الجيش السوداني «منزعج» من قانون أميركي يدعم المدنيين

يشدد الرقابة الماليةعلى قوى الأمن والاستخبارات

TT

الجيش السوداني «منزعج» من قانون أميركي يدعم المدنيين

قال رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، محمد عثمان الحسين، إن القوات المسلحة السودانية: «ستظل عصية على كيد الكائدين، ومكر الماكرين، حتى وإن عقَّها بعض أبناء الوطن، واستعانوا عليها بالأجنبي، واستجلبوا لذلك التشريعات والقوانين»، فيما تبدو إشارة منه إلى مشروع قانون يدعم الانتقال الديمقراطي، والمساءلة والشفافية في السودان، الذي أقره الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي.
ويشدد مشروع القانون الرقابة على الجيش وقوى الأمن والاستخبارات السودانية، ويتضمن إصلاحات كبيرة، من بينها تفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.
وأضاف الحسين لدى مخاطبته حفل تخريج ضباط الأكاديمية العسكرية العليا في أمدرمان، أمس، أن الجيش السوداني «قومي، وليس جماعات مسيسة، ولا يهوى السلطة ولا يحترف الانقلابات؛ لأن مثل تلك الجيوش انهارت في الدول من حولنا بفعل الحروب الأهلية، وحلت محلها الميليشيات»؛ مؤكداً أن القوات المسلحة «باقية ومتطورة؛ لأن عقيدتها حماية الواجب المقدس الموكل لها بالدستور».
وبخصوص إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، قال الحسين إن هذه الخطوة «منصة لانطلاق البلاد نحو معالجة كافة القضايا».
ويتنازع شركاء السلطة الانتقالية في السودان حول ملكية كثير من الشركات القابضة على الاقتصاد في البلاد التي تديرها أجهزة عسكرية وأمنية.
وصعَّد رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في لقاء مع الصحافيين ليلة أول من أمس، من لهجته تجاه هيمنة الجيش على شركات القطاع الخاص، وعدَّه أمراً «غير مقبول»، وقال إنه يجب تحويلها لشركات مساهمة عامة؛ مشدداً على عدم التنازل عن الشفافية المالية والمحاسبة في كل الشركات التي تسيطر عليها الحكومة والأجهزة النظامية.
وطالب القانون الأميركي بفرض رقابة مشددة على أموال الأجهزة العسكرية والأمنية، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة، ووقف أي أنشطة لتلك الأجهزة في الاتجار غير الشرعي للموارد المعدنية، بما فيها النفط والذهب.
ويسيطر الجيش السوداني والأجهزة الأمنية على عديد من الشركات التي تعمل في مجالات مختلفة (الزراعة والتنقيب)، إلى جانب منظومة الصناعات الدفاعية ذات الطبيعة العسكرية، والتي لا يوجد خلاف على تبعيتها للأجهزة النظامية. وتشدد الحكومة السودانية على ولاية وزارة المالية للمال العام بالإشراف على جميع الشركات الحكومية، والمملوكة للقوات النظامية.
ويدعم القانون الأميركي الحكومة المدنية في السودان للقيام بصلاحياتها كاملة؛ لكنه يحد في المقابل من تمدد العسكريين في السلطة. وتواجه حكومة رئيس الوزراء انتقادات حادة من الشارع وقوى الثورة، بعد أن سمح فراغ كبير في إدارة الدولة للشركاء العسكريين بالتغول، والانفراد باتخاذ القرارات في البلاد.
وقدمت لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس مشروع القانون في مارس (آذار) الماضي، وطلبت بموجبه من الإدارة الأميركية تقديم استراتيجية جديدة لدعم الحكومة الانتقالية في السودان. ويعزز القانون المساءلة عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، بدعم بناء القدرات القضائية والعدلية في السودان، ورفع مقدرتها على المتابعة والملاحقات القضائية في المحاكم الدولية، أو المحلية المختلطة.
ومن شأن مشروع القانون السماح بفرض عقوبات محددة على الأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، أو من يشارك في الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية، أو يقوض الانتقال السياسي السلمي في السودان.
وشطبت الإدارة الأميركية الاثنين الماضي اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واعتبرت أن الخطوة تمثل تغييراً جذرياً في العلاقات الثنائية بين البلدين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.