مفارقات البهجة والشجن في قصص سودانية

بثينة خضر مكي تلتقطها في مجموعتها «صحوة قلب»

مفارقات البهجة والشجن في قصص سودانية
TT

مفارقات البهجة والشجن في قصص سودانية

مفارقات البهجة والشجن في قصص سودانية

عن البهجة والشجن ولحظات الفرح والسعادة، ودراما الموروث الشعبي ومفارقاته في الواقع السوداني، تدور أجواء المجموعة القصصية «صحوة قلب» الصادرة حديثاً عن دار «مجاز» بالقاهرة للكاتبة السودانية بثينة خضر مكي. وعلى عكس الصورة النمطية الشائعة لدى البعض عن السودان، والتي تركز على الكوارث الطبيعية والأزمات السياسية، تستعيد هذه المجموعة ملامح الوجه الإنساني لبلد ضارب بحضارته في عمق التاريخ.

- عكس الصورة
تقع المجموعة في 116 صفحة من القطع المتوسط، وتتضمن 16 قصة تتنوع ما بين الريف والمدينة، السودان وأوروبا، عالم البسطاء والمثقفين. ونلمح هنا ثنائية الغرب والشرق، أو الأنا والآخر الأثيرة في الكتابة السردية العربية، تطل برأسها من جديد، في عدد من القصص، فتتحول إلى شكل من التناصّ المعكوس على مستويي الدلالة والرؤية لرواية «موسم الهجرة للشمال» الشهيرة للطيب صالح، فبدلاً من أن يذهب بطله إلى بريطانيا ليحقق التفوق العربي على المستعمر القديم عبر إغواء نسائه، تبدو الصورة مغايرة في أول قصص المجموعة والتي تحمل اسم «الخواجاية». فالسودان هو الملجأ والمنقذ لـ«ديفيد» البريطاني الذي جاء إلى الخرطوم للاستشفاء بصحبة زوجته «سيلفيا» التي تراوح الخمسين «لكن جسدها الممشوق يقاوم الوشاية حقيقة عمرها».
أُصيب «ديفيد» بداء عضال تخلص منه في مشافي أوروبا لكنّ ضعفاً ووهناً وعجزاً خفيفاً في بعض الأطراف لا يزال ينغّص عليه حياته. جاء إلى هنا ليتداوى بمعرفة خبراء الطب الشعبي والأعشاب والرقية الشرعية. كان أبوه إدوارد ممثلاً لسلطة الاحتلال قديماً وله أصدقاء عديدون في السودان منهم «العمدة بركات» الذي نصح ابن صديقه «الخواجة» إدوارد بالمجيء إلى السودان وتحديداً مناطق دنقلا والدامر ومروى ليتخلص من دائه. أيضاً تفارق هذه الصورة أبطال روايات «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم و«قنديل أم هاشم» ليحيى حقي و«الحي اللاتيني» لسهيل إدريس، الذين انبهروا بالغرب وقارنوا بينه وبين تخلف الشرق، حيث يبدو «الخواجة» هنا وزوجته بريطانيين منبهرين بما يملكه الشرق من طاقات روحانية تسبب الشفاء، حتى إن «ديفيد» يبحث عن «واسطة» من أجل أن يحدد الطبيب المداوي «أبو زيد» له موعداً استثنائياً، وهو ما يحدث بالفعل، وتنتهي القصة بفرحته الشديدة حين يوافق الشيخ على رؤيته بعد أسبوعين.
في قصة «الماشطة» ندلف إلى عالم النساء السري عبر شخصية «مسرّة» وهي بالفعل تُدخل المسرات حين تأتيها النسوة والعرائس والفتيات. تقضي الواحدة منهن ساعات طويلة بين يديها ثم تخرج إلى أهلها وقد تغيرت ملامحها كثيراً حيث تقوم ابنة أخيها المطلقة بتحضير الحناء وعمل نقوش جميلة بها في أيدي وسيقان النسوة، ثم تقوم هي بتبخيرهن بالأخشاب العطرية التي تجعل لون الحناء يزداد سواداً ولمعاناً بعد عملية إزالة الشعيرات التي تنمو في مناطق متفرقة من أجسادهن بعجينة الحلوى اللزجة المصنوعة من السكر والليمون.
نرى كل هذه التفاصيل بعيون «عثمان» الطفولية المتلصصة، ابن الثامنة، وبراءة اكتشاف عالم الأنوثة من باب التلصص البريء لطفل على عالم لن يفهمه إلا حين يكبر لاحقاً ويتزوج هو الآخر من فتاة بسيطة لكنها جميلة وتعمل «ماشطة» ولكن في ثوب عصري وعبر محل.
