أيوب اليوسفي: أعيش في فرنسا ومعظم أعمالي عن بلدي

الممثل المغربي أكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «خريف التفاح» فاجأه في القاهرة

الفنان المغربي أيوب اليوسفي
الفنان المغربي أيوب اليوسفي
TT

أيوب اليوسفي: أعيش في فرنسا ومعظم أعمالي عن بلدي

الفنان المغربي أيوب اليوسفي
الفنان المغربي أيوب اليوسفي

أكّد الممثل المغربي أيوب اليوسفي أنّ شخصية المُعلم التي جسدها في فيلم «خريف التفاح» جذبته بشدّة منذ قراءته الأولى للسيناريو، وتمنّى لو التقى في طفولته مثل هذا المعلم، وأشار في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى أنّه على الرّغم من إقامته منذ عشرين عاماً في فرنسا، فإنه لم ينفصل عن جذوره المغربية، إذ شارك في بطولة عشرة أفلام بالمغرب، كما أنّ بلاده كانت حاضرة بقوة في كل أعماله التي يقدمها في فرنسا كمخرج وكاتب وممثل.
ويشارك فيلم «خريف التفاح» للمخرج محمد مفتكر في مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي، ويكمل الفيلم ثلاثية الأب التي طرحها المخرج عبر فيلميه السابقين «براق»، و«جوق العميان»، ويقدّم لنا من خلاله حكاية صبي يعيش في قرى بدائية مع والده وجديه، لكنّه يتلقى دروساً قاسية عن الحب والحياة والبشر على يد الأب غريب الأطوار، وبعيون هذا الفتى الريفي في بيت تنمو شجرة التفاح في ساحته، يبدو العالم كسؤال يحتاج إلى أكثر من إجابة، بيد أنّ مدرس القرية يمثل له رمزاً مختلفاً بطبيعته الإنسانية الودودة مع التلاميذ.
وعن كواليس عمله في الفيلم يقول الممثل أيوب اليوسفي: «في بداية ترشحي لم يخبرني المخرج محمد مفتكر بالدور الذي سأؤديه، وتركني أقرأ السيناريو أولاً، فلاحظت أنّ شخصية الأب تشغل اهتماماً أكبر، لكنّني أحببت شخصية (المعلم) الذي كان بمثابة الأب للطفل، وكنت أتمنى أن ألتقي هذا المعلم في سنوات دراستي الأولى لأنّه يتمتع بأبوة مثالية، ويتعامل مع الأطفال بوعي كبير، وهذا ما جعلني أتعلق بالشّخصية، كما أنّني كنت أتطلّع للعمل مع المخرج محمد مفتكر الذي تشغله قضية العلاقة بين الآباء والأبناء بوصفها تشكل حجر الزاوية في تكوين شخصية الطفل، التي طرحها عبر فيلميه السابقين، وحينما عملت مع مفتكر رأيت فيه شخصية المعلم الذي أدّيت دوره، ورأيت فيه الأب والمخرج الواثق الذي يذلّل كل الصّعوبات خلال التصوير، وهذا أعطاني ثقة كبيرة، وصوّرنا الفيلم نهاية عام 2018 بقرية صغيرة في مراكش، وكان علينا أن نلتقي كفريق ممثلين معاً قبل بدء التصوير، وقد فاز الفيلم بالجائزة الكبرى في مهرجان طنجة خلال دورته الماضية لكنّني شاهدته للمرة الأولى عند عرضه بمهرجان القاهرة السينمائي، إذ ترك تأثيراً كبيراً عليّ وأنا أشاهده وكان مثل المفاجأة».
