عمالقة التكنولوجيا عالقون في «دراما إغريقية»

ملاحقات أميركية وأوروبية... وحلبة صراع دولية

فتحت الولايات المتحدة وأوروبا جبهة تصادم جديدة مع كبريات شركات الإنترنت (إ.ب.أ)
فتحت الولايات المتحدة وأوروبا جبهة تصادم جديدة مع كبريات شركات الإنترنت (إ.ب.أ)
TT

عمالقة التكنولوجيا عالقون في «دراما إغريقية»

فتحت الولايات المتحدة وأوروبا جبهة تصادم جديدة مع كبريات شركات الإنترنت (إ.ب.أ)
فتحت الولايات المتحدة وأوروبا جبهة تصادم جديدة مع كبريات شركات الإنترنت (إ.ب.أ)

بعدما تحملوا وحدهم تقريباً عبء حماية أسواق الأسهم العالمية من السقوط في بئر الانهيار خلال عام 2020، صار عمالقة التكنولوجيا الآن هدفاً للسلطات في أغلب أرجاء الدول الكبرى، مطاردين تارة بداعي الاحتكار، وأخرى لانتهاك قواعد المنافسة، إلى جانب كونهم أرض صراع خصبة في جانب آخر لفرض الهيمنة بين دولة وأخرى.
وفيما يشبه الدراما الإغريقية، فإن الدول الكبرى تستند على عمالقة التكنولوجيا في جانب من سيادتها الدولية، وكذلك كعامل تفوق يوائم قواعد العصر الحالي، كما أنها تعد ركنا مهماً من أركان استقرار الأسواق؛ لكن السلطات على جانب آخر بدأت تتخوف من خروج هؤلاء العمالقة عن سيطرتها، ما جعلها تشن حملات كبرى عليها، وتحرك دعاوى قضائية كلما سنحت الفرصة، لتقليم أظافر هذه الشركات وإبقائها تحت السيطرة. وفي إطار الصراعات الدولية، فإن الولايات المتحدة تترصد كبرى الشركات الصينية بدعوى الحفاظ على أمنها القومي، ولعل استهداف «هواوي» كان الأبرز خلال عام 2020، إلى جانب الأوامر الأخيرة لإدارة الرئيس دونالد ترمب التي دفعت «وول ستريت» إلى التحرك بشكل عاجل، من أجل شطب عشرات الشركات الكبرى من مؤشراتها الرئيسية.
وعلى الصعيد الداخلي، قررت ولايات أميركية عدة إطلاق ملاحقات ضد الاحتكار في حق «غوغل»، مع اتهام العملاق الرقمي باستغلال موقعه المهيمن على السوق لإبراز عروضه الخاصة بين نتائج محركه البحثي، وفق ما أفاد موقع «بوليتيكو». وأوضح الموقع الإعلامي الأميركي، نقلاً عن مصادر عدة لم يكشف عن هويتها، أن من المحتمل تقديم شكوى ضد «غوغل» خلال ساعات، بمبادرة من ولايتي كولورادو ونيبراسكا. وسبق أن اشتكت منصات رقمية عدة تقدم خدمات أو منتجات موصى بها، من بينها «أمازون» و«يلب» و«تريب أدفايزر»، من أن «غوغل» تعطي الأفضلية لعروضها الخاصة في نتائج البحث.
وستركز الملاحقات المستهدفة لـ«غوغل» على أن محرك البحث بطبيعته هذه يلحق الإجحاف بالمنافسين. وتضاف هذه المشكلة إلى سلسلة المصاعب التي تواجه الشركة التي تتخذ في ماونتن فيو بكاليفورنيا مقراً لها، إذ سبق أن طالتها ملاحقات أطلقتها وزارة العدل الأميركية، بسبب نموذجها القائم على خدمات مجانية وإعلانات موجهة بالاستناد إلى بيانات المستخدمين.
وتتهم الحكومة الأميركية المجموعة العملاقة بممارسة «احتكار مخالف للقانون» في مجال الأبحاث على الإنترنت والإعلانات، وأطلقت أكبر تحقيق في ممارسات احتكارية منذ عقود، ممهدة الطريق لاحتمال تفكيك المجموعة.
