـ«التعرف على الأشخاص المحيطين بالشخص الذين يستخدمون التطبيق نفسه... من أجل تسهيل حفظ بيانات وأرقام هواتف زملاء العمل والتجارة».
وأردف التطبيق، في سياق ترويجه للخاصية، أنها «توفر عناء حفظ البطاقات الشخصية، أو تسجيل أرقام الهواتف في حفلات واجتماعات العمل». وفي أعقاب أزمة جائحة «كوفيد-19»، عدت هذه الخاصية من قبل خبراء التواصل الاجتماعي في الغرب «فرصة للتواصل في زمن التباعد الاجتماعي»، إلا أن غانم يرى أن «هذه الخاصية قد تكون مقبولة في ثقافة الغرب وعاداته، وطرق استخدامهم للتطبيقات عموماً، لكنها في المجتمع الشرقي يكون لها أحياناً استخدامات سيئة تسمح بالابتزاز الإلكتروني».
ومن ناحية ثانية، لم يقتصر الجدل حول تحديث «بيبول نيير باي» على رواد التواصل الاجتماعي، بل انتقل إلى المؤسسات الدينية الرسمية، إذ أصدرت دار الإفتاء المصرية بياناً حذرت فيه من التحديث الذي «يمكن إساءة استخدامه»، على حد قولها.
وأشارت «الإفتاء المصرية» إلى أن «هذه الخاصية أثارت غضب عدد من المستخدمين، خاصة الإناث، بعد تلقيهم رسائل مزعجة من غرباء، وصلت إلى حد الابتزاز»، وطالبت مستخدمي التطبيق بـ«اتخاذ الإجراءات كافة لحماية خصوصية المستخدمين، وبياناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعد اختراق الخصوصية لوناً من تتبع العورات التي نهى عنها الإسلام، ولعن فاعلها».
ومن جانبه، يرى عاصم سامي أن «لهذا التحديث إيجابياته وسلبياته، إذ يمكن استخدامه في تطبيقات أخرى لضمان الأمان والحماية لأفراد المجتمع، مثل تطبيقات الشرطة التي تُفعل ما يشبه خدمة الإنذار من صاحب الهاتف في حالة الخطر، أو تطبيق تتبع مرضى فيروس (كوفيد-19) لضمان منع اختلاطهم بالآخرين». وأضاف سامي أن «الحماية من المضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية المستخدمين الذين يجب عليهم ألا يستقبلوا أي رسائل غريبة من أشخاص غير مسجلين في قوائم هواتفهم».
جدير بالذكر أن هاشتاغ «حوار التلغرام» ليس جديداً، بل تصدر مواقع التواصل الاجتماعي في يونيو (حزيران) الماضي في أعقاب نشر صور لفتيات مصريات قُرصِنت حساباتهن الشخصية، وهو ما آثار تساؤلات حول درجة الخصوصية التي يمنحها التطبيق لمستخدميه. وأعيد استخدام الهاشتاغ نفسه في 12 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للحديث عن تحديث «بيبول نيير باي». وللعلم، يصل عدد مستخدمي «تلغرام» نحو 400 مليون مستخدم، حسب البيانات الرسمية للشركة.
هذا، وقد أسست شركة «تلغرام» عام 2013، على يد الأخوين نيكولاي وبافل دروف، وهما مؤسسا شبكة تواصل اجتماعي روسية شهيرة تدعى «في كيه» (VK) تعرضت لضغوط من جانب الحكومة الروسية دفعت الأخوين دروف لترك الشركة ومغادرة روسيا. وبعدها، أسسا «تلغرام» ليكون تطبيقاً يحمي الرسائل المتبادلة بين الأفراد. وساهمت شعبية دروف في سرعة انتشار التطبيق في روسيا، وفق دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في أميركا عام 2017.
وعن هذا التطبيق يقول الخبير إسلام غانم إنه «من أكثر التطبيقات أمناً، إذ يستخدم أنظمة تشفير (ترميز) تمنع تتبع الرسائل ومراقبتها، والاطلاع عليها، ما يجعله مناسباً لجماعات المعارضة السياسية». واستطرد موضحاً أن «التقنية التي يستخدمها التطبيق في تشفير الرسائل شبيهة بتلك التي كانت مستخدمة من قبل في هواتف (بلاك بيري). وهذه التقنية لا تتعارض مع كونه تطبيقاً يهدف للتواصل الاجتماعي، وتعريف الناس بعضهم ببعض».
أما سامي، فيرى أن «ما يُثار حول أمان (تلغرام) شيء طبيعي في كل التطبيقات، وليس (تلغرام) وحده... إنه ينطبق على تطبيق (واتساب) أيضاً»، ويقول إن «ما يشاع بشأن قلة أمان (واتساب) مرتبط بحرب تجارية بين (فيسبوك) التي تملك التطبيق حالياً وملاك التطبيق القدامى».
«تلغرام» يثير المخاوف مجدداً بشأن «اختراق الخصوصية»
«تلغرام» يثير المخاوف مجدداً بشأن «اختراق الخصوصية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة