«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

حامد فاضل نجح في إعادة تمثلها بالتركيز على الشرائح المسحوقة

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء
TT

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

تكشف رواية «لقاء الجمعة»، للروائي حامد فاضل، عن نفسها منذ البداية بصفتها رواية شخصية تشتبك مع الحدث، فاعلة منفعلة، مؤثرة في الحدث الواقعي الاجتماعي بالقدر الذي تتأثر بهذا الحدث نفسه، وكأن الروائي يقتحم السجال النقدي المستمر حول تعالق الحدث بالشخصية. فبعد أن كان ينظر إلى الشخصية بصفتها تابعة للحدث، جرياً مع المفهوم الأرسطي، حصل تحول مهم مع الثورة البرجوازية، عندما أصبحت الشخصية مستقلة عن الحدث، وربما مؤثرة فيه.
شخصية البطل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمكان، وتحديداً مدينة السماوة، حاضرة وبادية صحراوية على السواء، كما نتعرف إليه منذ البداية شاباً يافعاً من أبنائها، اسمه سهيل السماوي، يروي حكايته للراوي المركزي أو ذات المؤلف الثانية، منذ إن كان طالباً في متوسطة السماوة، ونكتشف أن هذا النص الحكائي أو الروائي هو حصيلة حوارات أجراها الراوي مع البطل سهيل السماوي في سبع جلسات أيام الجمعة. ومن هنا جاء اشتقاق عنوان الرواية.
أما سهيل السماوي هذا فهو مجرد قناع لشخصية مرجعية واقعية، هو الأستاذ خضير عباس الذي أهدى له المؤلف روايته، بصفته مرجعاً سردياً لها «له السداة، وللخيال اللحمة، ولي الحياكة»، كاشفاً عن مرجعيات روايته التكوينية الثلاث، المتمثلة في مرجع حكائي واقعي هو الأستاذ خضير، وخيال سردي، و«حياكة» سردية أنجزها المؤلف، أو ذاته الثانية، وكأنه يكرر ما يقوله النقد الثقافي عن «المؤلف المزدوج» الذي بلوره الناقد عبد الله الغذامي في كتابه «النقد الثقافي»، كاشفاً أن النتاج الإبداعي هو ثمرة تأليف مزدوج من قبل المؤلف التقليدي، وما سماه الثقافة.
يستهل الروائي روايته في فصل استهلالي، أطلق عليه اسم «عتبة»، بتوظيف ضمير المتكلم، في سرد فني مبأر، يمر من خلال شاشة وعي الراوي المركزي في الرواية، أو الذات الثانية للروائي، وهو يصدمنا بحدث يجتذب اهتمامنا منذ البداية، هو سرقة حاسوبه المحمول الذي دون فيه لقاءات الجمعة مع سهيل السماوي، وكأن الروائي يستجيب لنصيحة عدد من الروائيين والنقاد وكتاب الرواية بأن يستهلوا رواياتهم بحدث ما، ربما كما يفعل كتاب القصص والأفلام البوليسية. فهذا الحدث سوف يستدرج القارئ إلى «أفق توقع» معين يتعلق بسر اختفاء الحاسوب، وبالتالي ملاحقة تجربة بطل الرواية سهيل السماوي. ومن الطريف أن هذا الفصل الاستهلالي، غير بعيد عن مفهوم العتبات النصية عند جيرار جنيت، هو جزء عضوي من النسيج الروائي الذي «حاكه» المؤلف من خلال لعبة سردية ذكية. كما ستكمل هذا الفصل في نهاية الرواية في فصل ختامي يحمل عنوان «العتبة أيضاً»، بالكشف عن مصير الحاسوب المسروق، ليعود بالرواية إلى نقطة الشروع عبر بنية دائرية.
