«الأوركسترا الحضرمية» تتجاوز الجغرافيا وتصافح دور الأوبرا العالمية

القحوم لـ«الشرق الأوسط» : نريد نقل عظمة تراثنا اليمني والعربي للعالم

TT

«الأوركسترا الحضرمية» تتجاوز الجغرافيا وتصافح دور الأوبرا العالمية

«الأوركسترا الحضرمية» مقطوعة موسيقية عالمية بنهكة «حضرمية» ألّفها الموسيقار الشاب اليمني محمد القحوم (31 عاماً)، مزج خلالها بين فن الأوركسترا بالتراث الموسيقي والإيقاعات الحضرمية الشهيرة (شرق اليمن).
يقول القحوم، الذي يقطن مدينة تريم في حضرموت، إن الفكرة جاءت أثناء دراسته الموسيقى في الأردن عام 2014، وحديثه مع أصدقائه عن أنواع الفنون والقوالب اللحنية والإيقاعية الحضرمية لهم، وتساؤل بعضهم عن وجود مقطوعات موسيقية صرفة للفن الحضرمي.
ويضيف القحوم في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفن الحضرمي وصل للعديد من الأقطار كفن طربي عبر الكلمة واللحن، لكن كفن موسيقي لم يكن هناك أي مشروع يتبنى هذا الاتجاه، وهنا بدأت التفكير جدياً في تأليف مقطوعات تراثية بصبغة عالمية».
استغرق الإعداد والعمل من القحوم لتأليف 6 مقطوعات أربع سنوات، خاض خلالها العديد من النقاشات مع مستشارين في الفن الأوركسترالي والتراثي وكيفية الدمج بينهما على أن يكون سلساً ومعبراً، على حد تعبيره. وتابع «مرحلة تأليف المقطوعات وتنويتها، وهي المرحلة الأصعب والأطول، درست فيها الألوان التراثية والبحث في تفاصيلها، والتأكد من مصادرها التاريخية وصحتها، ثم دُرس دمجها بشكل أوركسترالي واختيار اللون التراثي الذي سنعمل فيه، البدء في تأليف الجمل اللحنية الأساسية والهارمونية إلكترونياً، ثم البدء في تسجيل هذه الجمل عبر عازفين محترفين في الاستديوهات، وتحويل الجمل الإلكترونية إلى جمل حقيقية تعزف داخل الاستديوهات».
وفقاً للقحوم الذي تلقى دروساً موسيقية في المعهد الوطني للموسيقى في الأردن، فإن المقطوعة الموسيقية عُرضت على مجموعة من عامة الناس لرؤية ردة فعل المستمع العادي، والاستفادة من الملاحظات لتعديلها، بعدها حُضّر للحفل وقُسّمت المهام وبدأت التدريبات الأوركسترالية والتراثية وتصميم الرقصات والديكور؛ واستغرقت هذه الجزئية ستة أشهر فقط.
المقطوعة التي اختارها القحوم وفريقه لتقديم «الأوركسترا الحضرمية» كانت لأغنية تراثية شهيرة هي «صبوحة خطبها نصيب»، وشارك في أدائها 90 عازفاً من حضرموت باليمن، وماليزيا، والهند، والصين، وأوزبكستان، واليابان.
يؤكد القحوم، وهو أيضاً خريج هندسة مدنية، أن المقطوعات الأوركسترالية التراثية التي قدمت في ماليزيا هي الخطوة الأولى، وستتبعها مشاريع قادمة في كبرى دور الأوبرا العالمية، وأضاف «نطمح للعالمية، نريد تقديم فننا في أكبر دور الأوبرا حول العالم، وننقل عظمة تراثنا العربي بشكل عام واليمني بشكل خاص ونوصل للعالم أننا أهل سلام ومحبة وفن». وكشف الموسيقار القحوم عن تأليف مجموعة من المقطوعات الجديدة لألوان يمنية أخرى بجانب اللون الحضرمي، وقال «وقّعنا أيضاً عقوداً مع عدد من دور الأوبرا في أكثر من مكان حول العالم لتقديم حفلات».
يعبر القحوم عن سعادته قائلاً «ما أدخل السعادة على قلبي هو بهجة اليمنيين في الداخل والخارج في ظل هذا الوضع الصعب الذي يعيشونه، واستطعنا أن نبعث البهجة في نفوسهم».
لم يتوقف الموسيقار اليمني الشاب عند تأليف المقاطع الأوركسترالية، لكنه أيضاً أعاد توزيع مجموعة من الأغاني العالمية والوطنية الشهيرة وقدمها بأسلوب تراثي يمني، ومن أبرزها موسيقى مسلسل «صراع العروش»، وأغاني ديسباسيتو، وهافانا، كما حوّل رقصة «التابوت» الشهيرة إلى اللون الحضرمي، إلى جانب الأغاني الوطنية للسعودية والإمارات، وغيرها.
وقال القحوم، إن عام 2021، سيشهد توزيع 12 فيديو جديداً لهذه السلسلة، أهمها أغنية «سي لا في»، وأغنية رأس السنة الميلادية، بالإضافة إلى تحويل أغانٍ عالمية إلى اللون الصنعاني.



