«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

حامد فاضل نجح في إعادة تمثلها بالتركيز على الشرائح المسحوقة

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء
TT

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

«لقاء الجمعة»... لعبة سردية مسكونة بالصحراء

تكشف رواية «لقاء الجمعة»، للروائي حامد فاضل، عن نفسها منذ البداية بصفتها رواية شخصية تشتبك مع الحدث، فاعلة منفعلة، مؤثرة في الحدث الواقعي الاجتماعي بالقدر الذي تتأثر بهذا الحدث نفسه، وكأن الروائي يقتحم السجال النقدي المستمر حول تعالق الحدث بالشخصية. فبعد أن كان ينظر إلى الشخصية بصفتها تابعة للحدث، جرياً مع المفهوم الأرسطي، حصل تحول مهم مع الثورة البرجوازية، عندما أصبحت الشخصية مستقلة عن الحدث، وربما مؤثرة فيه.
شخصية البطل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمكان، وتحديداً مدينة السماوة، حاضرة وبادية صحراوية على السواء، كما نتعرف إليه منذ البداية شاباً يافعاً من أبنائها، اسمه سهيل السماوي، يروي حكايته للراوي المركزي أو ذات المؤلف الثانية، منذ إن كان طالباً في متوسطة السماوة، ونكتشف أن هذا النص الحكائي أو الروائي هو حصيلة حوارات أجراها الراوي مع البطل سهيل السماوي في سبع جلسات أيام الجمعة. ومن هنا جاء اشتقاق عنوان الرواية.
أما سهيل السماوي هذا فهو مجرد قناع لشخصية مرجعية واقعية، هو الأستاذ خضير عباس الذي أهدى له المؤلف روايته، بصفته مرجعاً سردياً لها «له السداة، وللخيال اللحمة، ولي الحياكة»، كاشفاً عن مرجعيات روايته التكوينية الثلاث، المتمثلة في مرجع حكائي واقعي هو الأستاذ خضير، وخيال سردي، و«حياكة» سردية أنجزها المؤلف، أو ذاته الثانية، وكأنه يكرر ما يقوله النقد الثقافي عن «المؤلف المزدوج» الذي بلوره الناقد عبد الله الغذامي في كتابه «النقد الثقافي»، كاشفاً أن النتاج الإبداعي هو ثمرة تأليف مزدوج من قبل المؤلف التقليدي، وما سماه الثقافة.
يستهل الروائي روايته في فصل استهلالي، أطلق عليه اسم «عتبة»، بتوظيف ضمير المتكلم، في سرد فني مبأر، يمر من خلال شاشة وعي الراوي المركزي في الرواية، أو الذات الثانية للروائي، وهو يصدمنا بحدث يجتذب اهتمامنا منذ البداية، هو سرقة حاسوبه المحمول الذي دون فيه لقاءات الجمعة مع سهيل السماوي، وكأن الروائي يستجيب لنصيحة عدد من الروائيين والنقاد وكتاب الرواية بأن يستهلوا رواياتهم بحدث ما، ربما كما يفعل كتاب القصص والأفلام البوليسية. فهذا الحدث سوف يستدرج القارئ إلى «أفق توقع» معين يتعلق بسر اختفاء الحاسوب، وبالتالي ملاحقة تجربة بطل الرواية سهيل السماوي. ومن الطريف أن هذا الفصل الاستهلالي، غير بعيد عن مفهوم العتبات النصية عند جيرار جنيت، هو جزء عضوي من النسيج الروائي الذي «حاكه» المؤلف من خلال لعبة سردية ذكية. كما ستكمل هذا الفصل في نهاية الرواية في فصل ختامي يحمل عنوان «العتبة أيضاً»، بالكشف عن مصير الحاسوب المسروق، ليعود بالرواية إلى نقطة الشروع عبر بنية دائرية.
الرواية تتحرك من خلال منحى «ميتا سردي» واضح يتجلى منذ البداية، وإعلان الراوي المركزي أنه قام بإجراء لقاءات دونها على حاسوبه مع سهيل السماوي نفسه، روى فيها كثيراً من تجاربه التي مرّ بها في السجون والمعتقلات في دفتر صغير، قرأ فقرات منه لزملائه السجناء السياسيين، وأخيراً قيام سهيل السماوي بكتابة الرواية بنفسه، بعد أن سرق حاسوب الراوي. لذا كان الانشغال بكتابة الرواية، وكيفية تنظيمها وصياغتها أو «حياكتها» هو الهم المهيمن على تفكير الراوي المركزي الذي فجع منذ الاستهلال الروائي بضياع مسودات روايته التي دونها على حاسوبه المسروق: «ربما هي المرة الألف التي تعيد فيها ذاكرتي شريط ذلك الصباح الشباطي المطير الذي فقدت فيه حاسوبي المحمول. ماذا أقول لسهيل السماوي... بأي وجه أقابل من وثق بي وسلمني مدخرات ذاكرته؟ تلك الذكريات التي شكلت مادة نسيج روائي».
واللعبة التي اعتمدها المؤلف في وضع ما سماه «ملف رواية لقاء الجمعة»، وفصله عن الاستهلال الموسوم بـ«عتبة»، والخاتمة الموسومة بـ«العتبة أيضاً»، توفر الانطباع لدى القارئ بأنه أمام مخطوطة «مستقلة»، وهو ما يدعم الجوهر الميتاسردي للرواية عبر هذا التنوع السردي والأسلوبي والحكائي.
