«كوفيد ـ 19» يدفع الصحافة الورقية العربية إلى «نموذج عمل جديد»

مقترحات بالاهتمام بالتدريب وتقديم محتوى مختلف

{نيويورك تايمز} قد تستمر في طباعة النسخة الورقية لعشر أو خمس عشرة سنة مقبلة
{نيويورك تايمز} قد تستمر في طباعة النسخة الورقية لعشر أو خمس عشرة سنة مقبلة
TT

«كوفيد ـ 19» يدفع الصحافة الورقية العربية إلى «نموذج عمل جديد»

{نيويورك تايمز} قد تستمر في طباعة النسخة الورقية لعشر أو خمس عشرة سنة مقبلة
{نيويورك تايمز} قد تستمر في طباعة النسخة الورقية لعشر أو خمس عشرة سنة مقبلة

في حين عد مراقبون أنه «سوف يساهم في حل أزمات الصحف الورقية العربية التي تفاقمت معاناتها في ظل جائحة (كوفيد-19)»، اقترح صحافيون كثر «نموذج عمل جديداً» للصحافة الورقية، يمكن تطويره للتعافي من الأزمة، والاستدامة في ظل الإشكاليات التي خلفتها الجائحة.
مقترحات النموذج تتضمن «الاهتمام بتدريب الصحافيين، وتقديم محتوى بصيغ مختلفة، وتخفيض تكاليف إصدار الصحف، ودعمها بالإعلانات الحكومية». فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، تجدد الحديث عن مستقبل الصحافة الورقية التي تعاني من تراجع في التوزيع والإعلانات. ووسط الخطط ومحاولات التطوير لإنقاذ الصحافة الورقية، جاءت «كوفيد-19» لتعمق الأزمة، وتجعل التطوير أمراً حتمياً عاجلاً لإنقاذ الصناعة. وهذا، مع تأكيد بعضهم أن «الصحافة الورقية ستبقى، وإن تراجع عدد قرائها»، مقابل جزم آخرين بأن «الإعلام الإلكتروني سوف يهيمن على المشهد بعد انتهاء الجائحة».
وخلال حوار نشره موقع «نيمان لاب»، المتخصص في مناقشة قضايا الإعلام التابع لمؤسسة «نيمان لاب» للصحافة بجامعة هارفارد الأميركية العريقة، في أغسطس (آب) الماضي، ذكر مارك طومسون، الرئيس التنفيذي لشركة «نيويورك تايمز»، الذي أعلن ترك منصبه في يوليو (تموز) الماضي، بعد 8 سنوات في إدارة واحدة من أشهر المؤسسات الصحافية الأميركية، أن «(نيويورك تايمز) قد تستمر في طباعة النسخة الورقية لعشر أو خمس عشرة سنة مقبلة، وربما أكثر من ذلك؛ لكنني سأكون متفاجئاً إذا استمرت 20 سنة». وأضاف أن «هناك أكثر من 900 ألف شخص تصلهم النسخة الورقية يومياً في جميع أنحاء أميركا، دون دولار واحد من الإعلانات الورقية داخلها»، متسائلاً: هل ستنتهي الصحافة الورقية تماماً بصفتها وسيلة إعلامية أم أن هناك إمكانية لإنقاذها؟
الدكتور خالد القضاة، سكرتير تحرير جريدة «الرأي» الأردنية عضو نقابة «الصحافيين» الأردنية، اقترح خلال حوار مع «الشرق الأوسط» خطة لإنقاذ المطبوعة الورقية العربية، تعتمد على «تطوير المؤسسات الإعلامية لتكون الصحيفة الورقية أحد أذرعها لنشر المحتوى، والاهتمام بتدريب الصحافيين، والعمل على تقديم المحتوى الإعلامي بصيغ مختلفة تتناسب مع كل وسيلة، بشرط أن تدعم الدول المؤسسات الإعلامية، وذلك بجعلها المصدر الأول للخبر. وفضلاً عن ذلك، تخفيض تكاليف إصدار الصحف، بإعفائها من الضرائب، ودعمها بالإعلانات الحكومية». كما طالب بإقرار «صندوق لدعم الإعلام الأردني، بصفته ضرورة لضمان استمرار واستقلال المؤسسات الإعلامية لأن المؤسسات الإعلامية -حسب رأيه- تؤدي دوراً وطنياً لا يقاس بالربح والخسارة».
أما فتحي أبو حطب، مدير عام صحيفة «المصري اليوم» اليومية الخاصة في مصر، فيرى أن «إنقاذ الصحف الورقية يتطلب أولاً أن يجتمع المسؤولون عن هذه الصحف لمناقشة مشكلاتها، وأن يضعوا أسساً للتنظيم الذاتي لصناعة الإعلام، ومن ثم يصار إلى الاتفاق على أساسيات المهنة، من أجل إنتاج محتوى قادر على جذب القارئ... هذا، مع عودة شركات قياس الرأي العام ومقروئية الصحف ونسب المشاهدة للعمل، لخلق مناخ من المنافسة يسمح بالتطوير المستمر. ويبقى الأهم هو دعم الدول لعملية التطور، وخلق مساحة بينها وبين الإعلام الخاص تسمح له بحرية الحركة».
ومن جهته، يرى الصحافي الكويتي مفرح الشمري، رئيس قسم الفن بجريدة «الأنباء» الكويتية نائب رئيس اتحاد «الإعلاميين العرب»، أن «الحل الأمثل لإنقاذ الصحافة الورقية هو بالاعتماد على المنصات الإلكترونية، من أجل إيجاد قنوات اتصال مع الجيل الجديد الذي يعشق القراءة عبر الإنترنت. وبذلك، تكون الصحف الورقية قد تأقلمت مع التغيير، وكسبت جيلاً جديداً من القراء». وضرب الشمري المثل بصحيفة «الأنباء»، حيث يعمل، قائلاً إنها كانت «أول صحيفة في الكويت تتعامل مع التطبيقات الإلكترونية والهواتف المحمولة، ليصبح بإمكان القراء متابعة الأخبار بأكثر من طريقة: مقروءة، ومسموعة، ومرئية».