الرواية تتحرك من خلال منحى «ميتا سردي» واضح يتجلى منذ البداية، وإعلان الراوي المركزي أنه قام بإجراء لقاءات دونها على حاسوبه مع سهيل السماوي نفسه، روى فيها كثيراً من تجاربه التي مرّ بها في السجون والمعتقلات في دفتر صغير، قرأ فقرات منه لزملائه السجناء السياسيين، وأخيراً قيام سهيل السماوي بكتابة الرواية بنفسه، بعد أن سرق حاسوب الراوي. لذا كان الانشغال بكتابة الرواية، وكيفية تنظيمها وصياغتها أو «حياكتها» هو الهم المهيمن على تفكير الراوي المركزي الذي فجع منذ الاستهلال الروائي بضياع مسودات روايته التي دونها على حاسوبه المسروق: «ربما هي المرة الألف التي تعيد فيها ذاكرتي شريط ذلك الصباح الشباطي المطير الذي فقدت فيه حاسوبي المحمول. ماذا أقول لسهيل السماوي... بأي وجه أقابل من وثق بي وسلمني مدخرات ذاكرته؟ تلك الذكريات التي شكلت مادة نسيج روائي».
واللعبة التي اعتمدها المؤلف في وضع ما سماه «ملف رواية لقاء الجمعة»، وفصله عن الاستهلال الموسوم بـ«عتبة»، والخاتمة الموسومة بـ«العتبة أيضاً»، توفر الانطباع لدى القارئ بأنه أمام مخطوطة «مستقلة»، وهو ما يدعم الجوهر الميتاسردي للرواية عبر هذا التنوع السردي والأسلوبي والحكائي.
لذا ينطوي السرد الروائي في «لقاء الجمعة» على أكثر من لعبة سردية ماكرة، إذ تكشف الرواية عن أكثر من سارد، بل توحي بأنها عمل تأليفي مشترك بين الراوي المركزي، أو ذاته الثانية، والشخص المجهول الذي سرق الحاسوب، وتنكر باسم «جابر عثرات الروائيين» الذي سنكتشف في الفصل الختامي أنه اسم مستعار لسهيل السماوي نفسه. كما أن سهيل، خلال السنوات الطويلة التي أمضاها في السجون والمعتقلات، وبشكل خاص في سجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان، كان يدوّن ملاحظات عن حياته وتجربته، أصبحت هي الأخرى مادة أساسية من مواد النسيج الداخلي للرواية. وفضلاً عن ذلك، فقد لعب السرد الشفاهي الحكائي دوراً في إضفاء «أسلبة» لغوية وأسلوبية بتعبير باختين على لغة السرد. وظهور عنصر الحكاية، وتحديداً من خلال السرد الشفاهي، هو من الخصائص الأسلوبية الراسخة في أغلب ما كتب مؤلف الرواية حامد فاضل، وإن كان قد كرس واحداً من مؤلفاته السردية لهذا النمط الحكائي في كتابه «ألف صباح وصباح»، وجعل منه حكاءً متميزاً.
