تخيلات قصصية حول عالم «يحتضر برئة مسدودة»

أنيس الرافعي في «الحيوان الدائري»

تخيلات قصصية حول عالم «يحتضر برئة مسدودة»
TT

تخيلات قصصية حول عالم «يحتضر برئة مسدودة»

تخيلات قصصية حول عالم «يحتضر برئة مسدودة»

في «الحيوان الدائري»، مجموعة الكاتب المغربي أنيس الرافعي القصصية الجديدة، الصادرة عن دار «أكورا» بطنجة لا يتعلق الأمر بالموت فقط. بل بشيء أكبر وأفدح من الموت نفسه، ينخرنا من الداخل العميق، وينخر شتى ما يحيط بنا ويشملنا. «شيء هائل وجبار ومؤلم وكارثي ومفجع وكابوسي جسيم وقاتم، بمقدوره أن يعيش ويستمر حتى بعد الموت والفوات المبرمين».
يتعلق الأمر، كما جاء في كلمة تقديمية من الناشر، بحيوان سردي «شبيه بقاتل متسلسل مجرد من عاطفة الرحمة، والمشكل من 23 قطعة حكائية مشيدة مثل آلة متقنة بالغة التعقيد»، موزعة على 184 صفحة من القطع الصغير. إنه «حيوان كان غافياً ومدفوناً تحت الطبقات الرسوبية للاوعينا منذ آلاف السنين، فتم إيقاظه عن طريق الخطأ. حيوان بهويات متبدلة وبهيكل ضخم لا حد له، يوزع أطرافه ووجوهه في كل نص قصصي، في أدنى فلذة خيال، وكسرة رعب، ووثبة فانتازيا». هو «حيوان دائري. دائري جداً حد البكاء، حد التراجيديا، حد الفزع المطلق، يلتف بذيله المحرشف اللانهائي حول عنق العالم، ثم يخنق أنفاسه بلا شفقة»؛ لنكون مع «العالم الآن»، وهو «يحتضر برئة مسدودة»، فيما يحاول الكاتب «أن يفسر مآله الختامي. مآلنا الجماعي، الديستوبي، ما بعد النهاية الكونية إذا صح القول».
يصير الكاتب، هنا، كما لو أنه «حامل كاميرا رقمية متطورة يصور الأنفاس الأخيرة والثواني الأولى بعد النهاية مباشرة»، فيما يقدم ذاته بوصفه مؤلفاً «أبوكاليبتياً» بامتياز، وباعتباره رساماً ساخراً ومخبولاً لأدب عوالم الواقع المرير، الذي تناهبته الفوضى والجوائح والشرور والخراب والمرض والخواء والسيناريوهات الفظيعة والانهيارات الفجائعية والفضاءات المنهارة التي لم تعد مناسبة للعيش، والكائنات الشوهاء المجردة من إنسانيتها.
ورغم النسيج السردي الضارب في فضاءات الخرافة والأسطورة، تم تجنيس الكتاب، حسب ناشره، بـ«تخيلات قصصية»، لافتا إلى أن أغلب نصوصه في ظلالها المتبادلة، وفي عروق التخييل الخفيّة الممتدة في طبقاتها الداخلية، هي «هولوغرام سرديّ» يعتمد نفس أنظمة «الهولوغرام» أو التصوير التجسيميّ، الذي هو أحد تطبيقات شعاع الليزر لإنتاج واقع افتراضي مجسّم بتقنية ثلاثي الأبعاد، حيث تسلّط الموجات الصادرة من الشعاع على وسيط عالي الحساسية للضوء يسمّى «الهولوغراف»، فينقسم عندئذ إلى شعاعين: شعاع المصدر وشعاع الجسم، ليتقابلا على ذلك الوسيط شديد الحساسية، الذي يقوم بتسجيل التداخل بين الشعاعين. فيما «يظهر هذا التداخل على شكل ما هو معروف فيزيقياً باسم «هدب التداخل»، وعند إضاءة هذا الوسيط المسجّل عليه هدب التداخل بنفس شعاع الليزر، يتخلّق في الفراغ على شكل صورة مجسّمة ثلاثيّة الأبعاد، تتضمّن مقومات العرض والارتفاع والعمق كما هو الشأن في البناء المعماري ﻟ «هولوغرام السرديّ». فيما «تمّ تطوير صناعة (الهولوغرام) واستغلاله ضمن مجالات هندسة وتصميمات العمارة الداخليّة على نحو واسع النطاق، مثل عمل اللوحات الفنيّة الهولوغرامية، النموذج المعماري الهولوغرامي، اللّوحات الجدارية المتحرّكة، النوافذ الهولوغرامية، والأرضيات الهولوغرامية، وجميع هذه العناصر أصبحت تظهر في الأحياز الداخليّة المعماريّة. حيث إنّ (الهولوغرام) باعتماده على اللّون والضوء وزاوية الرؤية المختلفة يستمرّ في إبهار المشاهد، فهو دائم التأثير الحركيّ، وكلّما تغيّر منظور الرؤية وجدت مؤثرات وألوان جديدة».
ونقرأ على ظهر غلاف هذه المجموعة القصصية، التي يهديها المؤلف إلى مراد القادري الزجال المغربي ورئيس بيت الشعر في المغرب و«الرجل الذي دحر وحش الوباء بابتسامة الحياة»: «مثلما لو كنا شخصّيات إضافيّة التحقت متأخّرة بمنطقة السعير في (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري. فئة منا سيّئة الطالع، أو ربّما وفيرة الحظّ، كان يقع اختيار ابن القارح عليها للمكوث في برزخه إلى الأبد، بينما مضيت أنا مع الشطر الناجي الذي كُتِب له الالتحاق بالجزيرة الثالثة، التي يعتبرها مهندسو كلّ هذا الهول، مصنعاً عملاقاً لإعادة تدوير ورسكلة مخلّفات الحياة البشريّة، وأفعالها الممجوجة، وقبائحها المشينة، حيث كان يقف الواحد منا أمام سلسلة مديدة لا حدّ لها لنظام التركيب، ثمّ ينتظر مرور مساوئه، وعيوبه، ومثالبه القديمة، والمهترئة، والمتهالكة، والرثة، والمثقوبة، والصدئة. يراها مكتوبة بالسماق، على صفائح عريضة من الخشب، كالألواح المحفوظة المستودعة لمشيئاتنا، والضامّة لمقاديرنا، دون زيادة، أو نقصان، أو تحريف، أو تبديل. نراها حتّى نحفظها عن ظهر قلب، وإلى أن تشعّ في وجوهنا على حين غفلة مساليط ضوء تغشى البصر وهو حسير خسيف، فتنطلق عندئذ ناحيتنا أسراب من الغربان مثل طيور (هتشكوك)، ثمّ تأكل عيوننا بلا رأفة... عيوننا التي بعد التهامها كانت تنمو من جديد في عذاب لا ينتهي»!