وتشكل هذه الملاحقات المرتقب أن تمتد على سنوات طويلة جبهة تصادم جديدة بين الحكومة وشركات الإنترنت، ولا شك في أن تداعياتها ستكون جسيمة على القطاع؛ غير أن إثبات استغلال موقع مهيمن ليس بالمسألة السهلة. ووصفت «غوغل» من جهتها هذه الإجراءات بـ«المخطئة إلى حد بعيد».
وقالت متحدثة باسم «غوغل»: «سندافع عن أنفسنا بقوة في المحكمة ضد هذه المزاعم التي لا أساس لها. أسعار الإعلانات الرقمية تراجعت على مدى العقد الأخير. رسوم تكنولوجيا الإعلانات انخفضت هي أيضاً. رسوم تكنولوجيا إعلانات (غوغل) أقل من متوسط القطاع. هذه مؤشرات على قطاع عالي التنافسية».
وتسهم مبيعات إعلانات «غوغل» بأكثر من 80 في المائة من إيرادات «ألفابت»؛ لكن معظم المبيعات والجانب الأكبر من أرباح «ألفابت» يأتي من إعلانات «غوغل» النصية فوق نتائج البحث، وهو نشاط مرتفع الهامش. وفي أحدث تقرير ربع سنوي لها، أعلنت «ألفابت» عن إيرادات بلغت 37.1 مليار دولار من الإعلانات الرقمية.
وقبل التحرك الأميركي مباشرة، كشف الاتحاد الأوروبي الثلاثاء عن مسودة أحكام مشددة تستهدف شركات تكنولوجيا عملاقة على غرار «غوغل» و«أمازون» و«فيسبوك» التي ترى بروكسل في سلطتها تهديداً للمنافسة وحتى للديمقراطية.
والمقترحات البالغة الأهمية التي تأتي بينما باتت شركات «وادي السيليكون» بشكل متزايد تحت المجهر في أنحاء العالم، يمكن أن تهز طرق ممارسة عمالقة التكنولوجيا أعمالها، بتهديدها بفرض غرامات باهظة أو حظرها من السوق الأوروبية.
وقالت مسؤولة هيئة المنافسة في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر، إن مسودة قوانين الكتلة لتنظيم الإنترنت، تهدف إلى «فرض النظام في وضع تسوده الفوضى» وكبح جماح «حراس بوابة» الإنترنت الذين يهيمنون على السوق. وقالت في مؤتمر صحافي: «قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية سيوجدان خدمات آمنة وجديرة بالثقة مع حماية حرية التعبير».
وقال الاتحاد الأوروبي إن التشريع المرتقب يمكن أن ينص على أن تدفع كبرى شركات الإنترنت ما يصل إلى 10 في المائة من حجم مبيعاتها في الاتحاد الأوروبي، لخرق بعض أكثر قواعد التنافس أهمية.
ويقترح مشروع القانون كذلك فرض غرامة قدرها 6 في المائة على عائداتها، أو حظر تلك الشركات مؤقتاً من سوق الاتحاد الأوروبي «في حال ارتكاب خروقات خطيرة ومتكررة للقانون، تعرض للخطر أمن المواطنين الأوروبيين».
وسيتضمن «قانون الخدمات الرقمية» و«قانون الأسواق الرقمية» المصاحب له شروطاً مشددة للقيام بأنشطة تجارية في دول الاتحاد البالغ عددها 27، بينما تسعى السلطات لكبح انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية على الإنترنت، ووضع حد لسيطرة عمالقة التكنولوجيا على القطاع.
وقال مصدر مقرب من مفوضية الاتحاد الأوروبي، إن عشر شركات تواجه تصنيفها بمثابة «حارسات بوابة» الإنترنت بموجب قانون المنافسة، وإخضاعها لقواعد محددة للحد من سلطتها في السيطرة على الأسواق. والشركات المرشحة للخضوع لقوانين أكثر صرامة، هي شركات: «فيسبوك»، و«غوغل»، و«أمازون»، و«أبل»، و«مايكروسوفت»، و«سناب تشات»، وشركتا «علي بابا» و«بايتدانس» الصينيتان، و«سامسونغ» الكورية الجنوبية، و«بوكنغ.كوم» الهولندية.



السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.