لذا ينطوي السرد الروائي في «لقاء الجمعة» على أكثر من لعبة سردية ماكرة، إذ تكشف الرواية عن أكثر من سارد، بل توحي بأنها عمل تأليفي مشترك بين الراوي المركزي، أو ذاته الثانية، والشخص المجهول الذي سرق الحاسوب، وتنكر باسم «جابر عثرات الروائيين» الذي سنكتشف في الفصل الختامي أنه اسم مستعار لسهيل السماوي نفسه. كما أن سهيل، خلال السنوات الطويلة التي أمضاها في السجون والمعتقلات، وبشكل خاص في سجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان، كان يدوّن ملاحظات عن حياته وتجربته، أصبحت هي الأخرى مادة أساسية من مواد النسيج الداخلي للرواية. وفضلاً عن ذلك، فقد لعب السرد الشفاهي الحكائي دوراً في إضفاء «أسلبة» لغوية وأسلوبية بتعبير باختين على لغة السرد. وظهور عنصر الحكاية، وتحديداً من خلال السرد الشفاهي، هو من الخصائص الأسلوبية الراسخة في أغلب ما كتب مؤلف الرواية حامد فاضل، وإن كان قد كرس واحداً من مؤلفاته السردية لهذا النمط الحكائي في كتابه «ألف صباح وصباح»، وجعل منه حكاءً متميزاً.
لا تخلو الرواية من جوهر تسجيلي ووثائقي، مع أنها رواية تخييلية مبأرة. كما أن كثيراً من الحقائق التي كشفت عنها، وبشكل خاص عن وضع السجناء في سجن بعقوبة، وعملية هروبهم الجماعية، والحياة الاجتماعية للسجناء في نقرة السلمان، وحتى إدراج أسمائهم الحقيقية، تكاد تكون تسجيلية ووثائقية وقريبة من الحقيقة وجزءاً من التاريخ النضالي للحركة الوطنية.
لكن الجانب الوثائقي قد تسربل برداء السرد الفني، ولم يكن مقحماً أو مصطنعاً. وبذا، فالروائي نجح في إعادة خلق الواقعة التاريخية سردياً وتخييلياً من خلال التركيز على الحياة الداخلية للشرائح المسحوقة تحت وطأة نظام الاستبداد آنذاك. ويمكن القول إن الروائي وفق في تقديم تاريخ بديل لنضال الشعب العراقي، ممثلاً بسهيل السماوي، منذ كان طالباً صغيراً في متوسطة السماوة في أوائل الخمسينيات، واعتقاله وسجنه بسبب قيادته لمظاهرة جماهيرية تضامناً مع متظاهري انتفاضة تشرين عام 1952، ومن ثم سجنه في سجن بعقوبة، ومشاركته الفعالة في حفر نفق خاص لهروب السجناء السياسيين آنذاك، ومن ثم نقله إلى سجن نقرة السلمان في بادية السماوة، حتى لحظة إطلاق سراحه مع انتصار ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.
والرواية أيضاً مهدت لاستكمال شخصية سهيل السماوي من خلال السرد الاستهلالي في «عتبة»، والختامي في «العتبة أيضاً»، من خلال التعرف إلى الوجه الآخر المعاصر لشخصية سهيل السماوي في مرحلة ما بعد الاحتلال، وتعرضه إلى التهميش والإقصاء من قبل قوى الفساد والطائفية التي هيمنت على مرافق الحياة في العراق.
ويمكن القول إن الرواية، بصفتها رواية شخصية، قد خلقت «هوية سردية» بمفهوم بول ريكور لبطلها من خلال المرويات التي كان يرويها إلى الراوي المركزي، وبسبب اهتمامها بالمكان، وتحديداً السجن السياسي، خلقت هوية سردية مكانية للسجن السياسي في العراق في ظل أنظمة الاستبداد. وفضلاً عن ذلك، وبسبب تركيز الروائي على مدينة السماوة، حاضرة وبادية، وبأهل «الوبر والمدر» -كما يقول- فقد أسس لهوية سردية لمدينة السماوة، وبشكل خاص لامتدادها الصحراوي الساحر الذي كان سجن نقرة السلمان جزءاً منه.
لقد بدا لنا الروائي مسكوناً مفتوناً بالصحراء في معظم ما كتب من أعمال سردية، وكشف في هذه الرواية بالذات عن خبرة كبيرة بالصحراء وأسرارها وأهلها وحكاياتها. ويمكن القول إنه قد كشف بعمله السردي هذا عن وجود مقومات لشعرية الصحراء، تذكرنا بعوالم الروائي الليبي إبراهيم الكوني، وهذا الثراء السحري الذي تنطوي عليه الصحراء بامتداداتها اللانهائية.
في الختام، لا يسعني إلا أن أقول عن حامد فاضل، وقدرته المدهشة على كشف شعرية الصحراء وأسرارها وأناسها وحكاياتها، ما سبق أن قلته عن الروائي إبراهيم الكوني، من أنه ذلك الساحر، البدوي، الذي يفتح لنا صندوقه الصحراوي السحري، بكل ما فيه من لقى وتمائم وحكايات وأسرار.



تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
TT

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك برعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الألكسو)، حيث اختيرت مصر ضيف شرف المهرجان بوصفها صاحبة أقدم دار أوبرا في العالم العربي.

وتنطلق الدورة الأولى للمهرجان بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) خلال الفترة من 8 حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقد تقرَّر تكريم عمر خيرت «تقديراً لعطائه وعرفاناً بدوره الرائد في إثراء ساحة الإبداع العربي»، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية. ويقدِّم «أوركسترا القاهرة السيمفوني» بقيادة المايسترو أحمد عاطف حفلاً يتضمن مجموعة من المؤلفات المصرية لكل من علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ويوسف شوقي، وعمار الشريعي، وحسن أبو السعود، وعمر خيرت، وأندريا رايدر.

وعدَّ الدكتور علاء عبد السلام، رئيس «دار الأوبرا المصرية»، اختيار الأوبرا المصرية ضيف شرف الدورة الأولى «تأكيداً لأعرقيَّتها عربياً»، مشيراً إلى أن ذلك «يُبرز عمق العلاقات بين الأشقاء ويعكس التطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفنون في المنطقة». وأضاف أن «احتضان دولة قطر للمهرجان خطوة ثقافية رائدة تعكس تقديرها للمسار الفني العربي، وتُبرز أهمية تلاقي التجارب والمؤسسات الفنية في فضاء واحد تُصاغ فيه مشروعات جديدة وتُفتح آفاق رحبة للتعاون والإبداع».

«دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف «مهرجان الأوبرا» بقطر (وزارة الثقافة المصرية)

وقال الناقد الفني المصري أحمد السماحي إن «عمر خيرت يستحق هذا التكريم عن جدارة؛ فهو منذ بداياته يقدِّم نغمة مختلفة ومتجددة، وعمل على تطوير الموسيقى المصرية من خلال توزيعاته أولاً ثم من خلال مؤلفاته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «خيرت من أوائل من ساهموا في تطوير التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، ونجح في جذب أجيال واسعة، خصوصاً من الشباب، إلى الموسيقى، وقدّم ألبومات موسيقية خالصة بأسلوب متفرد حظيت بنجاح وانتشار كبيرين».