«رفعت عيني للسما» يبدأ رحلته التجارية بدور العرض المصرية

الملصق الدعائي للفيلم  (حساب المخرج على فيسبوك)
الملصق الدعائي للفيلم (حساب المخرج على فيسبوك)
TT

«رفعت عيني للسما» يبدأ رحلته التجارية بدور العرض المصرية

الملصق الدعائي للفيلم  (حساب المخرج على فيسبوك)
الملصق الدعائي للفيلم (حساب المخرج على فيسبوك)

بعد تتويجه بجائزة «العين الذهبية» في مهرجان كان السينمائي، وفوزه أخيراً بجائزة «نجمة الجونة» لأفضل فيلم وثائقي «مناصفة»، وحصول مخرجيه ندى رياض وأيمن الأمير على جائزة مجلة «فارايتي» الأميركية لأفضل موهبة عربية، ومشاركته في مهرجانات دولية من بينها «شيكاغو» الأميركي، بدأ الفيلم الوثائقي المصري «رفعت عيني للسما» المعنون بالإنجليزية «The Brink Of Dreams» رحلته في دور العرض بمصر، حيث يعرض في 20 من دور العرض بالقاهرة والإسكندرية والأقصر وبنها والجونة بالبحر الأحمر، في واقعة غير مسبوقة لفيلم وثائقي، ويعد الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين مصر وفرنسا والدنمارك والسعودية وقطر.

يتتبع الفيلم رحلة مجموعة من الفتيات بقرية «برشا» في صعيد مصر لتأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن في شوارع القرية لطرح قضايا تؤرقهن، مثل الزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، ويواجهن رفض مجتمعهن، بل ويصفهن البعض بالخروج عن الأدب، ويتعرضن لمضايقات من رواد العروض الذين يسخرون منهن.

يعرض الفيلم الذي جرى تصويره على مدى 4 سنوات لوقائع حقيقية، وتنتقل الكاميرات بين الشوارع والبيوت الفقيرة التي يعشن فيها، وأسطح المنازل اللاتي يقمن بعقد اجتماعات الفرقة بها، والتدريب على العروض التي تتسم بالجرأة وتنتقد المجتمع الصعيدي في تعامله مع المرأة، وحاز الفيلم إشادات نقدية واسعة من نقاد عرب وأجانب.

وتصدر الملصق الدعائي للفيلم صور بطلات الفرقة «ماجدة مسعود، وهايدي سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا نصر مؤسسة الفرقة»، وهن صاحبات هذه المبادرة اللاتي بدأنها قبل 10 سنوات، ولفت نشاطهن نظر المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، فقررا توثيق رحلتهن بعدما لاحظا إصراراً من البنات على مواصلة عروضهن.

وحول عرض الفيلم في هذا العدد الكبير من دور العرض ومدى ما يعكسه ذلك كونه فيلماً وثائقياً يقول المخرج أيمن الأمير لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم يحكي قصة وينقل مشاعر، ويعبر عن شخصيات بغض النظر عن نوعه، وهناك جمهور أحبه وتأثر وهو يشاهده، والتقينا به في عروض حضرتها البنات بطلات الفيلم، وقد التف الجمهور يتحدث معهن ويطمئن على أخبارهن، وهذا بالنسبة لي النجاح، وأن تتصدر بنات من الصعيد بطولة فيلم ويعرض فيلمهن بجوار أفلام لنجوم معروفة؛ فهذا بالنسبة لي هو النجاح بعينه».

