تصعيد تركي في عين عيسى على وقع «العرض» الروسي

صعدت القوات التركية والفصائل الموالية لها أمس (الثلاثاء) من قصفها الصاروخي على محيط بلدة عين عيسى الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بريف الرقة الشمالي.
ووقعت اشتباكات متبادلة بين قسد وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالية لتركيا، الليلة قبل الماضية، تزامنا مع محاولة تسلل للفصائل إلى نقاط قسد في قرية معلك قرب طريق حلب - اللاذقية الدولي (إم 4) في ريف عين عيسى.
وقصفت الفصائل الموالية لتركيا قرى معلك ومخيم عين عيسى ومواقع أخرى قرب الطريق، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف الطرفين.
واستمر التصعيد من جانب القوات التركية والفصائل، رغم العرض الذي تقدمت به روسيا إلى أنقرة والذي يتضمن انسحاب «قسد» مسافة كيلومترين جنوب عين عيسى، مع بقاء الإدارات المدنية التابعة لها في المدينة، ومنها إدارة قوات الأمن (الأشايس) مع انسحاب الفصائل الموالية لتركيا مسافة 4 كيلومترات بعيدا عن طريق إم 4. ولا تزال المفاوضات بين الجانبين التركي والروسي مستمرة حول العرض، وكذلك لم تغادر الإدارات المدنية والعسكرية التابعة لـ«قسد». وقالت مصادر إن نقطة الخلاف هي أن تركيا تريد انسحابا كاملا لقسد من عين عيسى، بينما تريد روسيا بقاء قوات الأشايس في البلدة.
وأضافت أن روسيا بدأت الضغط على «قسد» من أجل القبول بالانسحاب، والتهديد بتركها وحدها في مواجهة تركيا، كما فعلت معها الولايات المتحدة في تل أبيض ورأس العين العام الماضي.
وكانت روسيا توصلت إلى اتفاق مع «قسد» تضمن إنشاء نقاط عسكرية مشتركة في محيط منطقة عين عيسى بهدف منع عملية عسكرية تهدد بها تركيا منذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وأعلن المجلس العسكري لتل أبيض، الأربعاء، توصله إلى اتفاق يقضي بنشر نقاط مراقبة مشتركة مع الجيش الروسي. وقال قائد المجلس رياض الخلف إنهم توصلوا إلى اتفاق حول إنشاء 3 نقاط مراقبة مشتركة شرق البلدة وغربها وشمالها على الطريق الدولي « إم 4».
وفي عين عيسى بدأت روسيا تطبيق المراحل الأولى من الاتفاق مع «قسد»، وأرسلت رتلاً من الشرطة العسكرية إلى مركز البلدة، يضم آليات وعربات عسكرية، ويرافقه مجموعات عسكرية من الفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر سابقاً). ورفع العلم الروسي على عدد من المقار والمؤسسات داخل المدينة، ومن المفترض أن تستمر عمليات الانتشار وإنشاء نقاط المراقبة المشتركة حتى نهاية العام الحالي.
وأكدت المصادر أن «قسد» قبلت بالعرض الروسي بعد أن أجرت عليه بعض التعديلات، ووافقت بموجب الاتفاق المعدل على انسحاب جزئي من عين عيسى، وإشراك قوات النظام في عدد من نقاط التماس مع المعارضة والجيش التركي، ولكن تبقى السيطرة الفعلية لقسد، وهو ما يشبه ما جرى تطبيقه في منطقتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب خلال العامين الماضيين، وهي تجربة ناجحة بالنسبة لقسد تمكنت خلالها من الحفاظ على المنطقتين وفي الوقت نفسه لم تسلمهما كلياً للنظام وروسيا.
وفي المقابل، لم يصدر عن النظام السوري أي تصريح بخصوص الاتفاق في عين عيسى، فيما اعتبر من جانب مراقبين عدم رضا عن تنازلات قسد ثمنا للحماية من العملية العسكرية التركية المحتملة.