وقدّم عمر خيرت عدداً كبيراً من الألبومات والمقطوعات التي ارتبطت بالدراما والسينما، وغنَّى من أعماله نجوم الطرب في مصر والعالم العربي، مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، ومدحت صالح، وحنان ماضي، ولطيفة. ومن أشهر مقطوعاته السينمائية «قضية عم أحمد»، و«إعدام ميت»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«عفواً أيها القانون»، ومن موسيقاه في الدراما «ضمير أبلة حكمت»، و«البخيل وأنا»، و«غوايش».

وكان مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية، الذي عقد دورته الـ24 في الرباط (المغرب)، قد أقر إقامة «مهرجان الأوبرا العربية» في قطر، واختيرت «دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف دورته الأولى بالنظر إلى أسبقيتها التاريخية، إذ أسَّست مصر أول دار أوبرا في الوطن العربي، وفق بيان وزارة الثقافة.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «تكريم عمر خيرت في (مهرجان الأوبرا العربية) الأول يعكس القيمة الكبيرة التي يُمثِّلها في الموسيقى العربية، وليس المصرية فقط»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختيار موفَّق جداً، سواء في تكريم خيرت أو في اختيار (دار الأوبرا المصرية) ضيفَ شرفٍ بوصفها الأقدم عربياً».

أُنشئت «دار الأوبرا المصرية» عام 1869 على يد الخديو إسماعيل ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبعد أكثر من قرن كانت فيه الأوبرا الخديوية المنارة الثقافية الأبرز في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ احترق مبناها في أكتوبر (تشرين الأول) 1971. ومن ثَمَّ اختيرت أرض الجزيرة مقراً للمبنى الجديد بالتنسيق مع هيئة التعاون الدولية اليابانية (JICA) والاتفاق على تصميم معماري إسلامي حديث، ليُفتتح المبنى الجديد في 10 أكتوبر 1988.


«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
TT

«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

تحت عنوان «حجر رشيد: مفتاح الحضارة المصرية»، أنتجت مكتبة الإسكندرية فيلماً وثائقياً جديداً هو الخمسون ضمن مشروع «عارف... أصلك مستقبلك» الذي يتناول موضوعات تاريخية وبيئية، ورموزاً في مجالات شتى، ويقدم رحلة بصرية شيقة تمزج بين دقة المعلومة التاريخية وسحر الحكاية.

الفيلم الأحدث بسلسلة الأفلام الوثائقية يتناول حجر رشيد؛ ليس كمجرد قطعة أثرية؛ بل كقصة حضارة خالدة ألهمت العالم أجمع، من خلال استعراض أن الحضارة المصرية قد بدأت قبل عملية التدوين.

يستعرض الفيلم تطور أنظمة الكتابة المصرية القديمة، عبر الخطوط الثلاثة المنقوشة على الحجر، وهي: الهيروغليفية (الرسم المقدس)، والهيراطيقية (خط الكهنة)، والديموطيقية (الخط الشعبي)، وصولاً إلى القبطية التي مثلت الجسر الصوتي للغة المصرية القديمة.

ويتتبع الفيلم رحلة الحجر الأثري، بدءاً من معبد «سايس» بمحافظة الغربية، ومروراً باستخدامه كحجر بناء في قلعة «قايتباي» ببرج رشيد خلال العصور الوسطى، حتى اكتشافه عام 1799 على يد الملازم الفرنسي بيار بوشار.

ويسرد الفيلم قصة الصراع اللاحق عليه بين القوات الفرنسية والإنجليزية، الذي انتهى بوجود الحجر في المتحف البريطاني حالياً.

ويُبرز الفيلم المعركة العلمية الطويلة التي دارت لفك طلاسم الحجر، مسلطاً الضوء على جهود العلماء الأوائل، مثل السويدي يوهان أكربلاد، والإنجليزي توماس يانغ. ويُظهر الوثائقي كيف نجح العبقري الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في تحقيق الانتصار العلمي. ويكشف أن تفوق شامبليون جاء نتيجة إجادته للغة القبطية التي استخدمها لربط الصوت بالصورة في النصوص القديمة. ففي سبتمبر (أيلول) 1822، أعلن شامبليون نجاحه في فك أول رموز الكتابة المصرية القديمة. وبهذا الإنجاز، تحول حجر رشيد رسمياً من مجرد وثيقة ملكية قديمة للإعفاء من الضرائب إلى أيقونة عالمية، ومفتاح جوهري لفهم التراث الإنساني.