وترصد المؤلفة مفارقات التحولات الطبقية في المجتمع عبر هذا النص من خلال «مسرة» وهي زوجة مسؤول مهم، من أجل إصلاح ما أفسده الدهر. تأتي في عربة فخمة يقودها سائق، يفتح لها الباب لتدخل في تمهل وهي تتلفت حولها في تلصص وتتمنى أن تحضر واحدة من نساء الجيران لتشاهد عزوتها ومباهاتها بنفسها، وذلك الفخر الزائف الذي كانت تفتقده تماماً حين كانت مجرد فتاة فقيرة لأب فقير يعمل حارساً ليلياً بمستشفى للأطفال.
- مأساة عجوز
وربما كانت «وفاة موظف بالمعاش» أكثر قصص المجموعة إثارة للشجن والتأمل في تحولات الزمان والبشر، كما أنها أكثر النصوص نضجاً من الناحية الفنية. البطل هنا مدير سجن سابق تقاعد براتب هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع لأنه عاش نزيهاً يرفض الرشوة أو الاستفادة من موقعه الحساس. يقضي الرجل سنواته الأخيرة وحيداً، فلا أحد من أولاده وبناته يتذكره إلا في المناسبات البعيدة المتفرقة بعد أن تعب في تربيتهم وجعلهم يرتقون مناصب مرموقة في دبي ولندن والخرطوم. ضاقت الأحوال، لكنّ عزّة نفسه تمنعه من طلب المساعدة من أبنائه. طعامه عبارة عن لقيمات من خبز غير طازج يغمسها في زيت سمسم مع رش بعض الملح. يمضغ الطعام في حركات رتيبة وهو يتذكر أكثر ما عشقه في حياته؛ الطعام الشهيّ والنساء الجميلات. يتذكر وهو القروي المنشأ تفاصيل الولائم الكبرى التي تقام في العاصمة فتبدو له مثل نجوم من الفرح والهناء تطل من السماء. كانت تطرب روحه وهو يرى أهل المدينة يجرجرون كبشاً سميناً ليُنحر بين الأقدام، وتتبارى النساء الفاتنات الماهرات في إعداد الطعام. لحظات وتبدأ جلجلة أصوات المعادن من صوانٍ وصاجات وقدور طبخ كبيرة في الهيمنة على هدوء المكان. يمر الوقت سريعاً حيث تكون صانعات الكرة يعملن بكل همة، ورائحة الشواء على الجمر المتوهج تغطي أفق المكان، وقد توزعت الخضراوات بألوانها البهيجة، خالية من الأسمدة الصناعية، وقد قُطفت من الأراضي الزراعية التي تمتد من طرف المنازل حتى مجرى النيل القريب، على صحون السرفيس والصاجات التي سرعان ما تمتلئ باللحوم المحمّرة الحادقة التي تفوح منها روائح البهارات والثوم.
يموت العجوز «عثمان أفندي الحازم الشريف حسن السلوك» كما تصفه كلمات النعي التي توسطت نصف صفحة كاملة في جريدة كبرى والتي حرص عليها أبناؤه حرصاً على الوجاهة والشكل الاجتماعي. وتكتمل المفارقة الكبرى حين نجد أن الوليمة التي حُرم منها وعاش يحلم باستعادتها تُقام بالفعل لرهط من البشر في عزائه ليستمتع بها معزّون أغلبهم غرباء!
الغربة نفسها تطالعنا على نحو آخر في قصة «صحوة قلب» التي وسمت عنوان المجموعة، حيث نجد محاولة قاسية للهرب من الشعور الحاد بالاغتراب عن الذات، وهو المعنى الذي تنتهي به قصة حب بين شاب وفتاة من قرية سودانية، فأمام تعقُّد بنية المجتمع وافتقاد الطمأنينة، لا يجد سوى الانخراط في تنظيم «داعش» الإرهابي سبيلاً للخلاص.
تكتب بثينة خضر مكي بلغة مباشرة، بسيطة، شبه تقريرية، تخلو من المجاز ولا تبالي بالمحسنات البلاغية حيث تبدو مهمومة فقط بالتواصل مع المتلقي عبر حكاية شيقة وسرد متدفق، لكنها في المجمل محمّلة بعلاقات ودلالات جمالية لها مذاقها الخاص.



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.