مخرجا الفيلم الزوجان أيمن الأمير وندى رياض (حساب المخرج على فيسبوك)

وقد تغيرت أحوال بطلاته وبدأن بشق طريقهن الفني، فقد جاءت ماجدة وهايدي إلى القاهرة؛ الأولى لدراسة التمثيل، والثانية لدراسة الرقص المعاصر، فيما طرحت مونيكا 3 أغنيات على مواقع الأغاني المعروفة، من بينها أغنيتها التي تؤديها بالفيلم «سيبوا الهوى لصحابه».

تقول ماجدة لـ«الشرق الأوسط»: «الأوضاع تغيرت تماماً، قبل ذلك كان الناس في قريتنا يرفضون ما قمنا به وكانوا يقولون (عيب أن تتكلموا في قضايا النساء)، ويتهموننا بتحريض البنات على عدم الزواج، لكن بعد الفيلم اختلفت الصورة تماماً، وأقام أخي بعد عودتنا من (كان) احتفالاً كبيراً، والقرية كلها أقامت احتفالاً لاستقبالنا عند عودتنا، وبدأت الأسر ترسل بناتها للانضمام للفرقة، لقد كان الفيلم أكبر حدث تحقق لنا، وقدمنا عروضاً بالشارع خلال مهرجان (كان)، وكانت مصحوبة بترجمة فرنسية، وفوجئنا بالفرنسيات ينضممن لنا ويصفقن معنا».

ماجدة مسعود تتمنى أن تمثل في السينما والمسرح (حساب المخرج على فيسبوك)

وتضيف ماجدة أنه «قبل الفيلم كنا نكتفي بالتمثيل في شوارع القرية وما حولها وما زلنا نواصل ذلك، لكن الآن أصبح لدينا أمل، ليس فقط في مناقشة قضايانا، بل لأن نشق طريقنا في الفن، وقد بدأت منذ عام دراسة المسرح الاجتماعي في (الجيزويت) لأنني أتمنى أن أكون ممثلة في السينما والمسرح».

لكن هايدي التي انضمت للفرقة عام 2016 وجدت تشجيعاً من والدها في الواقع مثلما ظهر بالفيلم يشجعها ويدفعها للاستمرار والتعلم والدراسة، وقد شعرت بالحزن لوفاته عقب تصوير الفيلم، كما شجعتها أيضاً والدتها دميانة نصار بطلة فيلم «ريش»، كانت هايدي تحلم بدراسة الباليه، لكن لأن عمرها 22 عاماً فقد أصبح من الصعب تعلمه، وقد جاءت للقاهرة لتعلم الرقص المعاصر وتتمنى أن تجمع بين الرقص والتمثيل، مؤكدة أن الموهبة ليست كافية ولا بد من اكتساب الخبرة.

هايدي اتجهت لدراسة الرقص المعاصر (حساب المخرج على فيسبوك)

وتلفت هايدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تكاليف الورش التي يتعلمن بها كبيرة وفوق قدراتهن، آملة الحصول على منحة للدراسة لاستكمال طريقهن».

ووفقاً للناقد خالد محمود، فإن الفيلم يعد تجربة مهمة لخصوصية قصته وما يطرحه؛ كونه يخترق منطقة في صعيد مصر ويناقش فكرة كيف يتحرر الإنسان ويدافع عن أحلامه، أياً كانت ظروف المجتمع حوله، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتمنى أن يكون الشق التوثيقي للفيلم أفضل من ذلك وأن يحمل رؤية فنية أعمق، وأرى أن المشهد الأخير بالفيلم هو أهم مشاهده سينمائياً، حيث تتسلم البنات الصغيرات الراية من الكبار ويقلدهن ويقدمن مسرح شارع مثلهن، ما يؤكد أن فرقة (برشا) تركت تأثيراً على الجيل الجديد».

ويشير محمود إلى أنه «من المهم عرض هذه النوعية من الأفلام في دور العرض كنوع من التغيير لثقافة سينمائية سائدة»، مؤكداً أن عرضها يمكن أن يبني جسوراً مع الجمهور العادي وبالتالي تشجع صناع الأفلام على تقديمها، مثلما تشجع الموزعين على قبول عرضها دون خوف من عدم تحقيقها لإيرادات.