الكتابة المصرية القديمة ظلت لغزاً لزمن طويل (مكتبة الإسكندرية)

ووفق مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، بقطاع التواصل الثقافي في مكتبة الإسكندرية، الدكتور أيمن سليمان، فإن الاهتمام بإنتاج فيلم عن حجر رشيد يعود لأهمية هذا الحجر، ودوره في الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، بعد فك طلاسم لغتها ومعرفة أبجديتها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فمن خلال لوحة تعود للعصر اليوناني– البطلمي عبارة عن مرسوم ملكي للإعفاء من الضرائب، وُضعت في كل المعابد تقريباً، نقل جزء منها لإعادة بناء قلعة قايتباي على نهر النيل بمدينة رشيد، استطاع العلماء فك رموز الكتابة المصرية»؛ لافتاً إلى أن عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون (1790– 1832) استطاع أن يترجم ويكشف عن اللغة المصرية القديمة، نظراً لمعرفته اليونانية والقبطية، وبالمقارنة استطاع أن يترجم منطوق اللفظ والكلمة من الخط المصري القديم؛ سواء المقدس (الهيروغليفي) أو الخط الشعبي (الديموطيقي).

وقدمت سلسلة «عارف... أصلك مستقبلك» 49 فيلماً وثائقياً من قبل، من بينها أفلام: «وادي حيتان»، و«بورتريهات الفيوم»، و«أبو العباس المرسي»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«حديقة الزهرية»، و«توت عنخ آمون الملك الذهبي»، و«أمير الخرائط».


«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
TT

«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)

لم يكن المخرج السويسري نيكولا واديموف يدرك أن اندلاع «حرب غزة» سيقلب أولوياته رأساً على عقب، لكنه وجد نفسه عاجزاً عن التفكير في أي شيء آخر. فالرجل الذي يصوّر في فلسطين منذ نحو 30 عاماً، ويعرف كثيرين بين غزة والضفة، عاش طوال الأسابيع الأولى للحرب تحت وطأة الخوف على أصدقائه العالقين تحت القصف، كما يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

ويصف واديموف فكرة أن يكون أولئك الذين يعرفهم جيداً تحت النار من دون أن يعرف مصيرهم بأنها كانت «أمراً لا يُحتمل». ورغم محاولته الاستمرار في مشروعاته الأخرى، سرعان ما اكتشف أن «العقل والقلب كانا في غزة»، وأن المضي في أي مشروع آخر «أصبح مستحيلاً». عندها قرر تجميد جميع أعماله، وحاول مرتين الذهاب إلى غزة ولم ينجح، قبل أن تقوده الصدفة إلى القاهرة، حيث التقى صديقه الفلسطيني جودات هوّاري الذي خرج من القطاع بعد بدء الحرب.

يتذكر واديموف حالة صديقه النفسية في تلك الفترة، ويقول: «وجدته منهاراً كلياً، نفسياً وذهنياً، والصدمة التي رأيته فيها كانت الشرارة التي ألهمتني فكرة الفيلم، والحاجة الملحّة إلى أن تُسمَع هذه الأصوات، خصوصاً في الغرب، حيث تعمل ماكينة سياسية وإعلامية منذ سنوات طويلة على خلق مسافة بين الجمهور والفلسطينيين، وتقديمهم باعتبارهم أرقاماً، إلى حد أن التعاطف معهم بات أصعب مما ينبغي أن يكون».

الفيلم عَرض قصصاً لشخصيات فلسطينية (الشركة المنتجة)

من ذلك اللقاء وُلدت نواة فيلمه «مَن الذي لا يزال حيّاً» الذي عُرض في النسخة الماضية من مهرجان «القاهرة السينمائي»، فقد عرّفه صديقه الفلسطيني على آخرين من أبناء غزة المقيمين في القاهرة، فسجّل أصواتهم أولاً، ومن ثَّم بدأت بينهم فكرة بناء فيلم كامل، قبل أن يضمّ شخصيات أخرى يعرفها هو شخصياً من غزة، ليكتمل الفريق المكوّن من 9 أشخاص.