لا تخلو الرواية من جوهر تسجيلي ووثائقي، مع أنها رواية تخييلية مبأرة. كما أن كثيراً من الحقائق التي كشفت عنها، وبشكل خاص عن وضع السجناء في سجن بعقوبة، وعملية هروبهم الجماعية، والحياة الاجتماعية للسجناء في نقرة السلمان، وحتى إدراج أسمائهم الحقيقية، تكاد تكون تسجيلية ووثائقية وقريبة من الحقيقة وجزءاً من التاريخ النضالي للحركة الوطنية.
لكن الجانب الوثائقي قد تسربل برداء السرد الفني، ولم يكن مقحماً أو مصطنعاً. وبذا، فالروائي نجح في إعادة خلق الواقعة التاريخية سردياً وتخييلياً من خلال التركيز على الحياة الداخلية للشرائح المسحوقة تحت وطأة نظام الاستبداد آنذاك. ويمكن القول إن الروائي وفق في تقديم تاريخ بديل لنضال الشعب العراقي، ممثلاً بسهيل السماوي، منذ كان طالباً صغيراً في متوسطة السماوة في أوائل الخمسينيات، واعتقاله وسجنه بسبب قيادته لمظاهرة جماهيرية تضامناً مع متظاهري انتفاضة تشرين عام 1952، ومن ثم سجنه في سجن بعقوبة، ومشاركته الفعالة في حفر نفق خاص لهروب السجناء السياسيين آنذاك، ومن ثم نقله إلى سجن نقرة السلمان في بادية السماوة، حتى لحظة إطلاق سراحه مع انتصار ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.
والرواية أيضاً مهدت لاستكمال شخصية سهيل السماوي من خلال السرد الاستهلالي في «عتبة»، والختامي في «العتبة أيضاً»، من خلال التعرف إلى الوجه الآخر المعاصر لشخصية سهيل السماوي في مرحلة ما بعد الاحتلال، وتعرضه إلى التهميش والإقصاء من قبل قوى الفساد والطائفية التي هيمنت على مرافق الحياة في العراق.
ويمكن القول إن الرواية، بصفتها رواية شخصية، قد خلقت «هوية سردية» بمفهوم بول ريكور لبطلها من خلال المرويات التي كان يرويها إلى الراوي المركزي، وبسبب اهتمامها بالمكان، وتحديداً السجن السياسي، خلقت هوية سردية مكانية للسجن السياسي في العراق في ظل أنظمة الاستبداد. وفضلاً عن ذلك، وبسبب تركيز الروائي على مدينة السماوة، حاضرة وبادية، وبأهل «الوبر والمدر» -كما يقول- فقد أسس لهوية سردية لمدينة السماوة، وبشكل خاص لامتدادها الصحراوي الساحر الذي كان سجن نقرة السلمان جزءاً منه.
لقد بدا لنا الروائي مسكوناً مفتوناً بالصحراء في معظم ما كتب من أعمال سردية، وكشف في هذه الرواية بالذات عن خبرة كبيرة بالصحراء وأسرارها وأهلها وحكاياتها. ويمكن القول إنه قد كشف بعمله السردي هذا عن وجود مقومات لشعرية الصحراء، تذكرنا بعوالم الروائي الليبي إبراهيم الكوني، وهذا الثراء السحري الذي تنطوي عليه الصحراء بامتداداتها اللانهائية.
في الختام، لا يسعني إلا أن أقول عن حامد فاضل، وقدرته المدهشة على كشف شعرية الصحراء وأسرارها وأناسها وحكاياتها، ما سبق أن قلته عن الروائي إبراهيم الكوني، من أنه ذلك الساحر، البدوي، الذي يفتح لنا صندوقه الصحراوي السحري، بكل ما فيه من لقى وتمائم وحكايات وأسرار.



الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
TT

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)

يعمل الباحثون في كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في جامعة تكساس إيه آند إم بالولايات المتحدة مع خبراء الطيران الحر للببغاوات والشركاء في البرازيل، في محاولة لزيادة معدّل نجاح إطلاق الببغاوات الأسيرة في البرية.

في دراستهم المَنشورة في مجلة «بيردز» (Birds)، أطلق الفريق بنجاح قطيعاً صغيراً من ببغاوات المكاو الزرقاء والصفراء، بهدف التّعرض التدريجي للبيئة الطبيعية، من أجل إعداد هذه الببغاوات للبقاء على قيد الحياة في البرية.

وبعد عامين، لا تزال جميع الطيور الستة قيد الدراسة على قيد الحياة، كما أنها نجت حتى من حريق غابات كان قد حدث في المنطقة.

قال الدكتور دونالد برايتسميث، أستاذ في قسم علم الأمراض البيطرية في جامعة تكساس إيه آند إم: «الببغاوات هي واحدة من أكثر مجموعات الطيور المهددة بالانقراض في العالم».

وأضاف في بيان صادر الثلاثاء: «بالنسبة للعديد من الأنواع، فإن أفضل أمل لدينا لزيادة أعدادها هو تربيتها في الأسر ومن ثَمّ إطلاق سراحها. لكن بعض البرامج تنفق آلاف، بل وملايين الدولارات على تربية الببغاوات في الأسر، فقط لتكتشف أن هذه الطيور غير قادرة على البقاء على قيد الحياة في البرية لأنها لا تمتلك ما يكفي من «الخبرة في العالم الحقيقي».

وتستخدم الطريقة الجديدة استراتيجية «تدريب الطيران الحر» الواعدة لأنها تستفيد من التّطور الطبيعي للببغاوات مع السّماح للباحثين بالتحكم في متغيرات معينة مثل الموقع، على سبيل المثال.

«نحن نسهل على الببغاوات الصغيرة تعلّم الطيران والانضمام إلى القطعان والهرب من الحيوانات المفترسة من خلال تعريضها بعناية للمواقف التي قد تواجهها عادةً على أي حال، ويجري كل ذلك بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو»، كما قال كريس بيرو من منظمة «أجنحة الحرية» (Liberty Wings).

وشدّد الدكتور كوني وودمان، مدير برنامج منح الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تكساس إيه آند إم، على أن «هذه الطريقة فعالة بشكل لا يصدق لأنها لا تتطلّب أجيالاً من النوع نفسه تعلم كيفية البقاء في بيئة معينة عن طريق التجربة والخطأ».

وأوضح: «من خلال التحليق في بيئة الإطلاق ومشاهدة البالغين المدربين، يمكن لطيورنا التي أُطلق سراحها أن تتعلّم بسرعة مهارات البقاء الأساسية وزيادة فرص بقائها بشكل كبير».

يبدأ إعداد طيور الببغاوات الأسيرة للبقاء في البرية عندما تكون الطيور صغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه النظر بفضول حول العالم خارج العش.

«قبل أن يبدأ الببغاء الصغير في التحليق يبدأ بالتسلق والنظر إلى العالم الخارجي»، كما قال بيرو. «بالفعل، يقوم هذا الفرخ بإنشاء قاعدة بيانات ذهنية لما هو طبيعي في عالمه. إذا رأى حيواناً مفترساً، فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف، لذا على الفرخ أن يتعلّم كيفية الرد على التهديدات».

في مرحلة لاحقة من النمو، تُشجّع الفراخ على المشي على عصي مصمّمة لهذا الغرض، ثم القفز إلى عصي أخرى قريبة. ومن هناك، تبدأ في تعلّم الطيران.

«لمساعدة الفراخ على تعلّم الطيران سرباً، نُدرّبها حتى مع الفراخ الأخرى والطيور البالغة المدربة، حتى تتعلّم الانتقال من (النقطة أ) إلى (النقطة ب) معاً وفي أسراب»، كما قال برايت سميث.

وفي الليل وبين جلسات التدريب، تستريح الببغاوات بأمان في القفص، حيث تتلقى الطعام والماء. ولكن مع مرور الوقت، تقضي الطيور الصغيرة وقتاً أقل فأقل في القفص ومع الطيور البالغة، كما تتعلم كيفية العثور على الطعام والماء بنفسها.

قال برايتسميث: إن «جزءاً رئيسياً من هذه العملية هو في الواقع كسر الرابط بين الببغاوات والبشر الذين كانوا يطعمونها».

وأوضح أنه في عمله مع الببغاوات، اكتشف كريس بيرو أنه عندما يبلغ عمر الكتاكيت الصغار نحو 8 أشهر، فإنها تبدأ بالابتعاد عن والديها وتصبح مستقلة. نتأكد من فطام الطيور عن التغذية اليدوية بحلول هذا الوقت حتى تنتقل إلى أن تكون طيوراً برّية مستقلة، تماماً كما تفعل مع والديها».