العُلا... إلى تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا

جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
TT

العُلا... إلى تعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا

جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)
جانب من المشاركين في عرض «مسارات» في العلا (الشرق الأوسط)

وسط أجواء من العراقة التي تتمثّل بها جبال العلا ووديانها وصحرائها، شمال السعودية، احتفلت، الجمعة، «فيلا الحجر» و«أوبرا باريس الوطنية» باختتام أول برنامج ثقافي قبل الافتتاح في فيلا الحجر، بعرض قدّمته فرقة باليه الناشئين في أوبرا باريس الوطنية.

«فيلا الحجر» التي جاء إطلاقها خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، محافظة العُلا (شمال غربي السعودية)، في 4 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تعدّ أول مؤسسة ثقافية سعودية - فرنسية تقام في السعودية، لتعزيز الدبلوماسية الثقافية على نطاق عالمي من خلال التعاون والإبداع المشترك، بما يسهم في تمكين المجتمعات ودعم الحوار الثقافي، وتعد أحدث مشروعات الشراكة الاستراتيجية بين «الهيئة الملكية لمحافظة العُلا»، و«الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا».

وبمشاركة 9 راقصات و9 راقصين تراوح أعمارهم بين 17 و22 عاماً من خلفيات متنوعة، أدّى الراقصون الناشئون، تحت إشراف مصمم الرقصات الفرنسي نويه سولييه، عرضاً في الهواء الطلق، على الكثبان الرملية، ووفقاً للحضور، فقد نشأ حوار بين حركاتهم والطبيعة الفريدة للصخور والصحراء في العلا، لفت انتباه الجماهير.