ودرس أيوب اليوسفي السينما في فرنسا وحصل على ماجستير في الإخراج، كما درس التمثيل، ويعمل حالياً بين المغرب وفرنسا محاولاً الموازنة بين إقامته الباريسية وعمله في السينما المغربية، وكما يؤكد: «اكتشفت أنّ أي شيء أكتبه وأقدمه في فرنسا يكون له علاقة بالمغرب، فهي في تفكيري اليومي وهي موطني الذي عشت فيه سنوات تكويني الأولى حتى سن 18 عاماً، فحياتي مقسمة بالتساوي بين فرنسا والمغرب».
وفي مجال عمله كمخرج كانت له تجربتان مهمتان يقول عنهما: «أخرجت فيلماً روائياً قصيراً بعنوان (تيكيت السينما) صُوّر في المغرب، ويروي قصة طفل صغير يعيش مع أمه العازبة، ويرغب في مشاهدة فيلم قبل إغلاق القاعة الوحيدة للسينما في بلدته، وهو لا يملك ثمن التذكرة، وهذه مشكلة نواجهها في المغرب، فقد كان لدينا 238 قاعة سينما، وخلال ثلاثين عاماً هبطت إلى 34 قاعة فقط لعدم تحقيق دور العرض عوائد مالية. كتبته في 2018 وفزت عنه بنحو 15 جائزة، من مهرجانات عدة، كما صورت فيلماً وثائقياً في باريس بعنوان (محمد قولي) عن عازف موسيقي جزائري يعيش في باريس، ويقدم أغنيات الراي في المترو، وعُرض في المغرب وشاركت به في مهرجان السينما المغاربية في باريس».
وشارك أيوب بالتمثيل في عشرة أفلام مغربية منها فيلم «طفح الكيل»، من إخراج محسن البصري، وفيلم «غرام وانتقام» للمخرج الزرقاوي.
ويقول عن أعماله في السينما الفرنسية: «اشتغلت في المغرب أكثر من فرنسا، وقدمت في فرنسا ورشاً للتمثيل، وعملت مع المخرج جوين جالين فيلماً سينمائياً للعرض التلفزيوني وشاركت في حلقات مع المخرج أجزافيو درانجيه، وفي الحقيقة فإنّ فرص العمل في فرنسا صعبة للجميع، وليس لي فقط كمهاجر عربي، بطبيعة الحال يجب أن تعمل بجدية ويكون لديك شيء حقيقي تقدمه، اليوم السينما الفرنسية صارت تتعامل بشكل أفضل ومختلف مع المهاجرين العرب والأفارقة، وهناك ممثلون مغاربة أثبتوا نجاحهم بها وحصلوا على جوائز فرنسية رفيعة من بينهم مرشدي زين، وسامي بوعجيلة، وطه الرحيم، فهؤلاء مهّدوا الطريق لنا».
ويؤمن اليوسفي بأهمية التلفزيون وبالشعبية التي يحققها للممثل، لذا فقد شارك بالتمثيل في مسلسل «هي» الذي عُرض أخيراً على قناة «إم بي سي» المغربية، ولاقى ردود أفعال واسعة، حيث جسد من خلاله شخصية ضابط يقع في صراع من أجل حبيبته، وصُورت أحداثه في المغرب خلال فترة الإغلاق مع الممثل أمين الناجي والمخرج مراد الخودي، ودارت أحداثه في 60 حلقة، ويضيف: «لقد نشأنا على الدراما المصرية، لذلك فأنا أتطلع للمشاركة في أعمال فنية بالقاهرة».
وعلى الرّغم من أنّ اليوسفي يكتب سيناريوهات ويُخرج ويمثل، فإنّه يؤكّد أنّ التمثيل هو الأكثر شغفاً بالنسبة إليه، موضحاً: «أعبّر بالإخراج عن موضوعات أتحمس لها، وأحب الكتابة وأخاف منها، فهي تعدّ أصعب من التمثيل والإخراج، وقد كتبت سيناريو فيلمي الوثائقي (محمد قولي) مع صديق فرنسي، وكتبت فيلمي (تيكيت السينما)، وحالياً أكتب سيناريو فيلمي الطّويل الأول الذي ستدور أحداثه بين المغرب وفرنسا».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.