ماكرون يواجه في زيارته الثالثة «مشكلة مستعصية» بين عون والحريري

مصادر في بيروت تقول إن طهران لم تتجاوب مع طلب باريس تسهيل ولادة الحكومة

TT

ماكرون يواجه في زيارته الثالثة «مشكلة مستعصية» بين عون والحريري

يفترض أن ينسحب التأزُّم غير المسبوق الذي لا يزال يحاصر الوضع في لبنان وينذر بمزيد من الويلات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية على الزيارة الثالثة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان منذ الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت والتي تتزامن هذه المرة مع ارتفاع منسوب الاشتباكات السياسية والقضائية التي أعاقت تنفيذ المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان ووقف انهياره وحالت دون تشكيل حكومة مهمة بسبب انقلاب الأطراف أو بعضها على ما تعهدت به في اللقاء الذي جمعها بالرئيس ماكرون في قصر الصنوبر.
زيارة ماكرون للبنان مخصصة لتفقّد القوات الدولية في جنوب لبنان وتمضية ليلته عشية حلول عيد الميلاد مع الوحدة الفرنسية، لكنها تأتي هذه المرة بخلاف الأجواء التي سادت زيارته الثانية وانتزع من الأطراف التزامهم بخريطة الطريق الفرنسية لوقف الانهيار، وسيجد نفسه أمام «مشكلة مستعصية» بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، ما أعاد عملية التأليف إلى نقطة الصفر من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج.
ومع أن ماكرون سيلتقي عون في زيارة بروتوكولية لوجوده في لبنان من دون الآخرين، فإن سقوط المبادرة الفرنسية بالضربة القاضية التي ألحقها بها مسلسل الاشتباكات السياسية والقضائية على خلفية ادعاء المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بجرم «الإهمال والتقصير الوظيفي»، قد يضطره للقاء قيادات أخرى في محاولة لإصلاح ذات البين، لأن مصداقيته على المستويين الفرنسي والدولي باتت على المحك.
وتعزو مصادر سياسية اضطرار ماكرون للقاء آخرين إلى «قطع الطريق» على عون ومنعه من توظيفه في صراعه مع خصومه وصولاً إلى تحميلهم مسؤولية تعثر تشكيل الحكومة متذرّعاً بعدم اجتماع ماكرون بهم، مع أن الخلاف تجاوز الحريري إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وآخرين ممن يلتقون على رفض إعطاء الثلث الضامن «المعطل» لرئيس الجمهورية اعتقاداً منهم بأن من أولوياته إعادة تعويم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، فيما يتناغم «حزب الله» ولو بصمت مع مطلب «العهد القوي» وإلا «لماذا يحجم عن إبداء رأيه»؟
كما أن اقتصار لقاء ماكرون على عون، في حال لم يعد النظر ببرنامج لقاءاته، سيدفع بعض الأطراف للاعتقاد بأنه يوشك على سحب مبادرته من التداول، وهذا ما يلحق به الضرر في داخل فرنسا والمجتمع الدولي ويؤثر على دوره في منطقة البحر المتوسط، وهذا ما سيضطره إلى استخدام جميع ما لديه من أسلحة ثقيلة للضغط على الأطراف لمراجعة حساباتهم وصولاً إلى التسليم بأن لا بديل عن المبادرة لغياب الخيارات الأخرى.
وتؤكد أن ماكرون لن يقحم نفسه في مشقة البحث عن أسباب تعثر مبادرته وسيضطر للدخول في صلب المشكلة لأنه بات يحيط بكل أسباب التأزُّم الذي أخذ يتدحرج بعد زيارته الثانية لبيروت، وتقول إن تصاعد الردود بين عون والحريري جاءت لتؤكد أن «الكيمياء السياسية» بينهما ما زالت مفقودة وأن ثقتهما ببعضهما باتت «مفقودة» وهي في حاجة إلى بذل جهد فوق العادة لإعادة الأمور إلى نصابها، هذا إذا ما رغب ماكرون في أن يعيد الاعتبار لمبادرته.
لذلك، هناك من يستبق زيارة ماكرون ويبادر إلى طرح أسئلة ما إذا كان العائق الذي يؤخر وضع مبادرته على سكة التطبيق يعود لاعتبارات محلية، أم أن هناك من يتغطى بها ليصرف الأنظار عن التدخلات الخارجية التي تقف وراء عدم إنضاج الشروط للانتقال بالبلد من التأزّم إلى الانفراج.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية أن الملابسات التي رافقت ادعاء القاضي صوّان على دياب وثلاثة وزراء سابقين في انفجار المرفأ أعطت ذريعة للتيار السياسي المؤيد لعون وصهره جبران باسيل لاتهام معارضيه بأنهم ضد فتح ملفات مكافحة الفساد لإبعاد الشبهة عنهما باتهامهما بتعطيل تشكيل الحكومة.
وتسأل أين يقف «حزب الله» من تعطيل تشكيل الحكومة، رغم أنه تعامل مع فتح ملف التحقيق في انفجار المرفأ على أنه «استهداف سياسي»؟ وتعتقد بأن عون وباسيل أبعدا الشبهة عن «حزب الله» باتهامه بتعطيل الحكومة مع أنه يحبذ تأخيرها لاعتقاده بأن المجتمع الدولي سيضطر للتدخل لدى طهران طلباً لتسهيل ولادتها، وتقول إنه سبق لباريس أن طلبت مساعدة من القيادة الإيرانية لكن الأخيرة لم تتجاوب وفضلت التريُّث، إلى أن تسنح لها الظروف لاستخدامها لدى الإدارة الأميركية الجديدة باعتبارها الأقدر على دفع الثمن أقله بخفض العقوبات الأميركية.
وتلفت إلى أن «حزب الله» الذي يقيم علاقته مع الحريري على أساس «ربط النزاع» حول الأمور الخلافية في وقت يسيطر على علاقته بـ«حزب التقدمي الاشتراكي» حالة من الفتور النافر بخلاف تحالفه الاضطراري مع الرئيس بري لتحصين الساحة الشيعية والحفاظ على تعايشه مع حركة «أمل» الذي يلاقيه بتحالف استراتيجي مع عون وباسيل لحاجته إلى غطاء سياسي مسيحي في وجه الحملات التي يتعرض لها، وفي المقابل لاضطرارهما إلى الارتماء سياسياً في أحضانه للخروج من مأزق علاقتهما بسائر المكونات السياسية.
وعليه، فإن «حزب الله» وإن كان يحاول التدخّل لخفض منسوب التوتر بين حليفيه عون - باسيل وبين حليفه الآخر الرئيس بري، فهو ليس في وارد الضغط على عون، وهذا ما أبلغه للجانب الفرنسي لأنه يتحصن خلف تشدده لرفع الضغوط عنه.
ويبقى السؤال مطروحاً حول ما سيفعله ماكرون، وهل سيحمل معه عصا أكثر غلاظة من عصاه التي رفعها في وجه من التقاهم في زيارته الثانية لبيروت، معرباً فيها عن انزعاجه حيال ما آلت إليه الأوضاع في لبنان محمّلاً إياهم مسؤولية انهيار بلدهم؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».