تعزيز التبادل الثقافي بين الرياض وباريس

وأكد وجدان رضا وأرنو موراند، وهما القائمان على برنامج «فيلا الحجر» لما قبل الافتتاح الموسم 2023 - 2024 لـ«الشرق الأوسط» أنه «سعياً إلى تحقيق الأهداف الأساسية لبرنامج ما قبل الافتتاح لـ(فيلا الحجر)؛ جاء (مسارات) أول عرض إبداعي للرقص المعاصر تقترحه الفيلا». وحول إسهامات هذا العرض، اعتبرا أنه «سيسهم في تحديد ما يمكن أن تقدمه هذه المؤسسة الثقافية لتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا، من خلال فهم العلاقة بأرض العلا التاريخية، وبجعلها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأجواء الطبيعية للمنطقة وبالبيئة الحضرية».

من جهتها، شدّدت فريال فوديل الرئيسة التنفيذية لـ«فيلا الحجر»، لـ«الشرق الأوسط» على التزامهم «بتقديم عروض لفنون الأداء وتسليط الضوء على الطاقة الإبداعية للمواهب السعودية والفرنسية والدولية» مشيرةً إلى أن شراكة الفيلا مع أوبرا باريس الوطنية، من شأنها أن «تعزِّز وتشجّع التعاون والحوار الثقافي بين السعودية وفرنسا، وعلى نطاق أوسع بين العالم العربي وأوروبا، إلى جانب تشكيل فرصة فريدة لصنع إنجازات ثقافية تتميز بالخبرة في بيئة فريدة ولجمهور من كل الفئات».

«مسارات»

وبينما أعرب حضور للفعالية من الجانبين السعودي والفرنسي، عن إعجاب رافق العرض، واتّسم باستثنائية تتلاءم مع المكان بعمقه التاريخي وتشكيلاته الجيولوجية، أكّد مسؤولون في «فيلا الحجر» أن عرض «مسارات» جاء تحقيقاً للأهداف الأساسية لبرنامج «فيلا الحجر» لما قبل الافتتاح، حيث يعدّ أول عرض إبداعي للرقص المعاصر على الإطلاق تقترحه المؤسسة المستقبلية، وتوقّعوا أن يُسهم العرض في تحديد ما يمكن أن تسهم به هذه المؤسسة الثقافية لتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية وفرنسا، من خلال فهم علاقتها بأرض العُلا التاريخية، وبجعلها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأجواء الطبيعية للمنطقة وبالبيئة الحضرية.

وانتبه الحضور، إلى أنه احتراماً للمكان الغني بالتنوع البيولوجي وبتاريخه الممتد إلى آلاف السنين (العلا)، جاء العرض متحفّظاً وغير تدخلي، فلم تُستخدم فيه معدات موسيقية ولا أضواء، بل كان مجرد عرض مكتف بجوهره، في حين عدّ القائمون على العرض لـ«الشرق الأوسط» أنه حوارٌ مع البيئة الشاسعة التي تحتضنه وليس منافساً لها.

15 لوحاً زجاجياً يشكّلون عملاً فنياً معاصراً في العلا (الشرق الأوسط)

«النفس – لحظات طواها النسيان»

والخميس، انطلق مشروع «النفس – لحظات طواها النسيان» بعرض حي، ودُعي إليه المشاركون المحليون للتفاعل مع المنشأة من خلال التنفس والصوت؛ مما أدى إلى إنتاج نغمات رنانة ترددت في أرجاء الطبيعة المحيطة، ووفقاً للقائمين على المشروع، فإن ذلك يمزج العمل بين التراث، والروحانية، والتعبير الفني المعاصر، مستكشفاً مواضيع خاصة بمنطقة العلا، مثل العلاقة بين الجسد والطبيعة.

وكُشف النقاب عن موقع خاص بالمنشأة والأداء في العلا، حيث يُعدّ المشروع وفقاً لعدد من الحاضرين، عملاً فنياً معاصراً من إنتاج الفنانة السعودية الأميركية سارة إبراهيم والفنان الفرنسي أوغو شيافي.

يُعرض العمل في موقعين مميزين بالعلا، حيث تتكون المنشأة في وادي النعام من 15 لوحاً زجاجياً مذهلاً يخترق رمال الصحراء، بينما تعكس المنحوتات الزجاجية المصنوعة يدوياً جيولوجيا المنطقة في موقع «دار الطنطورة».