وللعلم، لخص تقرير نشره موقع «ذي كونفرزيشن» (The conversation)، وهو شبكة إخبارية عالمية بدأت في أستراليا عام 2011، وبعدها أطلقت في كندا وأميركا وفرنسا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول، كيفية مواجهة الصحف الورقية للأزمة في عدة طرق، وهي: «توفير الدعم المالي من الحكومات، والاتجاه نحو المحتوى المدفوع، من خلال تحصيل رسوم اشتراكات على المواقع الإلكترونية، وعقد اتفاقيات مع (غوغل) و(فيسبوك) للحصول على عائدات أكبر من الإعلان، وتنويع طريقة عرض المحتوى بأشكال مختلفة (بودكاست، وفيديو، ومؤتمرات)، والاهتمام بالمحتوى العميق المرتفع القيمة، ومواجهة الأخبار الكاذبة، والحرص على تنوع توجهات الصحافيين لتعكس فئات المجتمع المختلفة».
وعودة إلى القضاة، فإنه مؤمن بأن «الصحافة الورقية ستبقى بصفتها وثيقة مهمة يُمكن الرجوع إليها لمعرفة تاريخ أو تفاصيل مرحلة معينة، حتى إن تراجع عدد قرائها. ويكفيها أن تحصل على نسبة 5 في المائة من القراء في مؤسسة إعلامية متعددة الأذرع». ثم يضيف: «سبب أزمة بعض الصحف الورقية هو مقاومتها للتغيير. وعندما حاولت مسايرة ركب التطور، بإنشاء أذرع إلكترونية لها، جعلت الوسيط الإلكتروني، سواء أكان موقعاً أو صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، نسخة من الصحيفة الورقية، من دون أن تأخذ في الاعتبار طبيعة الجمهور في كل وسيط».
وهنا يتفق معه أبو حطب، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «مقاومة التطوير بين أبناء المهنة هو أحد أسباب أزمة الصحافة الورقية التي ترفض حتى مناقشة هذه الأزمة، والكتابة عنها، التي تفاقمت بفعل (كوفيد-19)»، لكنه في الوقت نفسه لا يرى أن الصحف الورقية بصفتها وسيلة إعلامية سوف تنتهي، وإن كانت «تحتاج إلى إرادة قوية للتطوير».
أما الشمري، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الصحافة الورقية باقية لأن هناك مَن يعشقها، خاصة بين الأجيال القديمة التي اعتادت أن تتصفحها في الصباح... وما جرى ترويجه منذ بدء أزمة الجائحة عن نقل الصحف للعدوى كلام غير دقيق». وأردف: «مع بدء عودة الحياة إلى طبيعتها في الكويت، اتخذت إجراءات احترازية فيما يتعلق بـ(كوفيد-19) والصحافة الورقية، فأصبحت الصحف تصل إلى المنازل مغلفة معقمة لضمان الأمان».
وفي سياق البحث، حاورت «الشرق الأوسط» أيضاً كلاً من الصحافية التونسية آسيا العتروس والكاتب الصحافي العُماني حمود بن علي الطوقي.
الطوقي، رئيس تحرير مجلة «الواحة»، توقع «هيمنة الإعلام الإلكتروني بعد (كوفيد-19)، في مواجهة الصحافة الورقية»، إلا أن العتروس واثقة من أن «الصحافة الإلكترونية لن تعوض الورقية، والعكس بالعكس، إذ لكل خصوصيته، فالأولى تعتمد على سرعة نقل الخبر، والثانية كانت -ولا تزال- تعيش على كل ما هو دسم من أخبار وتحليل.
وعلينا دوماً أن نتهيأ لكل السيناريوهات، وأن نضع نصب أعيننا السؤال التالي: ماذا سيحدث في العالم لو قطع الإنترنت؟». وهنا تضيف: «لا يوجد شيء يعوض نكهة الورق، ومتعة مطالعة الصحف مع رشفة قهوة الصباح. ولك مع هذا على الصحف، تماشياً مع ما فرضته الجائحة، ومع انتشار المخاوف من أن تكون الصحف مصدراً لنقل العدوى، مواكبة التطورات بالاتجاه نحو الصحافة الرقمية».
جدير بالذكر أن دراسة نشرها موقع «إينتو ذي مايندز» (Into The Minds)، وهو مؤسسة استشارات وبحوث تسويقية مقرها باريس وبروكسل، أفادت بأن «انتشار (كوفيد-19) خلق أزمة كبيرة للصحف الورقية التي لم تتجه نحو التحول الرقمي»، وتوقعت توقف كثير منها عن الصدور.
وأشارت الدراسة الصادرة في مايو (أيار) الماضي إلى أن «أزمة (كوفيد-19) سرعت عملية التحول الرقمي بالنسبة للصحف التي كانت قد بدأت في التحول الرقمي، ودفعت باتجاه الاشتراكات».
يشار إلى أن أزمة الجائحة كانت قد دفعت بعض الصحف والمجلات العربية، وفي مقدمتها صحيفة «الشرق الأوسط»، إلى العمل من المنازل، في تجربة وصفها الصحافيون بـ«الفريدة الثرية».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.