وقال عضو مركز المصالحة الروسي الشيخ عمر رحمون في تغريدة على «تويتر»، إن «الاتفاق نص على إنشاء نقاط مشتركة، ومن ثم تسليم ريف عين عيسى بالتدرج لقوات النظام وروسيا، وتفعيل دوائر الدولة في المنطقة، ومدة تنفيذ الاتفاق تمتد من 8 أشهر إلى سنة، ورفعت قسد العلم الروسي على بعض مقراتها في عين عيسى ورفضت رفع علم النظام السوري، ما جرى هو ضحك على اللحى والتحايل على الواقع، ولن يجري في عين عيسى إلا ما جرى في منبج من استمرار الخبث الأميركي وعمالة قسد».
على صعيد آخر، جددت قوات النظام قصفها المدفعي على كل من الفطيرة وكنصفرة وسفوهن وبينين والرويحة ومدليا وكدورة وأماكن أخرى بريفي إدلب الشرقي والجنوبي منذ الليلة قبل الماضية، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
في الوفت ذاته، أفاد «المرصد» بغرق واقتلاع مئات الخيام ضمن مخيمات أطمة ودير حسان وسرمدا والدانا وتلعادة وقاح الواقعة بالقرب من الحدود السورية مع تركيا وتضرر مئات العائلات النازحة من إدلب إلى تلك المخيمات بفعل سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة المستمرة منذ أول من أمس. ويعاني سكان المخيمات في شمال غربي سوريا من الأرضية الترابية التي شيدت عليها خيامهم، وتفتقر المخيمات للخدمات الأساسية مثل مياه الشرب والصرف الصحي والمواد الإغاثية والمنشآت التعليمية والصحية.
ورصد «المرصد»، أوضاعاً مأساوية بمخيم يأوي نازحين من أبناء ريف معرة النعمان الشرقي، ويقع المخيم غرب مدينة معرة مصرين بالقرب من بلدة باتنتة شمال مدينة إدلب، يقطنه ما يقارب ألفي شخص يتوزعون في 450 خيمة، لا تقي ساكنيها برد الشتاء.
ولا يزال النازحون يعانون غياب دعم المنظمات الإنسانية، وصعوبة بالغة في تأمين مواد تدفئة آمنة، بسبب ارتفاع أسعارها، في حين يلجأ البعض إلى استخدام مواد بلاستيكية ونفايات وكاوتشوك الإطارات المستعملة والملابس، تلك المواد التي لها مضار كبيرة على صحة الإنسان، في ظل الواقع الصحي المتدهور، بينما تمتلئ المراكز الصحية بالمرضى في ظل انتشار وباء «كورونا».
إلى ذلك، أدانت دمشق ما وصفته بـ«الممارسات الإجرامية المتكررة» التي تقوم بها القوات التركية على الشعب السوري وعلى سيادتها وسلامتها الإقليمية بأساليب وطرق متعددة وتكرار قطع المياه عن أهالي محافظة الحسكة والتجمعات المحيطة بها.
وطالبت وزارة الخارجية والمغتربين في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن، أول من أمس (الاثنين)، مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة بـ«التدخل الفوري لإلزام النظام التركي بإعادة تشغيل محطة مياه علوك ووضع حد لانتهاكاته ومطالبته بإنهاء عدوانه واحتلاله لأجزاء من الأراضي السورية».
وقالت الوزارة: «لقد بات من الواضح أن الحكومة التركية تقوم بتلك الممارسات غير القانونية واللا إنسانية لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية منها تنفيذ سياسة التهجير الممنهج بحق المواطنين السوريين في المناطق التي تحتلها بُغية إحداث تغيير ديموغرافي يتناسب مع أهدافها التوسعية والاستعمارية دون الأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية الملحّة لأهالي تلك المنطقة بشكل ينتهك كل المواثيق الدولية والاتفاقيات التي تضمن حق كل إنسان في الحصول على مياه صالحة للشرب وحقه في عدم التعرض لوقف تعسفي لإمدادات المياه وتلوثها».