تقوم فكرة فيلم «مَن الذي لا يزال حيّاً» على «إعادة البشر إلى الواجهة في لحظة يُراد لهم فيها أن يتحولوا إلى أرقام»، كما يقول واديموف، مضيفاً أن «الفيلم يقدّم 9 فلسطينيين من غزة: كتّاباً وصحافيين وفنانين وطلاباً ومديرين ومؤثّرين تتراوح أعمارهم بين 14 و62 عاماً، جميعهم فقدوا بيوتهم وأعمالهم وذكرياتهم تحت القصف، وتحولوا إلى لاجئين».

ويشير إلى أنه شعر تجاههم بما يشبه «العائلة الصغيرة» التي ستحمل الفيلم على عاتقها. وبينما كان من المقرر تصويره في سويسرا، فإن رفض منح الحكومة أبطال الفيلم التسعة تأشيرات دخول دفعه إلى نقل الخطة إلى جنوب أفريقيا، وهي من الدول القليلة التي تستقبل الفلسطينيين من دون تأشيرة.

المخرج السويسري نيكولا واديموف (الشرق الأوسط)

ويرى واديموف أن لهذا القرار بعداً رمزياً مهماً بالنظر إلى «العلاقة التاريخية والأخوّة» بين جنوب أفريقيا وفلسطين، مستحضراً رمزية مانديلا وعرفات ونضالهما، قبل أن يمضي الفريق هناك 3 أسابيع لإنجاز التصوير.

ويعترف بأن الفيلم «كان امتحاناً قاسياً على الصعيد النفسي، ليس لي فقط، بل لكل المشاركين. استعادة الذكريات في خضم الصدمة ليست خطوة بسيطة. عادةً يعمل العلاج النفسي على إبعاد تلك الذكريات أو وضعها في مكان آمن حتى يستطيع الإنسان أن يتعافى، في حين طلبتُ العكس من المشاركين بأن يغوصوا في ذواتهم ويستدعوا ما يحاولون نسيانه».

الفيلم صُوّر في جنوب أفريقيا لعدم تمكن فريق العمل من الحصول على تأشيرات سويسرا (الشركة المنتجة)

ويضيف أنه كان يدرك أن ذلك «خطر عليهم»، لكن البيئة التي كوّنها الفريق كانت حاضنة وقائمة على الدعم المتبادل. «كنا بمثابة عائلة قوية نتشارك كل شيء، وكانوا يدعمون بعضهم طوال الوقت»، مؤكداً أن الشخصيات أمام الكاميرا لم تكن بحاجة إلى توجيه، فـ«الصدق جعل حضورهم أقوى من حضور الممثلين».

ورغم حساسية الموضوع، يوضح واديموف أن الهدف لم يكن نقل المعلومات، فالعالم - من وجهة نظره - «يعرف كل شيء»، والجميع شاهد تفاصيل الإبادة «دقيقة بدقيقة عبر وسائل التواصل»، لكن المشكلة، كما يقول، «ليست في المعرفة، بل في الإحساس. فالناس يعرفون لكنهم لا يشعرون. لذلك اعتبرت أن وظيفة الفيلم ليست إخبار الجمهور بما حدث، بل مساعدته على الشعور به؛ لأن المعرفة بلا تعاطف لا تغيّر شيئاً».

وعن المناخ السياسي في سويسرا تجاه ما يحدث في غزة وصعوبات التمويل، يتحدث بوضوح عن «انقسام البلاد إلى شطرين»، لكنه يؤكد أن هذا الانقسام لم ينعكس على تمويل الفيلم؛ إذ حصل على دعم المؤسسات الثقافية الفيدرالية والتلفزيون السويسري، الذي يصفه بأنه «شجاع ويقوم بواجبه». ويضيف: «أصدقائي دعموا خياري منذ البداية. مَن حولي يقفون في الجانب الصحيح من التاريخ، ولا أحتفظ بصداقات مع أشخاص يلتزمون الصمت أمام الإبادة؛ لأن الصمت تواطؤ».